على مدار الساعة

ثلاث غِراف من مآثر القائد السنوار

19 أكتوبر, 2024 - 13:36
د. محمد الحسن محمد الأمين

إن الكلام عن القائد العظيم والبطل المغوار يحيى السنوار عسل مصفى، فما سمعت عنه شيئا أو قرأته إلا وددت لو أعدته ألف مرة دون كلل وملل، فالحديث عنه أولى بقول المجنون من أحدوثة الخفرات البيض:

 

مِنَ الخَفَراتِ البيضِ وَدَّ جَليسُها *** إِذا ما اِنقَضَت أُحدوثَةٌ لَو تُعيدُها

 

وحسب كل امرئ مسلم أن ينيخ ركابه على شاطئ مآثره ليرتوي فخرا واعتزازا وإجلالا، وسأغترف منه ثلاث غِراف ذكرتني بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم )أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره).

 

1. العيش في سبيل الله قبل الموت في سبيله:

لا يدرك كثير من الناس أن العيش في سبيل الله أصعب من الموت في سبيله، وأن يسلك رجل طريق الحق 63 سنة متحمّلا عبء الاعتقال والملاحقة والقتال وشظف العيش أصعب من اشتباك مع العدو ساعات، وقد تفطن لهذا المعنى مربي الأجيال السيد قطب رحمه الله في تفسير سورة المزمل من "الظلال" حيث يقول: (إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا، ولكنه يعيش صغيرا ويموت صغيرا، فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير.. فماله والنوم، وماله والراحة، وماله والفراش الدافئ والعيش الهادئ والمتاع المريح).

 

ويشهد لهذا المعنى حديث طلحة بن عبيد الله في الرجلين الذين أسلما، وقد غزا أحدهما فاستشهد وتوفي الآخر بعده، فرأى طلحة في المنام أن الآخِر يؤذن له في دخول الجنة قبل الأول، ولمّا بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أليس قد مكث هذا بعده سنة...؟" الخ.

 

فالعيش في سبيل الله أصعب من الموت في سبيله خاصة في هذا العصر الهازل الذي استبيح فيه الحمى وضاع العرين، وقد عاش السنوار في سبيل الله ومات في سبيله نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا رحمه الله تعالى وتقبله في الشهداء.

 

2. الإباء:

لقد ترفع السنوار طوال حياته عن الدنايا وامتنع عمّا يضيمه، والإباء لازمه في جميع محطّاته بدءا من السجن حين عرضوا عليه إطلاق سراحه إذا استسمح واعتذر فأبى ذلك، مرورا بمفاوضات الأسرى التي كان يديرها في زنزانته وأبى إلا أن يخرج جميع الأسرى، وانتهاء بقيادته في غزة إذ عرضوا عليه أنواع المغريات ليخضعوا حماس بالمال فأبى.

 

وربما يوجد تناسب بين السنوار الثائر المتمرد على الظلم وفعل "أبى" المتمرد على القياس أصلا، فالقياس في اللغة يقتضي أن يكون يائي اللام من "فعَل" مكسورا في المضارع كرمى يرمي ومشى يمشي لكن "أبى" تمردّ وظلّ شامخا لا يقبل الكسر مثل السنوار تماما.

 

3. إقامة الحجة على الأمة:

قد زرع اليهود الرعب في قلوب الناس من خلال تركيز الإعلام العالمي على قوتهم وجيوشهم، وما فتئوا يرددّون خزعبلات لا تسمن ولا تغني من جوع حتى ضربهم السنوار في السابع من أكتوبر، فأذل كبراءهم وفضح كذبهم وافتراءهم واتضح أن جيشهم أوهن من بيت العنكبوت، ولم تفتك ضربة السابع من أكتوبر بالصهاينة إلا بقدر ما أقامت الحجة على الأمة الإسلامية.

 

وهي أمة كغثاء السيل بعضها منشغل في نشر التفرقة والنزاع بين طوائف الأمة من سنة وشيعة وكأنه يساعد العدو في التهامها والقضاء عليها.

 

ويتحتم على أبناء الأمة في هذه المعركة المصيرية أن يدركوا حقيقة كثير من الصراعات الطائفية التي لا تتجاوز حدّ السياسة في أصلها، لكن الصهيونية العالمية بذلت قصارى جهدها في تغذيتها بروح الدين كي لا تنتهي أبدا، وما هي إلا أمة واحدة كما قال تعالى {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}.

 

وقد أدرك الشهيد أبو إبراهيم هذه الحقيقة فلم يمنعه مذهبه السني من الاندماج في محور المقاومة الشيعي تغليبا لمصالح الأمة الكبرى وإدراكا لمكائد أعداء الملة، رحمه الله تعالى فهو أحق بقول الشاعر:

 

فَتىً ماتَ بَينَ الضَربِ وَالطَعنِ ميتَةً *** تَقومُ مَقامَ النَصرِ إِذ فاتَهُ النَصرُ

وَما ماتَ حَتّى ماتَ مَضرِبُ سَيفِهِ *** مِنَ الضَربِ وَاِعتَلَّت عَلَيهِ القَنا السُمرُ