تشكل عملية جمع ونقل والتخلص من النفايات الصلبة بالمدن عبأ ماليا كبيرا على قطاع خدمات المرافق بالمدن. إن عملية إنتاج وتراكم النفايات الصلبة من مصادرها المختلفة داخل المدينة يتم بصورة مستمرة وعلى مدار الساعة، كما أن جمعها ونقلها والتخلص منها ذا أهمية كبيرة في سبيل المحافظة على الصحة العامة للسكان وجماليات المدينة.
تحتاج عملية النظافة العامة للمدن إلى إدارة جيدة وتخطيط مسبق لغرض تفادي المشاكل التي يمكن أن تنجم عن عملية الجمع والتخلص من النفايات الصلبة. لقد نجحت العديد من المدن الكبرى بمناطق مختلفة من العالم في إعداد وتنفيذ مخطط عام لإدارة النفايات الصلبة على مستوى تلك المدن، ومن الملاحظ أن هذه المخططات قد تختلف في بعض الجوانب التشغيلية وهذا راجع إلى اختلاف الظروف المحلية من مدينة إلى أخرى والتي لها أثر كبير على نجاحها.
نحاول هنا أن نستعرض عملية جمع النفايات في مدينة نواكشوط التي تتولاها اللجنة الوزارية المذكورة مع بعض التوصيات التي نتمنى أن تجد آذانا صاغية، وتعاونا ينعكس إيجابيا على حياتنا وصحتنا.
نحاول التركيز على ما يُقام به من طرف شركات جمع النفايات المسؤولة عن جمع النفايات وحملها إلى وجهتها النهائية مكب النفايات دون الخوض فيما بعد ذلك، لعلنا نجد فرصة أخرى لنقاشه، توضع في نقاط محددة وعادة ما تكون قريبة من الشوارع المعبدة حاويات حديدية، ليرمي الناس فيها نفاياتهم، أحيانا يقوم أصحاب العربات بجمع النفايات أمام المنازل ومقابل أسعار رمزية ورميها أيضا في هذه الحاويات الحديدية المخصصة لها، هنا نسجل بشكل واضح أن الحاويات قليلة جدا وسعتها محدودة، ما يؤدي إلى تطاير النفايات حولها، وبالتالي يُصبح الشارع مكانا لتجميع النفايات، التي في الغالب لا تصلها الشاحنات المكلفة بتفريغها إلى ليلا، وما يترتب على ذلك من انتشار للقمامة وأحيانا تتطاير بفعل الرياح وتُعكر الجو العام وبالتالي سكينة المارة، غالبا ما تقوم الشاحنات المتجولة هذه بتفريغ حمولتها من النفايات في أماكن مخصصة لذلك (حائط مفتوح) لتأتي الشاحنات الكبيرة التي تحمل هذه النفايات إلى وجهتها النهائية (مكب تيفيريت) وما يُواكب هذا النقل من تطاير للقمامة على الأرصفة، بالإضافة إلى تهالك تلك المعدات وعدم احترامها للنظم السلاماتية، هنا لا ألوم سائقي الشاحنات، بل الأمر يعود إلى أن هذه الشركات التي لم تُقدم لهم أي تكوين ولا توصيات حول التقيد بالسرعة، وحتى أيضاً الحمولة التي يجب أن يلتزموا بها حتى لا تتطاير النفايات على الشارع العام، والسالك لطريق الأمل نهارا بين المدينة والمكب لا يخفي عليه ذلك.
لا بد أن نشير إلى أن حائطا كبيرا مخصص لفصل النفايات يقع على طرف المدينة غير بعيد عن ملتقي الطرق المعروف شعبيا بملتقي اعلي الرئيس الأسبق رحمه الله، حيث تتصاعد منه روائح كريهة، وغير صحية، وأحيانا نرى أعمدة الدخان بشكل كثيف، يقع هذا الموقع قرب المنطقة الصناعية في ولاية نواكشوط الشمالية، مما يجعلنا ندعوا إلى مطابقته مع النظم البيئية والسلاماتية المتعارف عليها، وأيضا تكون عند مدخل هذا الموقع الشاحنات الكبيرة التي تحمل النفايات وتلك التي تُفرغها مع غياب تام لإشارات المرور أو إشارات تدل على ذلك، ما قد يُعرض سالكي هذا الطريق الحيوي للكثير من المخاطر.
نرجو معالجة هذه الاختلالات الكبيرة التي أسلفنا، مع وضع خطط لتحسين الإجراءات التي تواكب عمليات الجمع والشحن، وأنتهز الفرصة لأقول إن العمال الذين يتولون المهمة وحتى إن كانوا تابعين لشركات في القطاع الخاص، فإنه عليهم الالتزام بالإجراءات الاحترازية اللازمة، نذكر منها القفازات والكمامات وملابس مضادة للجراثيم والبكتيريا وحماية أجسامهم، وعرضهم دوريا على المستشفيات خوفا من الالتهابات التي غالبا ما تكون مصاحبة لهذه البيئة.
في هذا الصدد، نرصد أبرز التوصيات الضرورية للتصدي للمشكلات والتحديات التي تواجه القطاع على النحو الآتي:
- جرد الحاجات الأساسية لحاويات النفايات وجعلها مطابقة للنظم البيئية العالمية.
- تكوين الطاقم المسؤول عن جمع وتوزيع النفايات على الإجراءات اللازمة لضمان سلامة البيئة وسلامة العاملين أنفسهم.
- إعداد خطة وطنية لجمع ونقل المخلفات الصلبة وإعادة استخدامها وتدويرها وإشراك الخبراء والمجتمع المدني في إعداد هذه الخطة وتنفيذها ومتابعة تنفيذها.
- ضرورة إجراء مراجعة شاملة للتشريعات البيئية والعمل على سن قانون موحد للبيئة في جميع مجالاتها، واتخاذ تدابير تشريعية وتنظيمية صارمة تضمن التخلص الآمن من المخلفات الصلبة الخطرة.
- إلزام المصانع بتطبيق الاشتراطات البيئية، وفرض رسوم تصاعدية على الانبعاثات الغازية والسائلة للمنشآت الصناعية.
- إنشاء جهاز قضائي بيئي متخصص مُدرب، وتمكينه من الوسائل والأدوات الفنية في إجراءات حماية البيئة، وتطوير المحارق الخاصة بمعالجة النفايات الصلبة.
- استخدام التكنولوجيا النظيفة في مشاريع إعادة تدوير المخلفات، في إطار مفهوم الاقتصاد الأخضر والمشروعات الصديقة البيئة.
- إنشاء برامج في كل بلدية مكلفة بتحسين خدمات النظافة العامة، والتخلص من المخلفات الصلبة.
- إنشاء محطة لاسترجاع المواد القابلة للتدوير.
- تقليل المعالجة بالحرق مقابل الاعتماد على المعالجة بالردم أو دفن النفايات الصلبة في أعماق الأرض.
إن أهم طريقة اليوم للتعامل مع النفايات الصلبة هي إعادة تدويرها واستخدامها كمواد أولية في الصناعة، ويمكن إعادة استخدام وتدوير النفايات الصناعية والنفايات في المناطق المنزلية مثل الكرتون، والأكياس، والمخلفات الغذائية عن طريق معالجتها عبر عمليات صناعية تمهيدا لإعادة استخدامها كمواد خام لتصنيع منتجات جديدة.
كما أنه يُكمن أن تنتج من هذه النفايات الصلبة بعض الأسمدة العضوية، عن طريق مخلفات المطبخ، إضافة إلى أنه عندما تُحرق هذه النفايات الصلبة فإنها تُستغل لإنتاج طاقة حرارية للأبنية متعددة الطوابق كما في عدة مدن بريطانية كمثال.
إن النفايات التي لا تخضع للمعالجة المطلوبة تؤدي الى تلوث المحيطات، وتسبب الفيضانات، وتنقل الأمراض، وتزيد من مشاكل التنفس بسبب الحرق، وتؤذي الحيوانات التي تستهلك النفايات دون وعي، وتؤثر على التنمية الاقتصادية كالسياحة.
تُشير تقارير المنظمات الدولية في 2018، إلى أن التوسع السريع للمدن، ونمو السكان، والتنمية الاقتصادية سيدفع النفايات العالمية إلى زيادة بنسبة 70% خلال الثلاثين عامًا القادمة إلى 3.40 مليار طن من النفايات المتولدة سنويًا، والذي يفوق النمو السكاني بأكثر من الضعف بحلول عام 2050.
إن إدارة النفايات الصلبة هي مسؤولية الجميع. فضمان الإدارة الفعالة والسليمة للنفايات الصلبة أمر بالغ الأهمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ثم إن النفايات التي تُلقى بدون إدارة أو في العراء أو يتم حرقها تضر بصحة الإنسان، وتضر بالبيئة والمناخ، لذا لا بد من وضع خطط علمية وعلمية مدروسة، تحترم النظم البيئية والسلاماتية وتحافظ على نظافة المدينة، ولن يتحقق ذلك إلا ببذل الجهود اللازمة في كل مراحل هذه العملية الصعبة.