تواجه الشركة الوطنية للماء تحديات متعددة تتعلق بتكاليف الإنتاج وتسربات الماء خلال التوزيع، وفوضوية الاكتتاب إضافة لتعاظم المصاريف الثابتة، من رواتب وأجور وبنزين وطاقة.. وفرض الدولة على الشركة إدارة مناطق ذات كثافة سكانية منخفضة، والتي لا تبرر تجاريا فتح مركز للشركة مثل: انتيكان.. وباركيول.
تتعاظم هذه التحديات بسبب كون الشركة شركة تجارية وصناعية بحتة، لا تتلقى أي دعم من الدولة. والطامة الكبرى أن من يتولى إدارتها غالبا ما يكون زعيما سياسيا لديه أعباء مالية كبيرة يثقل بها كاهل الشركة المثقل أصلا..
وسوف نقوم في هذه العجالة بتشخيص للحالة العامة للشركة مع إثارة لبعض إشكالاتها واقتراحات لبعض الحلول لعل القائمين على شأنها أن يستأنسوا بهذا المقال الذي سوف نفصله حسب المواضيع الآتية.
أولا: غياب نظام أساسي فعال للشركة:
فقد أدى غياب نظام أساسي محدث وفعال للشركة إلى عدة مشاكل، منها:
عدم وضوح المسؤوليات حيث لم يكن هناك توزيع واضح للصلاحيات والمهام، مما يؤدي إلى تداخل في الأدوار، وإغفال بعض المهام دون أن يكون هناك مسؤول محدد عن هذا الإغفال.
وقد يتسبب عدم تحديد وظائف كل عامل بوضوح في تراكم الأعمال أو نقص في الأداء بسبب عدم توزيع الأعباء بشكل متوازن مما يؤثر سلبا على الأداء.
وعليه فلا بد من إنشاء نظام أساسي واضح يمكن أن يساعد في تحسين التنسيق، وضمان تنفيذ المهام بكفاءة، مما يعزز بيئة عمل منظمة ومنتظمة.
ثانيا: تأثير المحسوبية والأجندات السياسية على الاكتتاب داخل الشركة:
تتجلى المشكلة في عدم تنظيم عملية الاكتتاب بشكل فعّال، نتيجة غياب معايير شفافة ونزيهة وموضوعية، فغياب هذه المعطيات يكرس المحسوبية والزبونية، مما يؤدي إلى نتائج لا تلبي الاحتياجات الحقيقية للشركة، علاوة على ذلك، فإن استخدام المدرين العامين لصلاحياتهم التقديرية بناء على أجندات سياسية ضيقة بدلاً من التركيز على مصالح الشركة يعيق تحقيق أهداف الاكتتاب التي تسعى الشركة من خلاله لتعزيز كادرها البشري بأطر أكفاء يمكن أن يرفعوا من الإنتاجية ويساعدوا في الرفع من مستواها الاقتصادي والمالي.
ثالثا: تكاليف الإنتاج والتوزيع والمصاريف الثابتة:
تشكل تكاليف الإنتاج والتوزيع عبئاً مالياً كبيراً على الشركة، تتضمن هذه التكاليف مواد التحلية والطاقة الكهربائية، والصيانة، إضافة إلى تكاليف توزيع المياه وصيانة الشبكة.. المصاريف الثابتة مثل الرواتب والأجور والوقود تزيد من تعقيد الأمور المالية، حيث تظل مرتفعة بغض النظر عن حجم الإنتاج وهو ما ينبغي أن يزيد من حرص الإدارة العامة على تخفيف الأعباء غير الثابتة وغير الضرورية سعيا للتوازن واستمرار خدمة الشركة وتعزيز أدائها.
رابعا: إدارة المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة:
تواجه الشركة تحديات إضافية بسبب إدارتها لمناطق ذات كثافة سكانية منخفضة، لا تبرر أعداد المشتركين الاستثمار في البنى التحتية وإرسال كوادر إدارية مما يؤدي إلى توزيع غير فعّال للموارد وزيادة التكاليف التشغيلية، التي سوف تضع ضغطاً إضافيا على الوضع المالي للشركة.
خامسا: غياب التكوين المستمر ونظام إداري فعّال:
غياب التكوين المستمر للعمال يضعف مهاراتهم وكفاءاتهم، مما يؤثر سلباً على جودة الخدمة، فعلى الشركة أن تقوم بفتح معهد تكويني مهني يمر به جميع العاملين للشركة من أجل تحديث المعلومات وإكساب المهارات.. كما أن نقص نظام إداري واضح يحدد الصلاحيات والمسؤوليات يساهم في الفوضى الإدارية ويعيق فعالية العمليات الادارية.
سادسا: التدخلات السياسية وأثرها السلبي:
تعد التدخلات السياسية في إدارة الشركة من أكبر المشاكل التي تواجهها، فتعيين مدرين بخلفية سياسية على رأس الشركة غالباً ما تكون مبنية على اعتبارات لا تخدم الكفاءة، وتعزيز الإنتاجية مما يساهم في تعميق الفساد الإداري والمالي وسوء الإدارة ويشجع على المحسوبية حيث يسعى المدير لوضع جميع الأعباء المالية التي يفترض أن ينهض بها سياسيا يلقيها على كاهل الشركة المثقل أصلا غير مبال بحال الشركة ولا مصالحها وهو ما يجعلها تتراجع يوما بعد يوم.
فما لم تكن لمدير الشركة مأمورية محددة تمكنه من وضع وتنفيذ استراتيجية متوسطة المدى مع كفاءة مهنية وبعد عن السياسة وإكراهاتها، فإن الشركة سوف تظل في دوامة من التقهقر والانحدار لن تحمد عقباه.
سابعا: استقلالية الشركة وعدم دعم الدولة:
تعتبر الشركة الوطنية للماء شركة تجارية وصناعية بحتة، ولا تتلقى أي دعم مالي من ميزانية الدولة سنويا، ضف إلى ذلك فصل تبعية المشاريع ذات التمويل الخارجي المهم، والتي كانت في السابق جزءاً من مسؤوليات الشركة، على سبيل المثال، مشروع "اظهر"، ومشروع "التوصلة" في نواكشوط، والتي كانت تتولى الشركة مسؤوليات إدارتها، ثم أصبحت هذه المشاريع تتبع مباشرة للوزارة، مما قلل من الموارد المالية للشركة.
ثامنا: الحاجة للخصوصية الإدارية:
لضمان تحسين أداء الشركة واستدامتها، من الضروري تعزيز استقلالية الإدارة، بحيث يجب أن يتم تعيين المدير العام ونائبه من التكنوقراط المشهود لهم بالكفاءة المهنية والنزاهة الأخلاقية، مع وضع شروط فنية وإدارية صارمة لضمان إدارتهما الفعالة والمحايدة، كما يجب أن تُعطى الشركة خصوصية إدارية لتجنب التدخلات السياسية، مما يتيح لها التركيز على تحسين الكفاءة وتطوير العمل..
وإلى أن ينتبه القائمون على الشأن العام لهذه الملاحظات ويعملوا بمقتضاها سوف نظل الشركة الوطنية للماء في دوامة من الإصلاحات الشكلية والترقيعات الظرفية التي لا تحسن من الخدمات ولا تمنع من الأعطاب.