بينما أنا في غرفة مكيفة زكية الرائحة، وأفترش فراشا لين الملمس، وأشعر بالأمن التام، وأُفَضِّل الجوع على الشبع مخافة زيادة الوزن إذ راودتني فكرة الكتابة عن مأساة من مآسي المسلمين لتوقظ همة مسلم فقد طال سبات همم المسلمين، وتطلع جاهلا بها عليها، وتكون لي أضعف الإيمان وإراحة ضمير وشكرا لله على نعمة الأمن ورغد العيش التي لا قيد لها إلا شكرها وحمدها ومواساة من لا ينعمون بها من بني الدين والعقيدة.
فوقعت في حيرة الاختيار! فمآسي المسلمين كثيرة محزنة وإن اختلفت في نوعها فهي متقاربة في سوئها وتتسم كلها بالألم، وأنا في حيرتي تذكرت الأركانيين وتخيلت صيحات أبنائهم وأنات آبائهم وكمد شبابهم ونسيان الشعوب الإسلامية لهم رغم ما يردهم من أخبارهم وما يشاهدون من صورهم الناطقة بفظاعة ما يصنع بهم وبشاعته وقلة ما يملكون لمواجهته.
فقلت هم إذا!
إنهم قوم ولدوا في المعاناة والألم وكأنهم ولدوا للمعاناة والألم؛ فوطنهم مسلوب، وضعفهم مغلوب، وعدوهم مناصَر على ما يَفعل بهم بسكوت المجتمع الدولي المنافق، وتخاذل العالم الإسلامي الذي بات خالي الجعبة حتى من التنديد الخافت والعبارات الدبلوماسية الناعمة! أسعدهم من شوي بالنار فعاجله الموت وأقبل إلى ربه الرحيم، ونُجِّي من تقطيع الأوصال ومشاهدة مشاهد الإذلال في النفس والأهل والمال.
ما يردنا من أخبارهم - على قلته - يُندي الجبين فالمحاصَر منهم ممنوع من الطعام والدواء وتحرَق مزارعه وتلوَّث مياهه، والمقتول كما في الصور ومقاطع الفيديو الواردة يَظهر محروقا بالنار حتى تفحم، أو كأنه ضحية وحوش متعفرا في التراب ولحومه مشققة وجسده مخترق بالرصاص من كل مكان، الكبير والصغير منهم في ذلك سواء، وقد أعلن مجلس الروهينغيا الأوربي أنه وفي ثلاثة أيام فقط قتل منهم 3000!
إن فروا من الموت ماتوا غرقا في نهر، أو جوعا أو يأسا وقنوطا، ومن أين لهم الفرار؟! فلا مفر إلا واحدا تجاه دولة (إسلامية) يسلكونه حاملين ما استطاعوا حمله من متاع ولا تستطيع جمال الصحراء حمله!؛ يحدوهم الأمل بالأمان فيموت منهم السعيد في الطريق ويبقى الشقي فيستقبله جيش تلك الدولة (الإسلامية) بالاعتقال والتنكيل ويرده إلى العصابات البوذية الوحشية التي منها هرب قائلا له اخسأ فيها! ومن أغفلته عيون الجيش وتمكن من الدخول إلى الدولة (الإسلامية): بانغلاديش فهو أشقى الأشقياء، شقي لأنه لم يمت في الطريق، وشقي لأنه سيقيم في مخيمات اللجوء آيسا من مستقبل له أو لأولاده، حياته لا تعدو كونها بقاء روح معذبة في بقايا جسد منهك، وشقي لأنه سيطمع في اللجوء لأوربا فيكون ضحية لتجار البشر، والعصابات التي هرب منها أرحم به تسعا وتسعين مرة منهم؛ فهؤلاء يريدونه لموت واحدة وإن كانت فظيعة، وأولئك يريدونه لمسلسل موت لا يتوقف، أهون حلقاته الاستعباد في المصانع الأوربية أو الإرغام على ممارسة البغاء!
ومن مضحكات الدهر أن رئيسة بلادهم المتسببة في الحاصل لهم حاصة على أرفع وسام دولي للسلام، وما تفعله قواتها بهم هو أكبر انتهاك للسلام كيف يفهم هذا؟! إنه النفاق الدولي! ومن سخرية الزمان بمن يعيشونه أن أكبر هيئة دولية في العالم تدعي حماية حقوق الإنسان وحرية الإنسان وإنسانية الإنسان... لا يستطيع أمينها العام أن يفعل شيئا في نصرتهم إلا بكلمة يقولها ببرودة: "الحكومة الميانمارية تتحمل المسؤولية لما يحدث لأقلية الروهينغيا"! وما تغني هذه الكلمة عن شعب عانى الاضطهاد منذ قرن ويزيد، يحاصر، يجوع، ويهجر، يقتل؟! وهل أفادت شيئا؟ّ فالكل يعلم أن "الحكومة الميانمارية تتحمل المسؤولية لما يحدث لأقلية الروهينغيا" وأن قواتها المقاتلة تفخر بتلك المسؤولية وتسعى بها للوصول إلى مرحلة النيرفانا والاتحاد مع الإله بوذا!
ومما تعجز الأفهام عن فهمه لحمقه، إعلان الدولة (المركزية) في العالم الإسلامي عن استعدادها للمساعدة في الجهود المبذولة في تجاوز الكارثة التي أحدثها إعصار هارفي وهو في أقوى دولة في العالم بغض النظر عن دينها، ينما لم تنبس بكلمة لنصرتهم وهم أكثر أقلية اضطهادا في العالم ويشتركون معها في الدين والعقيدة.