إنما أحكم على الناس من خلال أفعالهم في الحاضر والماضي ولا أعلم الغيب كي أحاكم النيات أو أتوقع المستقبل، ومن أجل ذلك أستطيع وأنا مرتاح التعبير عن اعجابي واحترامي لتجربة الأخ الفاضل المناضل محمد الأمين ولد الفاضل.
أستاذي - كما أناديه في حضرته - يستخدم أدوات تستهويني وهي السلم والقلم ويسبح - كما أحب أن أسبح دائما - عكس تيار الفساد والرشوة والمحسوبية ولا يكتفي بالنقد الجاف بل يقدم اقتراحات وحلولا يبذل فيها جهده ولا يلام المرء على مبلغ الجهد.
قبل أيام حضرت ندوة في أحد فنادق نواكشوط تعتبر الانطلاقة الفعلية لسلسلة كتب تعتبر شواهد وجداريات تحكي عن صولات الرجل وجولاته في ميدان الإصلاح، وقد حضر الندوة مثقفون وكتاب وسياسيون ووزراء سابقون من كافة الطيف الثقافي والسياسي الوطني مما عكس بجلاء مصداقية الرجل واحترامه من طرف النخبة بمختلف مشاربها.
كان من المفترض أن تكون لي مداخلة من مداخلات الجمهور الحاضر، لكنني غادرت القاعة لبعض المشاغل وللأسف لم أعد لنهاية الجلسة.
لم أكن أنوي أن أعيد الكلام المفيد الذي تفضل به الحاضرون وإنما كنت أنوي أن أجمع من فسيفساء الموضوع نقاطا تؤصل للفساد في مجتمعنا مثل الحديث عن:
- تهمة الفقر والتقشف التي تطارد حديثي العهد بالبداوة، مطاردة ترقى لدرجة الوسواس القهري ولكي يهرب النواكشوطيون من تلك التهمة يبالغون في اقتناء الكماليات ووسائل الرفاهية السطحية والبذخ الساذج وتؤدي تبعات هذا الوسواس في النهاية إلى نزيف اقتصادي يصب في نهر الفساد.
- تراتبية المجتمع التي تشكلت انطلاقا من الحرفة أو العمل والتي ظلمت أصحاب المهن اليدوية الشاقة مما نتج عنه نفور من هذه المهن عند الأجيال اللاحقة التي أصابها الكسل المصحوب بأحلام الثراء السريع التي تنتهي غالبا بالفساد.
- عدم وجود سلطة مركزية قبل قدوم فرنسا وربط الدولة الحديثة في أذهان البعض بعنجهية المستعمر وللأسف الشديد ما زالت في تعامل الإدارة مع المواطن رواسب من طريقة المستعمر الفرنسي.
هكذا كنت أنوي أن أتدخل متقمصا دور الباحثين في علم الاجتماع لكنني غادرت القاعة للأسف، أما قبل مغادرتي فقد استمعت لعرض الأستاذ الفاضل.
عرض أستاذي خلال تلك الندوة عرضا مختصرا غير مخل، مركزا غير مائع، عرفنا فيه على تجربته التي تستحق أن تدرس للتلاميذ والطلاب على أنها تجربة بطل قومي مناضل غير متخندق، يدافع عن دينه وعن قوميته ولغته العربية وعن وطنه.
عارض بطلنا لكنها لم تكن معارضة من أجل اختصار الطريق نحو المناصب ولا معارضة من أجل التآمر على الوطن ونشر الشائعات المضرة به وحين تهاوت المعارضة، اختار الأستاذ الفاضل بكل شجاعة أن يقف في صف الموالاة لكنه لم يتخل عن سلاحه ولم يترجل عن جواده وظل يحارب الفساد ويقدم النصح ويقترح البدائل.
في وطننا للأسف تصنف الكتابات الإيجابية عن أي شخص على أنها تقرب له أو نفاق أو طلب لمنفعة دنيوية ولكن مقالي هذا لا يدخل في تلك التصنيفات بل هو من باب الكتابة عن الخيرين في بلدي تكريما لهم في حياتهم وتشجيعا لهم على المواصلة.