على مدار الساعة

النظم البيئية الغابوية في موريتانيا الفرص والتحديات

30 أكتوبر, 2024 - 16:44
محمد عينين أحمد - رئيس الجمعية الموريتانية للسلامة والصحة المهنية والمحافظة على البيئة - ainineahmed@gmail.com

تعد موريتانيا من البلدان متنوعة المجال البيولوجي والمناخي، لموقعها المتميز على ضفاف المحيط الأطلسي والصحراء الكبرى ونهر السنغال، إضافة إلى مرتفعات جبلية، ومحميتين طبيعيتين هما حوض آركين الذي يحمي النظم البيئية الساحلية والبحرية الغنية والضحلة التي تتكامل مع الصحراء القاحلة، والحظيرة الوطنية لجاولينغ الذي يشكل الجزء الشمالي من دلتا نهر السنغال، وتعتبر أكبر سلسلة جبلية فيها هي كدية الجل بارتفاع يقارب 950 مترا.

 

لا يختلف اثنان في بلدنا على أهمية المجال الغابوي كمصدر حيوي لسكان الأرياف والقرى الموريتانية، لكننا نسجل انعدام أرقام دقيقة للمستفيد منها بالرغم من أن معلومات غير حكومية تشير  إلى أن الغابات الموريتانية تشكل 60% من مداخيل بعض المجتمعات،  ضف إلى ذلك غياب مقاولات في هذا المجال عكس الدول المجاورة، حيث يكون المجال الغابوي مهما لامتصاص بطالة الأرياف وتوفير فرص عمل دائمة لأصحاب الدخل المحدود، بالإضافة إلى تقنين العمل بالمجال على غرار المملكة المغربية المجاورة، حيث يوفر مثلا  القطاع الغابوي، حوالي 10 ملايين يوم عمل في السنة بالعالم القروي و28 ألف وظيفة بالمقاولات العاملة بالمجال الغابوي، وحوالي 14 ألف فرصة عمل بمجال التحويل كما يوفر 26 ألف فرصة عمل بالنسبة لعملية جمع الخشب.

 

إن حجم الاستنزاف الذي يتعرض له المجال الطبيعي والغابوي يتفاقم، بفعل العوامل البشرية والطبيعية، كالرعي الجائر، والقطع غير القانوني للخشب، والهجمات الطفيلية التي تؤدي إضافة للعوامل المناخية إلى تطور غير عادي لبعض أجزاء الغابات، فلا يختلف اثنان أن الغابات في موريتانيا تشهد تراجعا مقلقا لبعض أنواع الأشجار كما وكيفا، وهذا ينعكس على التنوع الحيوي للحيوانات التي تشكل تلك الأشجار موائل - مواطن – لها، صحيح أن البلد شهد موجات جفاف حادة لعل أكثرها أثرا تلك التي سجلت نهاية السبعينيات، وخلفت ورائها إرثا صعبا حيث قضت على الكثير من الحيوانات والنباتات وأدت إلى موجة هجرة من الأرياف إلى المدن، ما زلنا ندفع ثمنها حيث لم نستفد منها، لنجعل من أريافنا أقطابا تنموية وأماكن لورشات الخشب الذي نعتمد عليه كثيرا مستوردا من مالي ودول أخرى.

 

في هذا السياق، نُوصى باتخاذ جملة من التدابير الأساسية الاستعجالية، منها:

- وضع مُدَوَّنَةٍ قانونية للغابات يتم بِموجَبِها تجميع النصوص القانونية المعمول بها، وتحديد حقوق والتزامات جميع الأطراف المتدخلة، وتدقيق طرق وكيفيات حماية التنوع البيولوجي، وتحسين سلامة النظم البيئية الغابوية، ومكافحة حرائق الغابات.

- الرفع التدريجي من مساحة المناطق المحمية بهدف احترام الالتزامات الدولية في مجال التنوع البيولوجي.

- تكثيف عمليات إعادة التشجير من خلال تنظيم حملات وطنية، وتحديد المساحات المستهدفة، وتعزيز الاستثمارات المستدامة وتقديم التحفيزات الضريبية للمقاولات المعنية، وإعادة النظر في الاختيارات المتعلقة بالأصناف الغابوية المعنية بإعادة التشجير.

- الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في تتبع عمليات التشجير، ومراقبة ومكافحة حرائق الغابات.

- إعادة النظر في "تصنيف" الأشجار الغابوية التي تتمتع ثِمَارُها بقيمة اقتصادية وتجارية عالية.

- تنمية السياحة البيئية في المناطق المحمية بما يُراعي خصوصياتِها الإيكولوجية.

- مواكبة ودعم الساكنة المحلية، من خلال تنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ومنح إعانات لتشجيع مشاريع زراعة أشجار غابوية مثمرة والنباتات العطرية والطبية.

 

إن الهدف من هذه المقرحات هو وضع بدائل لتحقيق التوازن بين استدامة النظم البيئية الغابوية وبين قدرتها على الصمود في مواجهة التغيرات المناخية، ومختلف أوجه استغلال خدماتها، وتحقيق التنمية الاقتصادية للمناطق المعنية والساكنة المحلية.

 

ولعل أبرز استصلاح للغابات لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار وضع خطط لتنمية هذه الموارد المستدامة من خلال عمليات التشجير التي يُتوخي منها أهدافا كثيرة لعل من أهمها توفير الخشب والعلف وحماية الماء والتربة، بالإضافة إلى التنوع لبيولوجي، مع تركيز عمليات التشجير على الأودية وسفوح الجبال، من أجل منع انجراف التربة الذي تزداد خطورته خلال موسم الأمطار.

 

إن التغير المناخي وتأثيراته الكثيرة والمتلاحقة من فيضانات في مناطق من الكرة الأرضية، وحرائق الغابات، تجعلنا ندق ناقوس الخطر من التغير المناخي الذي أصبح لا مفر منه ولعل بعض تبعاته وصلت إلينا من تأخر للأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، ولعل نفوق الأسماك على شواطئنا له أيضا ما يبرره من ظاهرة الاحتباس الحراري العابرة للقارات والتي طالما حذرت منها المنظمات الدولية.

 

لكنني كخلاصة للموضوع، أري أن العامل البشري هو الأشد خطرا على المجال الغابوي فلا هو يراعى المعايير العالمية للاستغلال الغابوي، أن الإفراط في استغلال الموارد الغابوية هو السبب الرئيسي لتدهور الغابات، وتأتي التغيرات المناخية في المرتبة الثانية، والتوسع العمراني غير المنظم في المرتبة الثالثة.

 

إن أهم التدابير التي يجب اتخاذها لا بد أن تعتمد على ترشيد استغلال الموارد الغابوية، وإشراك الساكنة المحلية في تسيير تنمية المجال الغابوي.