الأخبار (نواكشوط) – عقَدت الغرفة الجزائية الجنائية في محكمة الاستئناف بنواكشوط أمس الأربعاء أولى جلساتها المخصّصة للنظر في الملف المعروف إعلاميا بـ"ملف العشرية"، وذلك في كبرى قاعات قصر العدل بولاية نواكشوط الغربية، وهي نفس القاعة التي جرت فيها جلسات المحاكمة السابقة أمام المحكمة المختصة في جرائم الفساد.
وبدأت جلسة المحكمة في حدود الحادية عشر ضحى، وذلك بعض حضور جميع الأطراف، أي المتهمين في الملف، ودفاعهم، وكذا دفاع الطرف المدني (الحكومة).
وعرفت جلسة الأربعاء تغييرات على شكل المحكمة، مقارنةً مع المحكمة السابقة، بعضها فرضته طبيعتها كدرجة ثانية في سلّم التقاضي، حيث ارتفع عدد القضاة إلى خمسة، هم رئيس الغرفة، وأربعة مستشارين، إضافة لكاتبين.
كما بدت الملفات الموجودة أمام القضاة أقلّ بكثير من الملفات التي كانت أمام المحكمة السابقة التي أصدرت أحكامها في الملف يوم 04 ديسمبر الماضي.
ومثّل النيابة خلال الجلسة اليوم المدعي العام لدى المحكمة العليا القاضي سيدي محمد ادي مولاي أحمد، حيث دخل في جدل ونقاش مع دفاع المتهمين، وهو نفسه القاضي الذي مثّل النيابة العامة نهاية 2004، وبداية 2005.
وحيدا في القفص
وفي القفص الحديدي عن يسار تشكلة المحكمة جلس الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وحيدا، بلباس تقليدي "دراعة" زرقاء، وقميص أبيض بأكمام طويلة، وكمامة سوداء، فيما جلس بقية المشمولين في الملف على كراسي خلف دفاعهم، وأمام الجمهور.
وأثار جلوس ولد عبد العزيز في القفص الحديدي وحده دون بقية المتهمين جدلا بين المحامين ورئيس المحكمة، حيث اعترض عضو هيئة دفاع ولد عبد العزيز اباه ولد امبارك على الأمر، معتبرا أن يعتبر تمييزا سلبيا ضد موكلهم.
وقد علق ممثّل النيابة العامة على الأمر، مؤكدا أنه لا يمانع في إلحاق بقية المشمولين به في القفص إن كان ذلك هو مطلب دفاع عزيز، ليعلق منسق دفاع عزيز المحامي محمدن ولد اشدو أن مطلبهم هو إخراج موكلهم من القفص وليس إدخال غيره فيه، إذ يكفيهم ما وجدوا منه سابقا حسب قوله..
تفتيش ومياه الشرب
وتحدث عدد من المحامين - خصوصا دفاع المتهمين - عن تعرضهم لتفتيش وصفوه بـ"المهين" قبل دخولهم إلى قاعة المحكمة، وطالبوا رئيس المحكمة بالتدخل لمنعه، فيما نبه المحامي محمد المامي مولاي اعل إلى أن تفتيش المواطن العادي لا يتم إلا في حالة اشتباه، متسائلا: "كيف يتم تفتيش محامين أمام قاعة المحكمة"، معتبرا أن هذا "لا يجعله فقط في دائرة الاشتباه، وإنما يتجاوزه إلى الإهانة غير المبررة".
فيما دافع المدعي العام وممثل النيابة العامة عن الإجراء، مؤكدا أن التفتيش الذي تعرض له الجميع هدف أمني، كما يقطع في المطارات وفي العديد من المؤسسات ذات الطبيعة الخاصة، وليس هدفه التنقيص من أي كان أو إهانته، منبها إلى أنهم كقضاة لم يحضروا هواتفهم إلى القاعة.
المحامي محمد سالم ولد البشير رد على المدعي العام، معتبرا أن التفتيش لا يمكن أن يكون إجراء أمنيا طبيعيا، إذ لو كان كذلك لطبق في كل الجلسات الأخرى المنعقدة في قاعات قصر العدل، مشددا على أنه يعتبر إهانة وتنقيصا، وهو تمييز سلبي في حقهم.
فيما تحدث عضو دفاع الطرف المدني "الحكومة" المحامي فاضيلي ولد الرايس عن عدم ممانعتهم في الخضوع لهذا التفتيش، مؤكدا أنه مهم وضروري.
وكانت النقطة الثانية التي أخذت جدلا داخل القاعة، قضية إدخال قنينات المياه المعدنية، حيث منع أفراد الأمن الجميع من إدخالها، وشمل المنعُ المحامين، وهو ما كان محل اعتراض عدد منهم، منبهين إلى أن الوضعية الصحية لبعضهم قد تتطلب وجود ماء بحوزته للشرب إن احتاجه.
المحامي جعفر ابيه عبر عن استغرابه لمنع المحامين من إدخال مياه الشرب، لافتا إلى أن المدعي العام وممثل النيابة أحضر معه قنينة ماء، لأنه يدرك ضرورة ذلك صحيا، وهو ما رد عليه المدعي العام بالقول إن قنينة ماء أخرى موجودة أمام دفاع المتهمين، وإنها سبقت قنينته.
مطالب بالعلنية والجدول
منسق دفاع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز المحامي محمدن ولد اشدو طالب رئيس الغرفة بضمان علنية المحاكمة، والسماح للجمهور بحضورها، لافتا إلى أن عائلة موكله منعت من الدخول لوقت، ولم تتمكن من ذلك إلا بعد بداية الجلسة، خلافا لما كان يتم خلال جلسات المحكمة الابتدائية.
وطالب ولد اشدو رئيس الغرفة الجزائية الجنائية بمنحهم جدول الجلسات التي أقرتها، وهو ما وعد رئيس الغرفة بإعلانه في نهاية الجلسة.
فيما رد رئيس المحكمة على الأمر بتأكيده علنية المحاكمة، وأن الجميع مسموح له بالحضور، لافتا إلى أن ما يوجد خارج القاعة لا يعنيه، ومنبها إلى أن القاعة ليس قاعة أكل وشرب، ومن لديه ظروف تتطلب إدخال أكل أو شرب، فليطلب ذلك من المحكمة وستقدره بقدره.
وأخذت هذه النقاط نحو ساعة ونصف من وقت الجلسة، حيث تجاوز الوقت منتصف النهر، وتناوب على الحديث رئيس المحكمة، وممثل النيابة، ودفاع المتهمين، إضافة لدفاع الطرف المدني (الحكومة).
وقد أخذ رئيس المحكمة الكلام، داعيا كل الأطراف إلى صرف النظر عما وصفها بالقضايا الفرعية مؤكدا أن المحكمة سمعتها، واستدعى ولد عبد العزيز للجلوس على كرسي الاستنطاق غير أن الأخير لم يسمعه، أو لم يتجاوب مع استدعائه.
وبعد تكرار استدعائه دون أن يتحرك، أمر القاضي شرطيا باقتياده إلى كرسي الاستنطاق، وفور جلوسه عليه طلب منه القاضي إزالة الكمامة، وسأله عن اسمه، واسم والده، ووالدته، وآخر وظيفة يتقلدها، وهل اعتقل قبل هذا.
وقد رد ولد عبد العزيز على هذه الأسئلة، مؤكدا أن آخر وظيفة يتقلدها هي رئاسة الجمهورية، فيما رد على سؤال هل اعتقل قبل هذا بقوله "ألا في هذه الظروف التي ترون".
القاضي أوضح لولد عبد العزيز أنه يمثل هنا بناء على استئنافه الحكم الصادر ضده من طرف المحكمة المختصة في جرائم الفساد، وعلى رأس هذه الأحكام الحكم عليه بالسجن خمس سنوات، ومصادرة الأموال المتأتية من الجرمتين، والحرمان من الحقوق المدنية، وذلك بعد اتهامه بغسيل الأموال، والإثراء غير المشروع.
وعاد القاضي بعد توضيح الأحكام، والاتهامات، ليسأل عزيز إن كان قد استأنف الحكم فعلا، وهو ما رد عليه ولد عبد العزيز بالإيجاب.
وهنا تدخل المحامي سيدي ولد محمد فال طالبا الحديث ليقدم طلبا باسم هيئة الدفاع، وهو ما رد عليه رئيس المحكمة بقوله إنهم دخلوا مرحلة الاستنطاق وتجاوزوا مرحلة الطلبات، ومع إصرار المحامي وتأكيده أنهم كهيئة دفاع يقدرون أن هذا هو الوقت الأنسب لطلبهم، استجاب رئيس المحكمة وسمح له بتقديمه.
وقد قدم ولد محمد فال طلبا لرئيس الغرفة بتعليق جلساتها لحين بت المجلس الدستوري في طعن موكلهم في دستورية المادة: 2 من قانون مكافحة الفساد.
وفور تقديم الطلب، خيم الصمت لوقت داخل القاعة، ليطلب القاضي من ولد عبد العزيز المواصلة، حيث استأنف حديثه بقراءة آيات من القرآن، بدأها بالآية الكريمة: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}، وقدّم بعدها التحية لأهل فلسطين ولبنان.
ونبه ولد عبد العزيز إلى أن لم يتشبث أبدا بالمادة: 93 من الدستور الموريتاني، والتي يرى أنها تمنحه الحصانة من المحاكمة أمام القضاء العادي، وتجعل محاكمته من اختصاص محكمة العدل السامية.
وهنا احتج دفاعه، مجددا المطالبة بالاستجابة لمطلبه بتعليق جلسات المحكمة لحين بت المجلس الدستوري في الطعن الذي ينوون تقديمه في دستورية مادة قانون مكافحة الفساد.
وهنا تدخل ممثل النيابة المدعي العام، داعيا رئيس الغرفة إلى معاملة مقدمي الطلب بما وصفه بنقيض القصد، معتبرا أن قصدهم عرقلة المحكمة، مشيرا إلى أن هذا الطعن يتعلق بموضوع الاختصاص وسبق للمحكمة الابتدائية أن بتت فيه، وكذا غيره من الطعون التي قدّمها دفاع ولد عبد العزيز.
وقد سارت على منوال حديث المدعي العام مداخلات محامي الطرف المدني، حيث تحدث عدد منهم من بينهم عبد الله ولد اكاه، وفاضيلي ولد الرايس، والنعمة ولد أحمد زيدان ويرب ولد أحمد صالح والعالم ولد امينوه وغيرهم.
من المسافة صفر
المحامي إبراهيم ولد ادي رأى أن المحكمة يمكن أن تقول إن طلب دفاع الرئيس السابق كان مفاجئا، حيث إنه فاجأنا جميعا، وأن العميد ولد اشدو وفريقه فاجأوونا به من المسافة صفر بعد أن تقدموا محطات في مجريات المحكمة.
ونبه ولد ادي رئيس الغرفة وجميع الحضور إلى أن المحكمة ليست أمام طرفين أو أطراف كما كانت أمام المحكمة المختصة في جرائم الفساد، وإنما أمام مستأنف، ومستأنف ضده، وبقية الأطراف تتعلق بالدرجة الأولى من درجات التقاضي، مشددا على أن مفاجأة الطلب لا تبرر رفضه، وبالتالي فلا مناص من قبوله.
المحامي يعقوب ولد السيف أبدى استغرابه لوصف البعض طلب دفاع الرئيس السابق ولد عبد العزيز بأنه طلب كيدي، مذكرا بأن موكلهم هو المتضرر الأكثر من هذه القضية لأنه هو الوحيد الموجود في السجن، ومؤكدا وجاهة الطلب.
طرف التعويض
منسق دفاع الرئيس السابق محمدن ولد اشدو أبدى استغرابه للسماح لمن تسمونه الطرف المدني، معتبرا أن لا مبرر لوجودهم، ولا دور لهم في هذه المرحلة، لأنه لا يمكنهم أن يتحدثوا عن حرية المتهمين، ولا عن حقوقهم ولا ظروفهم، وإن القضية الوحيدة التي يمكن أن يتحدثوا عنها، ومهمتهم الحصرية هي التعويض والتعويض فقط.
ونبه ولد اشدو رئيس الغرفة والحضور إلى أن ما تقدمت به هيئة دفاع الرئيس السابق يعدّ إشعارا للمحكمة بالأمر، وليس طلبا حتى ترفضه أو تقبله.
ومع نهاية حديث منسق دفاع الرئيس السابق، أعلن رئيس المحكمة رفع الجلسة، وذلك في حدود الساعة الواحدة والنصف، ليستأنفها نحو الرابعة بعد ساعتين ونصف من رفعها والدول في المداولات، وليعلن أن المحكمة قررت تعليق جلساتها لحين بت المجلس الدستوري في طعن دفاع ولد عبد العزيز في المادة: 2 من قانون مكافحة الفساد.
فيما أكد رئيس الغرفة الجزائية الجنائية في محكمة الاستئناف بنواكشوط احتفاظهم بالاستدعاءات التي وجّهوها اليوم في انتظار بت المجلس الدستوري.
ولوحظ خلال الجلسة أن رئيسها خالف في تنظيمه لحديث الأطراف خلال الجلسة تجربة سلفه في محكمة جرائم الفساد، حيث كان الأول يوزع الحديث حسب الأطراف، ويمنح كل طرف الحديث حتى يكمل، فيما كان رئيس الغرفة خلال جلسة الأربعاء، ينقل الحديث من طرف إلى الطرف الآخر بشكل مباشر.
وحضر الجلسة أفراد من عائلة الرئيس السابق كأخواته وابنته أسماء، وكذا قادة الحزب المحسوب عليه، وخصوصا سيدنا عالي ولد محمد خونا، ومحمد ولد جبريل، ومحمد ولد عابدين.
كما لوحظ أن القاعة التي احتضنت الجلسة لم يتم تنظيفها إلا بعد وصول الجمهور، كما تأخر السماح للصحفيين بالدخول، حتى فاتت أغلبهم لحظاتُ الجلسة الأولى من المرحلة الثانية من مراحل التقاضي.