يستطيع الملاحظ غير المتبصر أن يدرك أن السياسة العامة للحكومة، كما عرضها معالي الوزير الأول المختار اجاي أول أمس أمام نواب الجمعية الوطنية، وناقشها معهم اليوم، جاءت كخيط ناظم وجسر عبور بين مرحلتين من إدارة صاحب الفخامة محمد ولد الشيخ الغزواني لدفة الحكم في البلاد.
فهي خيط ناظم لأنها لم تترك فراغا ولا فجوة في مسار الحكم، بل حبكت بقوة حلقات ذلك المسار، وهي جسر عبور، لأنها أحكمت بدقة لافتة مسألة العبور بشكل آمن من ضفة الإنجاز "التعهد" إلى ضفة الإنجاز المقرر في "الطموح"، فتربعت على الضفتين "التعهد " و"الطموح" فبرمجت على إكمال ما تأخر في "التعهد" لأسباب شتى، ووضعت الخطط والبرامج وحددت التدابير العملية لتنفيذ "الطموح" سعيا لتحقيق التنمية الشاملة للمواطنين في دولة أراد لها "الطموح" أن تكون كاملة الاستقلال.
ولأن صاحب الفخامة، يدرك بجلاء أن الانتقال من مقاربة تنموية، كان الهدف منها انتشال وضع مزر للدولة والمجتمع، وبناء الثقة بين الدولة والمواطن الذي صار بسبب اليأس والإحباط من تحقيق نهضته "الحلم" إلى إدارة ظهره للدولة ولكل من يسوسها، فكان "التعهد" هو المقاربة الملاءمة لتحقيق الهدفين معا (انتشال الوضع المزرى، وبناء الثقة بين المواطن والدولة)، وقد نجح صاحب الفخامة من خلال المنجز، أن يبنى الثقة بين الطرفين، ويهيئ المجتمع والناس للانتقال إلى مرحلة أكثر شمولية وأبلغ أثرا وأضمن لتحقيق تطلعات الشعب المشروعة، فكان "الطموح للوطن" كمقاربة تنموية أكثر شمولا وأنجع لحياة الناس، وأضمن لتحقيق رفاههم والمقاربة التنموية التي تحتاجها الدولة والمجتمع .
وهكذا جاء برنامج "طموحي للوطن" كمقاربة تنموية شاملة، واضحة الرؤية، دقيقة التشخيص والتحليل لوضع الدولة وحال المجتمع والناس، ومستجمعة لأشكال التدابير التي يحتاجها المجتمع ويطلبها المواطنون، مفصلة لما يجب التفصيل فيه ومجملة لما يجب الإجمال فيه.
وغني عن البيان أن صاحب الفخامة بوضعه لبرنامج "طموحي للوطن" للمأمورية المشرع فيها، أراد أن يرتقي بدولته ومجتمعه إلى عظائم الإنجازات ليحقق تطلعات شعبه في الازدياد المستمر في الرقي لبناء دولة حديثة وعصرية، كهدف ينشده الجميع ويتحرى لمن يسوسه البلوغ به إليه،
دولة تمتلك زمام أمرها، وتتوفر على كل مستلزمات تحقيق الرخاء لمواطنيها، دون أن تعبر حدودها طلبا لتحقيق ساسياتها التنموية، آمنة مطمئنة في انسجام ووئام بين مكوناتها، لا يكدر مقومات لحمتها أي غبن أو تهميش، ولا أي نقص في ميزان العدالة بين أهلها، وما برنامج "طموحي للوطن" إلا صياغة وترجمة دقيقة لتلك الغايات والأهداف السامية التي تكمنُ في طموح السيد الرئيس للوطن، وما كان برنامج "تعهداتي" إلا لبنة أولى لجعل "الطموح" قابلا للخروج إلى النور كمقاربة كانت جاهزة بقوة عند صاحب الفخامة، لكنه لم يجازف بإخراجها للمجتمع، لان الأرضية لم تكن مهيأة لها، أما وقد حقق برنامج "تعهداتي" الغاية التي وضع لها، ومنها تهيئة المجتمع والناس لفهم "الطموح" والالتفاف حوله دعما ومشاركة في تنفيذه ونجاحه، فإن وضع خطة لبلوغ الأهداف والغايات التي وُضع من أجل تحقيقها، صار بالأمر المطلوب والوارد والمستعجل، ويكفي فقط اختيار أداة قادرة على تنفيذه، ولكن خيار تلك الأداة القادرة، يحتاج توفر شرطين أساسيين:
- الأول: هو المؤهلات العلمية والإدارية والتجربة الغنية في إدارة المرافق العمومية. والقدرة على الإبداع والابتكار؛
- الثاني: هو قوة الإطار الأخلاقي.
وأستطيع أن أخمن أن صاحب الفخامة عند إعداده لبرنامجه الانتخابي "طموحي للوطن"، كان يعرف تلك الأداة ومتيقنا أنها قادرة على تنفيذ برنامجه، لأن من البداهة، أن من يريد الاستثمار في أي مجال أو في أي أمر، لا بد أن يضمن وجود المصادر البشرية التي لها من الصفات ما يؤهلها للقيام بذلك، وهنا يأتي اختيار معالي الوزير الأول المختار ولد اجاي ليتولى مهمة التنفيذ تلك.
ولم يكن اختيار الأداة التنفيذية، بتلك المواصفات بالأمر السهل على الإطلاق، بل لعله كان التحدي الأكبر لوجود "سيستم" معطوب بسبب الفساد المتراكم، الذي يعشش وينخر في مناكب الإدارة، ولكن صاحب الفخامة كان يقظا وله الدراية الكافية والمعرفة الدقيقة بأصحابه (الإدارة)، وعازما في نفس الوقت ومصمما على التغيير الجذري، فاختار للشعب من أبنائه الأصلح الذي لا تأخذه لومة لائم، ولا ينظر إلى الخلف عند العبور بالدولة وبالمجتمع والناس نحو "الطموح" "الثورة" الصامتة، الثورة التي تُستنفر لها كل الطاقات، وتهيئ لها كل أسباب النجاح، وأبسطها الوطنيون الصالحون (المسؤولون)، من أبناء المجتمع الذين يستطيعون الانفصال عن الرذائل وصغائر اللمم، وخبروا مرافق الدولة وعندهم الطموح لفعل المحمودِ والنافع للمجتمع .
وبقدر ما حرص صاحب الفخامة على حسن اختيار إدارة تنفيذ برنامجه، حرص معالي الوزير الأول، بالتشاور معه على اختيار الأصلح ذي الخبرة من أبناء الوطن للعمل كفريق عضوي تضامني، لتحقيق البرنامج الطموح، الضامن لتحقيق النهوض المنشود للبلاد، ولأن معالي الوزير الأول، يعرف كل التحديات التي تواجهها الحكومة، وأولها عقلية المجتمع وعدم ثقته في إمكانية تحقيق الإصلاح الجذري، عمد في وضعه للسياسة العامة على تحقيق أمرين لازمين لنجاح الإصلاح:
- الأمر الأول: هو المكاشفة والصراحة مع الشعب؛
- الأمر الثاني: هو إشراك الشعب في وضع الخطط التنموية وتنفيذها.
سنستعرض بالتفصيل لذلك عند تعليقنا على السياسة العامة للحكومة كما تم عرضها ونقاشها أمام البرلمان ونالت تزكية غير مسبوقة في تاريخ الجمعية الوطنية.
يتواصل في سلسلة من المقالات القادمة إن شاء الله.