من المؤكد أن الأمطار هذا العام متأخرة جداً، ويمكن القول أن هذا التأخر يشكل مصدر قلق للمزارعين والمنتمين في أغلب ولايات الوطن، ما قد يعيد إلى الأذهان أعوام جفاف ضربة البلد الذي يعتمد بشكل كبير على التنمية الحيوانية والزراعة الموسمية في الريف و مناطق الداخل بصفة خاصة.
قبل أشهر معدودة وبالتحديد يوم 29 من مايو من هذا العام، وأثناء استقبال وزير التجهيز آنذاك للمدير العام لمركز الأرصاد الإماراتي، تطرق الجانبان لوضعية الانطلاقة الرسمية لعملية الاستمطار الصناعي في موريتانيا في الموسم الحالي معتمدة في ذلك على تجربة الإمارات العربية المتحدة في هذا المجال، هذه التجربة الرائدة، تتطلع منها موريتانيا إلى مدها بالخبرات والتقنيات الحديثة في هذا المجال المهم لتحقيق الأمن المائي والرعوي والاستدامة البيئية.
دعونا نُلقي نظرة عامة حول الاستمطار الصناعي وكيفيته ونتائجه وانعكاساته على البيئة في هذه الأسطر.
استمطار السحب هو تقنية لزيادة كمية ونوعية الأمطار لأنواع من السحب لاستغلال خصائصها وتحفيز وتسريع عملية هطول الأمطار على مناطق معينة ومحددة مسبقا.
وتتم من خلال طائرات مخصصة لبذر مواد دقيقة ليس لها ضرر على البيئة في أماكن محددة من السحب، مما يغير العمليات الفيزيائية الدقيقة داخل السحابة نفسها.
وتهدف أساسا إلى:
- زيادة مستويات هطول الأمطار،
- إيجاد مصدر جديد للماء،
- تكثيف التشجير،
- تقليص رقعة التصحر،
تعتبر تقنية الاستدرار الصناعي للأمطار من الوسائل المستعملة لزيادة كمية الأمطار المتساقطة، وذلك عن طريق زرع بعض المواد الكيميائية في السحب القابلة للزرع والتي تتوفر على كمية مهمة من الماء. هذه المواد الكيميائية تقوم بالرفع من تركيز حبات الثلج في السحب، وبالتالي إجبارها على الإمطار بوتيرة أكبر مقارنة مع السحب غير المعالجة. وقد مكنت هده التقنية، حسب بعض الدراسات التي أجريت في بعض البلدان، من الزيادة في إنتاجية بعض المزروعات ومن الرفع من مخزون السدود.
بدأت أول محاولة للاستمطار الصناعي في العالم في سنة 1891، ثم تطورت هذه العملية عن طريق مواد كـ"يوديد الفضة" و"الثلج الجاف" و"الأملاح الرطبة"، وتتم عملية الاستمطار بحقن بعض هذه المواد في الغيوم مما يجعل قطرات الماء الموجودة بداخلها تتحول إلى بلورات ثلجية تتساقط بفعل ثقلها نحو الأرض لتعيدها الحرارة المرتفعة قرب السطح إلى حالتها السائلة ثانية، وتعتبر هذه الطريقة الأشهر للاستمطار.
من أجل نجاح عملية الاستمطار الصناعي لا بد من توفر عوامل طبيعية أهمها:
- تواجد بعض السحب الركامية،
- وجود تيارات هوائية صاعدة،
- معرفة الوقت المناسب للحقن،
- معرفة الكمية المناسبة التي يجب حقنها بالسحب لتحفيزها.
بالنسبة لاستخدام هذه التقنية هناك دول كبيرة تستخدم الاستمطار الصناعي؛ منها الصين التي تملك أكبر برنامج في العالم، وكذلك الولايات المتحدة التي تستخدم تقنيات متطورة في المناطق الجافة، والهند التي زادت من عمليات الاستمطار في عدد من ولاياتها.
في عالمنا العربي تعد الإمارات العربية المتحدة من أكثر الدول العربية استخداماً لتلقيح السحب، والسعودية، وعُمان، والأردن أيضا، ثم المغرب.
يعتقد الكثير من العلماء في مجال البيئة أن تقنية الاستمطار الاصطناعي من الممكن أن تساهم في إيجاد حلول تساعد على التعامل مع البيئات الجافة، زيادة كثافة الغطاء النباتي والسيطرة على العواصف الترابية، والحد من البرد، وإخماد حرائق الغابات، وإعادة ملء السدود وزيادة مخزون المياه الجوفية لاستخدامها مستقبلا.
ومن السلبيات المثبتة علميا هي المخاوف من التأثير بشكل عكسي على الطقس، وارتفاع نسبة المواد الكيميائية في الهواء، وسرقة الأمطار من الغيوم من قبل بعض الدول قبل دخولها المجال الجوي لدول أخرى، ضف إلى ذلك انخفاض نسبة نجاح تلقيح السحب الذي بالكاد يصل إلى 10% في بعض الظروف البيئية.
مع وجود التحديات المناخية في العالم بشكل عام ومنطقتنا الإفريقية بشكل خاص وتوجه دول عديدة لاستخدام تقنية الاستمطار الاصطناعي، كيف ستكون التغيرات المناخية في بلدنا في حال استمرت المملكة المغربية بتطوير التقنية واستمطار السحب قبل دخولها الأجواء الموريتانية؟ وما هي الاستراتيجيات الدولية التي سيتخذها بلدنا لدراسة استخدام هذه التقنية والحفاظ على نسب الأمطار اللازمة للحفاظ على بيئة مناخية أكثر توازنا نأمل أن تكون هنالك استراتيجيات سريعة لدراسة سلبيات وإيجابيات هذه الظاهرة على مناخ بلدنا.