إن في تنظيم الحج ما يقال
إن الطريقة غير العادلة التي تستأثر بموجبها السلطة على قسط لا بأس من الجوازات، ويمكن احتسابه بسهوله، عندما لا تلتزم وزارة الشؤون الدينية بالنسبة الموضوعة من قبل السلطات السعودية للحجيج كل عام، والمقدرة بنسمة واحدة من كل ألف، هي حاصل مليوني مسلم منتقى لأداء المناسك من مجموع مليارين في العالم؛ فعوض أن يمنح مثلا سبعون جوازا لحاضرة فيها سبعون ألف ساكن، يتم تقليص العدد إلى عشرين، ما يعني أن خمسين جوازا تم الاستحواذ عليها في إدارة محلية واحدة! ويقال مثل ذلك في كل الولايات عبر القطر الجزائري. ومن بعد ذلك، تبدأ السلطة في توزيع الجوازات على الموظفين السامين والنافذين وشيوخ الزوايا ورجال المال والأعمال بمقابل مادي أو معنوي، يتمثل في المال والولاء.
ولما تصل الجوازات المستأثر بها إلى الجهات المشبوهة، يقوم هؤلاء بالعمل الاستغلالي نفسه مع شرائح الشعب المختلفة، أكثرها "يباع" لقاء مبلغ من المال قد يصل إلى مئتي مليون، يستخدم، بطبيعة الحال، مصطلح البيع بدل الارتشاء. وهنالك طرق مغشوشة أخرى، رأيت موظفين في الدولة يمارسونها في إطار "قانوني"، في حال ما إذا تعذر على حاج أداء الفريضة لعارض حال دونه أو توفي، فيكتب المتخلف تنازلا خطيا، تحت إلحاح مسؤولي الإدارة المحلية بالولاية، يعتذر فيه المعذور عن الحج هذا العام. كان العمل به فيما سبق أن يسمي صاحب الجواز أحدا من أهله ليخلفه في هذا الحق، وكان من الأقسط كذلك أن يتم استدعاء قائمة الاحتياط المعدة لمثل هذه الحالات أو إجراء قرعة جديدة لتوزيع ما تبقى من جوازات. إذن تختفي تلك الحظوظ وتوزع بطرق ملتوية، يثرى منها الكثير من الانتهازيين في السلطة على حساب من تقطعت به السبل إثراء غير مشروع، يتكرر ذلك كل سنة مع الأسف الشديد.
تمت الإجراءات الأولية لتنظيم موسم الحج عبر موقع الديوان على شبكة "الأنترنيت" وبالتنسيق مع الإدارات المحلية، وتم حجز الرحلات والفنادق عبر هذا الموقع، وبطبيعة الحال كان الديوان هو من يتحكم في التوقيت والأماكن الخاصة بالإقامة، وإن بدا أنه يطرح ظاهرا خيارات للحاج. ومما يؤخذ على التنظيم أنه وزع الحجاج على غرف خماسية، يسكنها أفراد تجمعهم قرابة أو رفقاء تربطهم صداقة، وإن تعذر عليه ذلك استجمع أشتاتا متفرقين بحسب الجنس، المهم أن تملأ الغرفة بخمسة أشخاص كيفما اتفق، مع عدم لحاظ الحاجة إلى غرف تسع اثنين أو ثلاثة، بل إن الغرف التي حشر فيها خمسة أشخاص هي بالأساس لا تصلح إلا لاثنين أو ثلاثة على أقصى تقدير. وهكذا تفرق الأزواج في الفندق الواحد في غرف متباعدة أو في طوابق مختلفة، طوال مدة شهر كامل مقسوم بين مكة المكرمة والمدينة المنورة. أي أن الزوجين يظلان محرومين من اللقاء، من دون سبب وجيه يذكر، عدا استغلال الأسرة الخمسة بأي وجه كان، في غرف لا تتحمل هذا العدد.
إن ذلك العمل استغلال فج يصب في مصلحة المستثمرين السعوديين أصحاب الأبراج العالية المتطاولة في البنيان، وفيه علاوة على ذلك شبهة فساد، إذ لا يحقق واقع الحال راحة حاج دفع مبالغ طائلة من أجل خدمات لائقة. وإذا كان الله تعالى قد أمر إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) بتطهير البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود، فهل من الطهر في شيء أن يفصل الأزواج عن بعضهم شهرا كاملا، في أجواء ساحرة لا تخلو من فتنة أحيانا، لم يتجاوز الشارع الحكيم نفسه في أحكام النساء بالنسبة للمحرمين أياما معدودات؟
إنه من كان حريصا على تطبيق السنن النبوية في الحج لم يجد مكانا ولا غذاء في التخييم بعرفات، ومن لم يبت في منى ولا في مزدلفة أمنوا له هذا وذاك، وبطريقة لا تخلو من فوضى ولو كان حاجا غير نظامي. إنه عندما يشتري المتفرجون على المباريات في أوروبا تذكرة يبقى مكانه محجوزا ولو امتلأ الملعب عن بكرة أبيه. إن لكل مسجل في بعثة الحج حقا يستوفيه سواء مضى مع المجموعة التي تعجلت الذهاب إلى عرفات ولم تبت بمنى أو تعجلت في الرجعة الذهاب إلى منى ولم تقض ليلة العيد بالمشعر الحرام. ولكل خطوة ضوابطها والتدريب عليها.
ولم يك الوضع في المدينة المنورة أحسن حالا منها في مكة المكرمة، فوضى توزيع الحجاج على غرفهم بعد قدومهم إلى وصولهم المدينة كانت المشهد الذي تردت في أخلاق كثير ممن أتم الحجة، فأن تأوي إلى غرف مع مجموعة جديدة تتشكل سريعا عندما وصول كل حافلة شرطا لتسليم مفتاح الغرفة لضيوف أرهقهم السفر ولد لدى الحجيج تعبا نفسيا غير مبرر، كان يمكن تلافيه لو بقيت كل مجموعة تآلفت بحكم الجوار في فنادق مكة أولى من هذه الفوضى. وكادت بعض الأنانيات أن توقع في المحظور عندما استولت مجموعات من مناطق نائية في الجزائر على طوابق بعينها تريد أن تتجاور في ما بينها، فمنعت أناسا من غير مناطقهم استلام الغرف الموجهين إليها، وقضى الحجيج ليلة لم تسلم من تدافع وسباب بالقرب من الحرم النبوي الشريف.
الحماية، السوار والشريحة تخول دون اختلاط البعثات بغير النظاميين، ممن جاء للسياحة ثم اغتنم موسم الحج ليؤدي الفريضة، ولكنه في الإيواء والإعاشة والتنقلات يتطفل على حقوق النظاميين ويأخذ نصيبهم الذي دفعوا ثمنه حين سددوا أقساط الحج في الجزائر. السوار الإلكتروني يوضع في معصم الحاج بالمطار قبل مغادرة أراضي الوطن ويسترد منه عند العودة.
تقشف في الطبابة والدواء
أطنان من الأدوية جلبها الطاقم الطبي المرافق للحجاج، أكثرها يراعي الأدواء العامة التي يشتكي منها الجزائريون، خاصة السكري وضغط الدم والدهون والحساسية... المعاينة والأدوية المتاحة تقدم للمرضى مجانا. والحق يقال ههنا، فإن الطاقم الطبي كان حاضرا طوال مدة الحج، ليلا ونهارا، يقدم ما استطاع من خدمات رغم قلة الإمكانات. لكن الطبابة المرافقة للحجيج تستحق من الديوان عناية زائدة على ما هو متاح، خاصة وأن الدولة الجزائرية ذات إمكانات كبيرة لا يعجزها أن تجند طاقما طبيا متكاملا، بأطباء متخصصين بدل عامين، وأدوية كافية تسهم في راحة المرضى بدلا من تقسيم علبة الدواء الواحدة على عدد من المرضى، غالبا ما تنفد ولا يزال صاحبها عليلا.
أمر آخر يتعلق بالاستعجالات ولوازمها، فالعيادات الموجودة في الفنادق حيث يقيم الجزائريون تنعدم فيها الإسعافات الأولية، وأجهزة العمليات البسيطة من حروق وجروح، وتستعين الطواقم في مثل هذه الحالات بالمستشفيات السعودية، وكان بإمكان الحكومة أن توفر ذلك لأطقمها، ولكنه الشح والتقتير واستسهال مد يد العون من دولة الاستقبال في أمور بسيطة لا يصعب توفيرها.
لم يبرح الأطباء ومعاونوهم الممرضين من البعثة الجزائرية أماكن أعمالهم، فتجدهم في الخدمة أنى قصدت فيه غرفة العلاج، ولكنك لن تجد أكثر من واحد أو اثنين يصحبهم ممرض ينظم الدخول والخروج، وفي يديهم بعضا من الأدوية العامة، تقسم العلبة الواحدة منها على عدد من المرضى، المهم أن تشعر بتحسن ولو كان طفيفا، ريثما تعود إلى الجزائر وتبدأ إن شئت رحلة علاج لا تنتهي عن قريب.
الملاحظ في أماكن الطبابة افتقارها لوسائل الإسعاف الأولية، وأجهزة التنفس الاصطناعية، ومستلزمات عناية مركزة وعمليات بسيطة. يعتمد الأطباء في ذلك على المصحات السعودية، التي رأيت أنها ترفض علاج بعض المرضى لسبب أو آخر، أو أنها توجههم إلى ما لا يطيقون الذهاب إليه إلا بمرافقة، والمرافقة الرسمية تلاشى معظمها وتختفي بعيد وصول الرحلة إلى أماكن الإقامات.