الأخبار (نواكشوط) – أخذ النقاش حول قرار المجلس الدستوري الأخير المتعلق بالطعن الذي قدّمته هيئة دفاع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، كل وقت الجلسة التي عقدتها الغرفة الجزائية الجنائية بمحكمة الاستئناف في نواكشوط، والتي استمرت نحو 6 ساعات.
وبدأت الجلسة نحو الساعة: 11:00، واستمرت حتى الخامسة مساء، وكان النقاش محتدما بين دفاع الرئيس السابق الذي يعتبر أن على المحكمة التخلي عن الملف بناءً على قرار المجلس، والنيابة العامة وهيئة الطرف المدني اللذين اتهما دفاع الرئيس السابق بعرقلة المحكمة.
فيما عرفت بعض المحطات احتدام النقاش بين رئيس الغرفة القاضي القاسم ولد فال، ومحامين من دفاع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، خصوصا المحامي سيدي ولد محمد فال.
"المستهدف عزيز"
وبدأت الجلسة باستدعاء رئيس الغرفة للرئيس السابق ولد عبد العزيز، حيث طلب منه تقديم معطياته التفصيلية، حول اسمه، واسمي والديه، وتاريخ ومكان ميلاده، ووظيفته.
ورد ولد عبد العزيز، معرّفا نفسه بـ"المستهدف محمد ولد عبد العزيز"، فيما رد على سؤال القاضي له عن وظيفته بالسؤال يقول: قبل الاستهداف أم بعده؟، ليردّ القاضي أنه يسأل عن وظيفته قبل الاتهام، ويرد ولد عبد العزيز: "رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية".
ومع تقدم استنطاق القاضي لولد عبد العزيز تدخّل المحامي سيدي ولد محمد فال طالبا من رئيس الغرفة السماح له بالحديث، وتقديم طلبات باسم هيئة الدفاع، لكن القاضي رفض السماح له بالحديث، ليحتدم النقاش بينهما، حيث سأل القاضي المحامي قائلا: "هل يتعلق طلبك بجلسة أمس أم اليوم"، ورد المحامي قائلا: "ليست لدي مشكلة مع الزمن؟ وأميّز بين الماضي والحاضر والمستقبل".
وهنا رد القاضي قائلا: "أنا لست معنيا بمشاكلك، ولم أجئ من أجل التعرف عليها"، ملوّحا بما يمكن أن يتخذه من إجراءات في حال تجاوز أحدهم داخل القاعة، وكذا بأن المحكمة هي صاحبة القرار.
وقد علق ولد محمد فال على حديث رئيس الغرفة بقوله، إن الحكم بينهم جميعا، مردفا أن للمحكمة واسع النظر في أن تتخذ ضدهم ما تراه مناسبا، ليتدخل القاضي ويأمره بالتوقف عن الحديث والجلوس في المكان المخصص للمحامين، وهو ما استجاب له ولد محمد فال.
وقد وقف فريق دفاع الرئيس السابق تضامنا مع ولد محمد فال، وليؤكدوا في أحاديث متداخلة أن لديهم طلبا للمحكمة، وأن تقديرهم أن هذا هو وقت تقديمه، وهنا عاد القاضي ليسمح له بالحديث وبتقديم طلب الدفاع.
"قرار يفرض التخلي"
المحامي ولد محمد فال، قال إن هيئة الدفاع استلمت يوم أمس بشكل رسمي قرار المجلس الدستوري المتعلق بطعنها في مدى دستورية المادة: 2 من قانون مكافحة الفساد، وستقدّمها للحكومة مؤشرة من طرف منسقها المحامي محمدن ولد اشدو.
وأكد ولد محمد فال أن قرار المجلس الدستوري جاء بمناسبة اعتراضهم على المادة: 2 من قانون مكافحة الفساد، وطلبهم رفع اللبس الذي أثارته، مذكرا بأن هذه المادة هي التي اتكأ عليها حكم المحكمة الابتدائية في إدانة موكلهم.
وشدد ولد محمد فال على أن موكلهم يتعرض لحملة تصفية حسابات سياسية وشخصية.
وهنا ثار دفاع الطرف المدني معترضا على حديث ولد محمد فال، ووصفوا ما قدّمه أمام المحكمة بأنه "بيان سياسي، وليس طلبا"، ليعود النقاش مرة أخرى بين رئيس الغرفة والمحامي ولد محمد فال.
وقد تدخّل رئيس الغرفة الجزائية الجنائية منبها ولد محمد فال إلى أن المحكمة ليست جهة لتصحيح قرارات المجلس الدستوري، كما شدد على أن الدفاع له حدود يجب أن يلتزم بها.
وهنا رد المحامي ولد محمد فال، مؤكدا أن القانون وإدارة الجلسات لا تعطي بعدا تحكميا لرئيس المحكمة في الطريقة التي يتحدث بها الدفاع، ولا في تحديد ما يقول، مذكرا بأن للمحكمة - بعد ذلك - واسع النظر في صرف النظر عنه أو رفضه بقرار.
وأكد ولد محمد فال أن قرار المجلس الدستوري ملزمٌ لكل السلطات، مضيفا أنه صرح بقبول صفة رئيس سابق قاطعا بذلك الطريق على زعم التفرقة بين رئيس حال وسابق، معتبرا أن المجلس الدستوري لو كان يعتقد غير ذلك لما قبل الطعن على اعتبار الطاعن غير معني أصلا بالحقوق المكفولة بالمادة: 93 لأنه رئيس سابق.
وأردف ولد محمد فال أن المادة: 2 من قرار المجلس الدستوري نصت بشكل صريح على أن المادة: 2 من قانون مكافحة الفساد لا تتعارض مع الحقوق والحريات التي تمنحها المادة: 93 من الدستور للرئيس، وهو ما يعني – يضيف ولد محمد فال - أن قرار المجلس الدستوري أكد حصانة رئيس الجمهورية وفق المادة: 93، من الدستور.
وقال ولد محمد فال إن قرار المجلس الدستوري يتأكد بما صرح به المجلس في قراره رقم: 08 بتاريخ: 13 نوفمبر 2024 المتعلق بدستورية القانون رقم: 021/2021 المتعلق بحماية الرموز، حيث قال المجلس: "وحيث إن رئيس الجمهورية هو حامي الدستور، وهو الذي يجسّد الدولة، ويشكل النيل من شخصه مساسا بهيبة الدولة، مما يبرر الإبقاء على ذكره في هذا النص"،
وتساءل ولد محمد فال "عن الأساس القانوني لحبس وإهانة وتعذيب من لا يجوز التعدي عليه لفظا بصريح قرار المجلس الدستوري؟ وكيف لأي قرار من هذا الأخير أن يفسر بما يخالف هذا النهج؟".
ورأى ولد محمد فال أن الامتيازات التي منحتها المادة: 93 من الدستور تتخلص في: امتياز قضائي تختص بموجبه محكمة العدل السامية في المحاكمة، وخروج اتهامه عن ولاية النيابة العامة، واختصاص الجمعية الوطنية في ذلك، وعدم مسؤوليته عن الأفعال الصادرة منه أثناء تأدية مهامه باستثناء الخيانة العظمى.
وطالب ولد محمد فال المحكمة باسم هيئة دفاع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بإعلان التخلي عن القضية 01/2021 في جزئها المتعلق بالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، والأمر بإطلاق سراحه واستعادة كافة حقوقه المادية والمعنوية التي سلبت بإجراءات غير قانونية.
"بيان غير مؤسس"
ممثل النيابة العامة القاضي سيدي محمد ادي مولاي أحمد تساءل إن كان ما قدّمه دفاع الرئيس محمد ولد عبد العزيز بيان أم طلبات، مشددا على أنه ليس مؤسسا من الناحية القانونية، ولم يكن أكثر من كلام إنشائي، داعيا المحامين إلى التمييز في دفاعهم بين الحديث للإعلام وللرأي العام والذي لا يتطلب حججا قانونية، وبين الحديث داخل المحكمة الذي يتطلب التأسيس القانوني.
ورأى ممثل النيابة العامة أن ما قدّمته هيئة الدفاع مجرد تكرار لطلب التأجيل الذي سبق للمحكمة أن رفضته.
وخاطب ولد مولاي أحمد رئيس الغرفة الجزائية الجنائية قائلا: "السيد الرئيس، لقد علقت محكمتهم هذه جلساتها بعد أن تلقت طلبا علنيا منهم بأنه سيقدمون طعنا بعدم دستورية المادة: 2 من قانون مكافحة الفساد، وقد منحت المحكمة الأجل اللازم لذلك".
وأضاف: "الآن، جاء المجلس الدستوري، وقال بشكل صريح وواضح إن هذه المادة لا تخالف الدستور"، معتبرا أن الفهم الذي سوّقه البعض أو حاول تسويقه قد يصلح للإعلام وللرأي العام، لكنه غير مؤسس قانونيا، ومن المستغرب لجوء دفاع قانوني لهذا النوع من الأساليب، ومحاولة جعله مرافعة داخل قاعات المحاكم.
ورأى ممثل النيابة العامة أن ما تقوم هيئة دفاع الرئيس السابق مجرد مناورة يبدو أن هدفها هو إعاقة سير المحكمة، مردفا بقوله: هم يدّعون أن موكلهم بريء، ويقولون إن لديهم القدرة على إثبات ذلك، فلماذا يفوّتون الوقت عليه وعلينا، ويمنعوننا من الوصول إلى الأصل، إلى مجال الإثبات والنفي.
وأضاف ممثل النيابة العامة أن دفاع الرئيس السابق كان يطالب بانعقاد المحكمة، وعندما بدأت، ها هم الآن يسعون في عرقلته، مردفا أنه يتساءل عن الجدية في الدفاع ما دام جميع المحامين المستأنفين لم يقدم أي منهم عريضة أمام المحكمة إلى الآن؟
"الاستدلال بالقرآن"
الاستدلال بآيات القرآن الكريم خلال مداخلات المحامين أثار جدلا داخل القاعة، وخصوصا بعد أن أخطأ اثنان من المحامين – على الأقل – في قراءة الآيات التي اختاروا الاستدلال بها.
وكان أول من قرأ آيات من القرآن خلال مداخلته المحامي فضيل ولد الرايس، لكنه أخطأ في قراءتها، وهو ما أثار زوبعة في صفوف محامي دفاع الرئيس السابق، ليواصل ولد الرايس مداخلته معتبرا أن دفاع الرئيس السابق اتهم المحكمة في شرفها، ووصفها بأنها تمارس حسابات سياسية وشخصية.
فيما استدل منسق دفاع الرئيس السابق ولد عبد العزيز محمدن ولد اشدو، بآيات من القرآن، وعلى منواله صار المحامي محمد عبد الرحمن عبدي، غير أنه أخطأ في قراءة الآيات، ليتدخل المحامي جعفر ابيه منبها إلى أن ضرورة تفادي الاستدلال بالآيات القرآنية، وخصوصا عند عدم إتقان حفظها.
المحامي المختار ولد اعل رأى في مداخلة له أنه من المعلوم أن من يقرأ القرآن وهو على غير طهارة فإنه في الغالب يخطئ في قراءته، فيما رأى المحامي يرب ولد محمد صالح أن المالكية يكرهون الاستدلال بآيات القرآن في سياق الخصومات والمرافعات.
مطالبة برفض الطلب
المحامي فضيل ولد الرايس (الطرف المدني "الدولة") طالب رئيس المحكمة بصرف النظر عما وصفه ببُنيات الطريق، مشددا على أنهم كطرف مدني يمثل الدولة لم يعودوا يتحملون هذه المهاترات التي تضيع وقت الحضور، وتضيع أموال الدولة التي يدافعون عنها.
أما المحامي النعمة ولد أحمد زيدان (الطرف المدني "الدولة") فرأى أن طلب دفاع ولد عبد العزيز لا معنى له، ولا ينبغي أن يقدم أمام المحكمة، مؤكدا أن المحكمة بقرارها رفض التأجيل أمس، وبقرارها استدعاء المتهمين بناء على قرار المجلس حسمت هذا الأمر، وعليها صرف النظر عن الطلب.
المحامي جعفر ابيه (دفاع الرئيس السابق) أكد أن المحكمة لا ينبغي لها أن تتعاطى مع ما وصفها بالشائعات، لافتا إلى أنهم كهيئة دفاع سلمها قبل اليوم النسخة الأصلية لقرار المجلس الدستوري بدل ما وصفها بالنسخة المسربة.
وهنا سأله رئيس المحكمة قائلا: "ما هو الفرق بين النسختين؟"، ليرد المحامي: "لا فرق بينهما؟"، وليواصل قائلا "إن من لم يحترم نص المادة: 93 من الدستور، ولم يتقبل الفهم الصريح لها، لا يفاجئهم إذا رفض تقبل نص قرار المجلس الدستوري، أو تجاوز فهمه الصريح".
المحامي محمد المامي مولاي اعل (دفاع الرئيس السابق) رأى في مداخلته أنه لا معنى للقول إن قرارات المجلس الدستوري لا تناقش أمام المحاكمة، "لأننا نعمل بمضامينها وهي حجة لنا، ولا بد من نقاشها".
وأضاف ولد مولاي اعل أن قرار المجلس الدستوري تضمن مادتين، منبها إلى أن قرارات المجلس الدستوري لا تفسر إلا بقراراتها، مشددا على أن الجمع بين المادتين أولى من الترجيح.
وأشار ولد مولاي اعل إلى أنه للمرة الأولى التي يكون فيها منطوق المجلس الدستوري بمادتين، كل منهما تتضمن قرارا منفصلا، معتبرا أنه دليل على قوة كل من المادتين، وأنه لا تلاغي بينهما.
وذكر ولد مولاي اعل بأن الدستور الموريتاني لا يضع حدا لصيغ العموم الواردة في القوانين، كما لا تصلح صيغ العموم الواردة في القوانين للحد من الحصانات المنصوصة في الدستور.
وعن قرار المجلس الدستوري، قال ولد مولاي اعل الصيغة العامة التي ذكرها في مادته الأولى لا تخالف النص لأنها صيغتها من صيغ العموم التي لا يقيدها الدستور، أما الثانية فقال فيها إن الحقوق والحريات الواردة في المادة: 93 لا يمكن أن تمسّها هذه المادة.
وأشار ولد مولاي إلى أن أعضاء المجلس الدستوري أنفسهم معنيون بصيغ العموم الواردة في القانون، وكذا القضاة لكن الحصانات الخاصة - وهي التي أكدتها المادة: 2 من قرار المجلس الدستوري - لا تضرها هذه الصيغ العمومية.
ودعا ولد مولاي اعل لاعتماد التكامل بين المادتين، واستبعاد أي تعارض، معتبرا أن من الأدلة يسندن في هذا الفهم، قبول المجلس الدستوري للشكل، وهو رأي واضح من المجلس الدستوري بأن موكلهم معني بالمادة: 93 من الدستور.
وأضاف ولد مولاي اعل أن الأمر الآخر، هو رأي منشور للأستاذ محمد ولد محمد صالح يؤكد فيه أن رئيس الجمهورية أثناء تأدية مهامه لا يسأل مطلقا عن الأفعال المرتبطة بصلاحياته المنصوصة دستوريا.
وجدد ولد مولاي اعل باسم هيئة الدفاع طلب المحكمة بصرف النظر عن هذه القضية لأنها أصبحت قضية واضحة، وقرار المجلس الدستوري ملزم للجميع.
وهنا قاطعه المدعي العام متسائلا: "هل بيع المدارس العمومية ومدرسة الشرطة من صلاحيات رئيس الجمهورية؟"، ليدخل المحامي محمد سالم ولد البشير في نقاش معه، مؤكدا أن المادة: 42 من الدستور تنص على أن الحكومة تعمل بتوجيه من الرئيس.
وهنا علّق ممثل النيابة العامة بأنه لا يريد الحديث بشكل قدحي، وليس من طبيعته ذلك، ولكن مركزه القانوني يملي عليه توضيح ما قاله وبالأسلوب الذي قاله به.
المحامي الشيخ حمدي (دفاع الرئيس السابق) رأى أن النقاش الدائر في قاعة المجلس يدور حول ثلاث نقاط، مشيرا إلى أن اثنتين منهما لن يرد عليهما، الأولى منهم هي الكلام العمومي المرسل الذي لا يستند على مبدء فقهي ولا مادة قانونية ولا قرار، "فهذا لسنا معنيين به ولا ينبغي إطالة النقاش به"
أما الثاني – يضيف ولد حمدي – فهو السباب الذي وجه لنا بالخداع، وبأخذ بنيات الطريق، ويكفي ردا عليه أنه يلجأ إليه عادة من غابت حجته أو ضعفت بينته.
ورأى ولد حمدي أن حديثه سيتركز على مضمون قرار المجلس الدستوري، وما تضمنه من حقوق، مشددا على أن المركز القانوني لرئيس الجمهورية مركز موحد، فلا يوجد عند المجلس الدستوري رئيس جمهورية سابق ورئيس جمهورية ممارس، كما نصت عليه المادة: 93 من الدستور، وأكده قرار المجلس من خلال قبول الطعن شكلا المقدم باسم رئيس سابق، ومن خلو قراره من وصف يقدح في هذا الفهم.
وأضاف ولد حمدي أن الحقوق والحريات الواردة في المادة: 93 أكدت أن رئيس الجمهورية لا يساءل إلا في حالة وحيدة هي الخيانة العظمي، وصيانة هذه الحقوق كما نصت عليه المادة: 2 من قرار المجلس الدستوري تقتضي بالضرورة أن الرئيس لا يساءل إلا عما يتعلق بالخيانة العظمى، ومن طرف الجهات المختصة والمنصوصة.
ورأى ولد حمدي أن النيابة العامة حاولت تفسير السلطات المقررة في الدستور بفترة ممارسته للسلطة، في حين أن الدستور نص على أن الرئيس ينتخب لمدة 5 سنوات، ولم يحدد فيها مداومة معينة، فهي كلها ظرف زمني لمسؤوليته وصلاحياته، كما أن مهامه محددة في المادة: 42 من الدستور، وبالتالي لا تبعيض لصلاحياته ولا مسؤوليته الزمنية.
وشدد ولد حمدي على أن القوانين الدولية لا تتيح معاقبة الرؤساء إلا في جرائم الحرب أو الإبادة الجماعية أو التعذيب أو الجرائم ضد الإنسانية، قائلا: "لو كانت تهم الرئيس السابق من هذا الصنف لوقفنا مع محاكمته وإلا فلا يمكن محاكمة الرئيس خارج هذا الصنف".
المحامي محمد ولد محمد صالح (دفاع الطرف المدني "الدولة") شكر في بداية حديثه هيئة دفاع الرئيس على إتاحة فرصة نقاش المجلس الدستوري للمادة: 2 من قانون مكافحة الفساد، مؤكدا أنه طالب بذلك خلال جلسات المحاكمة السابقة.
وأضاف ولد محمد صالح أنه قال وكرر أكثر من مرة أن المجلس الدستور هو الوحيد الذي يمكنه حسم هذا الجدل، ولا يمكن أن يحسم في المحاكم العادية، لافتا إلى أنه كان من المفروض أن يكون ذلك عند أول وهلة، أي عندما استدعى قاضي التحقيق الرئيس السابق بناء على تهمته كموظف، مستدركا بقوله: "لكن المهم أنه حصل الآن".
وأشار ولد محمد صالح إلى وجود أمور لا يمكن للقضاء العادي أن يحسمها، ولا بد لها من قضاء دستوري، معتبرا أن هذا النوع من التجارب يزيد من تخصصية القضاء ويعزز تجربته".
وقدم ولد محمد صالح مثالا لذلك بـ"المصلحة العامة"، متسائلا: "هل من المصلحة العامة أن يحصن الرؤساء مطلقا أم تقيد صلاحياتهم؟"، واصفا هذا بأنه اجتهاد قضائي أعطاه القانون للمحاكم الدستورية.
وأشار ولد محمد صالح إلى أن الحكومة الصادرة ضد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز اتكأ في جزء معتبر منه على المادة: 2، أي باعتبار الرئيس موظفا عموميا، منبها إلى أن الفقرة مأخوذة بشكل حرفي من الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد.
ونبه ولد محمد صالح إلى أن الإشكال الذي يضعه النص على الموظف ألجأ الخبراء في اجتهادهم إلى استخدام عبارة أشمل من الموظف العمومي، وهي الوكيل العمومي، معتبرا أن ما حصل في النسخة العربية من قانون مكافحة الفساد في موريتانيا كان بسبب الخطأ في الترجمة في حين أن النسخة الفرنسية استخدمت "وكيل عمومي"، بدل "موظف عمومي" التي أثارت اللبس.
وشدد ولد محمد صالح على أن قرار المجلس الدستوري موضع الطعن أدخل رئيس الجمهورية ضمن الموظف العمومي، وعبر عن ذلك بشكل صريح، وبرره بالمصلحة العامة.
ولفت ولد محمد صالح إلى أن الحيثية محل الجدل، هي الحيثية المتعلقة بالأفعال المنفصلة والأفعال المتصلة، دار حولها نقاش طويل في فرنسا، مستأذنا في استطراد قصة لتلطيف الأجواء، وهي افتراض أن الرئيس استدعى وزيره الأول في مكتبه، وحدثت بينهما مشادات كلامية فأخذ الرئيس مسدسه وقتل وزيره الأول، فهل يحاسب على هذا الفعل أم أنه محصّن؟
وأكد ولد محمد صالح أنه حصل بين الخبراء إجماع كلي على أن الفعل منفصل عن المهام الدستورية لرئيس الجمهورية.
وخلُص ولد محمد صالح إلى القول إنهم خرجوا من قرار المجلس الدستوري بأن المادة: 2 من قانون الفساد مادة دستورية، وأن التطبيق يلزم أن لا تكون التهمة ولا الأفعال مرتبطة بصلاحية رئيس الجمهورية المنصوصة في المادة: 93 وهذا هو مضمون المادة: 2 من القرار.
وتحدث خلال الجلسة عدد من المحامين تباينت آراؤهم من القرار وفقا لمواقعهم، من أبرزهم منسق دفاع الرئيس السابق محمدن ولد اشدو، وعضوا هيئة دفاعه الطالب اخيار محمد مولود، ومحمد سالم ولد البشير، إضافة لعضو هيئة دفاع محمد ولد امصبوع المختار ولد اعل.
كما تدخّل من دفاع الطرف المدني "الدولة" عدد من المحامين من بنيهم عبد الله اكاه، وسيدي أحمد امينوه، ومحمد عبد الرحمن ولد عبدي، ويحي ولد الخرشي، وآخرون