في يوم 17 اكتوبر أي في اليوم 377 من الحرب على غزة أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، استشهاد قائد حركة حماس يحيى السنوار، الذي انتخب بالإجماع بعد اغتيال رئيس الحركة الشهيد إسماعيل هنية، في إيران أثناء مشاركته في تنصيب الرئيس الإيراني.
حسب بعض روايات إذاعة الكيان الصهيوني فإن الاشتباك مع رئيس حركة "حماس" وقع في تل السلطان في رفح، وكان يرتدي جعبة عسكرية ومعه قيادي ميداني آخر. سرعان ما أعلنت الحركة الخبر حيث نعت قائدا ملهما بكل معاني الكلمة، اختار القائد أن يكون في مقدمة المجاهدين، عكس ما كانت تُروج له رواية الكيان المحتل المنهزم، منذ سنة، يُكرر قادته أنه في نفق، مرة تحت مستشفى الشفاء، ومرة تحت مدارس الأونروا..
زفت حركة حماس الجهادية الخبر اليقين أن الزعيم السنوار قد ارتقى إلى بارئه، بالضبط بعد عشرة أيام من ذكرى اندلاع عملية غلاف غزة التي كان مهندسها الأول، وعشرة أيام أيضا على ولادته في اليوم نفسه (7 تشرين أول/ أكتوبر) قبل 62 عاما في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة.
ولد السنوار بعد 14 سنة من تأسيس إسرائيل، الدولة التي كانت ثمرة احتلال فلسطين وتقسيم الغرب للشرق الأوسط وفق هواهم، والتي جمعت لهم العنصرية، والهوان، وضربت عرض الحائط بكل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
السنوار سيكون أول زعيم يستشهد في ميدان القتال في العصر الحديث، حيث تحكي أكثر ورايات الاحتلال منطقية أن جنودا اشتبكوا مع ثلاثة عناصر في منزل وطلبوا النجدة، حيث تفرق الثلاثة، فكان الشهيد السنوار في منزل يتبادل إطلاق النار مع جنود الاحتلال لتصيبه قذيفة في الرأس، سرعان ما تدخلت مسيرة لتمسح المنزل، فلم يستسلم وهو ينزف دما نتيجة إصابته فانهال على الطائرة بأعواد من الخشب، ليجد الجنود الضوء الأخضر لدخول المبني حيث اشتبك معهم بقنابله اليدوية، ويرتقي شهيدا، مُقدما درسا في التضحية والجهاد والزهد في الدنيا والرغبة في الاستشهاد، في سبيل قضية أمة، تمزقت ولم تعد على قلب رجل واحد، أمة استكانت للدولة الصهيونية وحلفائها خوفا وطمعا، أمة في سُبات عميق، وفلسطين تنزف دما، وأعداد شهدائها في عام تقترب من 50 ألف شهيد وحوالي مليوني نازح، ومستشفيات مدمرة، ومساجد مخربة، وأحياء بكاملها نُسفت.
ينضم يحي السنوار لقائمة الشهداء التي تعود أصحاب الأرض على تقديمها دفاعا عن الشرف والدين والوطن، لكن السنوار اختار أن يكون شهيدا مقاتلا في ساحة المعركة، لن ينسي الغرب أن زعيما اسمه السنوار رفض سياسات الاحتلال ونفذ أكبر عملية قتالية حرفية في التاريخ المعاصر.
لم يختر السنوار، ولا الفلسطينيون كلّهم، هذه الحرب، فمن ينظر إلى الحقبة التي قضاها الرجل على قيد الحياة، سيجد أن حياته كانت تخلط بين محاولة فهم هذا الظلم بالدراسة والنضال العنيد لتغييره، فبعد انتهاء دراسته في الثانوية، انتقل إلى الجامعة الإسلامية في غزة حيث تخرج من شعبة الدراسات العربية، ثم استغل 23 عاما أمضاها في سجون إسرائيل أي أكثر من 37% من سنوات حياته، تعلم هذا الشهيد العبرية ليُؤلف ويترجم كتبا، وليشارك، في الوقت نفسه، من داخل السجن وخارجه في عملية الكفاح للتحرر، وإيلام العدو حيث قاد أكثر عملية عسكرية احترافية في العصر الحديث على الإطلاق، في قطاع لا تزيد مساحته على 365 كلم مربع، محاصر منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن.
حصار بري وبحري وجوي فرضه الاحتلال على القطاع، لكن المقاومة لم تستسلم ولم تنهزم.
السنوار المهندس الفعلي لطوفان الأقصى حيث الهجوم على ثكنات ومستوطنات، واجتياز جدار مراقب بأكثر التكنولوجيا الحربية العالمية تطورا، لقد كنت أتابع مقابلات مع مواطنين من الدولة المحتلة في إذاعة غربية، فقال أحدهم أفكر في السنوار أكثر من 9 ساعات في اليوم بعد معركة 7 أكتوبر، ولا أنام الليل خوفا من هجماته في منزلي، إضافة إلى أنه وضع نظرية الجيش الذي لا يُقهر في خبر كان.
لقد كانت هجمات 7 أكتوبر لحظة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، وحلفائها، لينقسم العالم إلى محورين أحدهما يقف مع القضية الفلسطينية وتصفه الدولة العبرية وحلفائها من الغرب بمحور الشر، ومحور مع الدولة العبرية ويُوجه إعلامه ومنابره لانتقاد المقاومة وتحميلها المسؤولية عن كل الدمار والحرب في المنطقة، إضافة أنها فتحت جبهة لبنان حيث حزب الله، الذي بدأ مبكرا في إسناد جبهة غزة، وإيران التي قصفت الكيان المحتل مرتين مرة بالمسيرات ومرة بالصواريخ الباليستية، في رد على اغتيال رئيس حركة حماس الشهيد إسماعيل هنية على أرضها، وكذا اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني الشهيد حسن نصر الله.
سيتذكّر التاريخ السنوار كمسؤول رئيسي عن أكبر منحنى في فلسطين والشرق الأوسط والعالم، لقد نجح السنوار في شد انتباه العالم لقضية فلسطين فحدثت مظاهرات في دول الغرب كلها احتجاجا على دعم دولة الاحتلال الغادرة، فبدأت وسائل الإعلام في التعاطي مع القضية وبدأت شريحة واسعة تفهم الصراع وأنه احتلال غربي لأرض فلسطينية ولا بد من استعادتها، ارتقي يحي السنوار إلى بارئه شهيدا قائداً مقبلا غير مدبر، فسيذكره الفلسطينيون كثيرا كما سيُخلده كل أحرار العالم، كأحد رموز المقاومة التي لا تُقهر.
رحمك الله يا يحي فالموت في سبيل الله أغلى أمانينا.