أولا، تعهد الرئيس غزواني ببنك وتأمين زراعي ضمن تعهداته قبل ست سنوات، وهو ما لم يحصل إلى الآن. وهذا عائق حقيقي دون تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائيين. وخاصة في ضوء تكرار الفيضانات وغياب أي رؤية استراتيجية لتفادي تكرار الخسائر المدمرة، كما حصل الآن. مع الأسف الرأي العام بما في ذلك المزارعون لا يحاسبون أصحاب القرار على تعهداتهم والتقصير في مسؤولياتهم، بل يستمر الجميع في الولاء لأسباب لا علاقة لها بالواقع!
الواقع اليوم مزر، فهناك حوالي 50% من أصل 43 ألف هكتار كانت مزروعة غمرتها المياه وهي قريبة من الحصاد الذي كان يفترض أن يبدأ في الثلث الأخير من أكتوبر، وينتهي في الثلث الأول من يناير، وهذه نكسة مؤلمة، خاصة على الطبقة الوسطى والدنيا المنشغلة ميدانيا بالزراعة، فكبار رجال الأعمال ملاك غالبا للأراضي يؤجرونها (حوالي 80% من الأرض مؤجرة) وللمصانع، ولذلك خسائرهم طفيفة أو معدومة.
الخسائر بسبب الفيضانات شملت كل المناطق شرق روصو، وأما الجانب الغربي فأتلفه العطش تقريبا، وهذه مفارقة توضح العجز والفشل في تعاطي النظام مع الزراعة، ولنقس القطاعات الأخرى على ذلك.
هذا الفشل يتضح أيضا في مستوى الاستصلاح أصلا، حيث تصل الأراضي المستصلحة - مع أقصى درجات التفاؤل - إلى 60 ألف هكتار، من أصل 135 ألف على الأقل صالحة للزراعة على ضفة النهر، أي حوالي 40% فقط. رغم حاجة المواطنين للمزيد من الاستصلاح وحاجة البلد للاكتفاء الغذائي بل وللتصدير، وإذا قارنا هذه النسبة مع السنغال سنخجل.
ولا ننسى في هذا الإطار تعهدات رجال الأعمال (خاصة اتحاد أرباب العمل) للرئيس بخصوص الاستصلاح الترابي، وما حصلوا عليه من امتيازات مادية ومعنوية مقابل ذلك، وهو نفس مصير تعهداتهم في مهرجان تمبدغة بخصوص التنمية الحيوانية، وتعهداتهم بقصر المؤتمرات حول التشغيل والتكوين والتصنيع وغيره، وربما تعهداتهم بل واجباتهم بخصوص الضرائب والصفقات واحترام الجودة والتواريخ وحقوق العمال في القطاع الخاص، مما يخالفون فيه القانون ولا تردعهم أي سلطة. لكن يمكن القول إن سلطة لا تلتزم بتعهداتها للشعب لن يلتزم لها رجال الأعمال بتعهداتهم، ولن يحترموا القانون في ظلها، خاصة إذا ارتبطت مصالح رجالات السلطة برجال الأعمال هبات ومنحا ورشاوى!
من يقارن مخصصات نسب الزراعة في ميزانيات البلدان المجاورة يدرك مدى إهمال النظام للأمن الغذائي، وعدم جديته في الاكتفاء فمثلا في السنغال ومالي تتراوح النسبة بين 16% و17% من الميزانية العامة، أما عندنا فلا تصل 4%، وهذه فرصة لتذكير صناع القرار المعنين وخاصة الرئيس والوزير الأول ووزير الاقتصاد والمالية ووزير الزراعة بضرورة مضاعفة نسبة الزراعة في الميزانية. بينما لا داعي لتذكير الأغلبية الموالية لهم في البرلمان، لأن دور أغلبها هو المصادقة على كل ما يأتي من الحكومة، وعرقلة أي مقترح يأتي من النواب في إطار تعديل بنود الميزانيات، وقد عانينا من ذلك طيلة السنوات الست الماضية.
اليوم يحتاج المزارعون لتدخل حقيقي وعاجل دون أي تأجيل أو تسويف، وكلام وزير الزراعة في مقابلته في التلفزيون الرسمي غير مناسب ولا واقعي، وقد يستشف منه تبسيط الخسائر، وهذا أمر مستغرب من شخص يعرف القطاع ويقوده. وينبغي أن يبدأ هذا التدخل بالتعويض المناسب للخسائر، فلا أقل من 500 ألف أوقية قديمة للهكتار، الذي تصل تكاليفه إلى هذا المبلغ أو تزيد، ويمكن تقسيم هذه التكاليف إلى 80% نقدا تسلم للمعنيين، و20% من الأسمدة مثلا.
لقد حصل بعض هذا التعويض في ظل النظام الحالي سنة 2020، حيث عوضوا عن 11 ألف هكتار حينها، بمعدل 162 أوقية قديمة للهكتار. حوالي 100 ألف منها نقدا والباقي أسمدة وتجهيزات، وقد استفاد حينها أغلب المتضررين، رغم أن البعض بقي، ورغم أن التعويضات لم تكن تناسب الخسائر، كما استفاد منها آخرون لم يتضرروا، ولكنها كانت محاولة يستأنس بها، مع أن الخسائر أكبر الآن بكثير من سنة 2020.
كما يجب العمل على فك العزلة عن المناطق التي حاصرتها المياه، ويجب استصلاح الأراضي من جديد، وتوفير الكهرباء بصيفة شاملة ومستدامة، وإنشاء بنك وتأمين زراعيين (في السنغال ثلاثة أنواع من التأمين وفي المغرب سبعة)، وكذلك إعفاء الوقود الخاص بالزراعة من الجمركة، وتوفير الأسمدة ووسائل محاربة الآفات، ومنح الأراضي للمزارعين بدل تأجيرها لهم من طرف رجال الأعمال، هذا بالإضافة إلى منح أولوية خاصة للأسر الضعيفة التي رُحّلت وتهدمت مساكنها وزراعتها وتعيش الآن حاضرا مزريا ومستقبلا غامضا.
ختاما، يجب أن يعي الشعب والحكومة وصناع القرار وصناع الرأي أن الزراعة استقلال وأمن واستقرار، ويجب أن تمنح الأولوية القصوى ضمن قطاعات ذات أهمية قصوى مثل الصحة والتعليم والأمن والعدالة الخ، فأي شعب يأكل من أرضه، ويتعالج في مستشفياته بتأمين صحي شامل وأطباء وممرضين أكفاء وفي ظروف حسنة أو مقبولة، ويتعلم في مدارسه غنيه وفقيره دون اكتظاظ ولا قساوة ظروف وبمعلمين وأساتذة في ظروف حسنة أو مقبولة، ويتوفر على الأمن بأجهزة أمنية وعسكرية مكونة ومنضبطة وجاهزة وفي ظروف حسنة أو مقبولة من حيث الرواتب والشفافية في الاكتتاب والترقيات والتحويلات، ويمتلك جهازا قضائيا عادلا وفعالا وفي ظروف حسنة أو مقبولة يمكن أن يقال إنه شعب يعيش أو يسعى للعيش في وطنه، وما دون ذلك معاناة وفشل يجب على الجميع السعي لتغييره، وتغيير من يقفون عائقا دون تغييره.