في الثالث عشر من ديسمبر كانت شنقيط على موعد مع التاريخ، وفتحت المدينة العتيقة أسوارها لاستقبال قوافل الحجاج من سدنة الفكر ورعاة الثقافة و الباحثين عن التراث والآثار، وباحت لهم بأسرار "ثمانية قرون" من العطاء والتميز والفرادة، وذلك بحضور دولي و
إسلامي وعربي لم تشهد أي نسخة سابقة مثله، محققةً زخما ثقافيا عالميا غير مسبوق، وجابت صورة شنقيط و منارتها العتيقة وأزقتها الجميلة مواقع الثقافة العالمية و المنصات الرسمية، لكل من اليونيسكو والإسسكو والالكسو ومعهد العالم العربي بباريس، وهي مؤسسات دولية ثقافية كبرى، حضر قادتها لفعاليات مهرجان مدائن التراث، وتحدثوا بإعجاب عن شنقيط، وعظمة تاريخها وثراء مكتباتها وعن مسجدها ومنارتها الفريدة..
لم تنجح هذه النسخة في حجم وكم الحضور فحسب، بل تعدت ذلك إلى نتائج ملموسة تمثلت في توقيع شراكات دولية تستفيد منها المدينة من مشاريع ثقافية كبيرة، من أهمها تكفل الإسسكو رسميا، بترميم مسجد شنقيط ومنارتها، وفق الطراز المعماري الأصيل.
لقد كانت رؤية صاحب المعالي الدكتور الحسين مدو ثاقبة وواعية بضرورة جمع هذا العدد الهائل من الفاعلين الثقافيين على هذه البقعة المباركة لتذكير العالم بهويتنا وعراقتنا وبإسهامنا الحضاري في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية، والبشرية جمعاء، ولتحقيق مكاسب باقية تستفيد منها المدن القديمة من خلال مشاريع الحفظ والصيانة والترميم، والبحث الأثري، والاركلوجي.
باختصار كان مهرجان مدائن التراث هذه السنة حدثا ثقافيا عالميا شغل حيزا هاما من مساحات التغطية والاهتمام، وتم استدعاء الفرق الصحفية العالمية لتغطيته، ونقل مشاهد تعكس صورا إيجابية عن بلدنا في ماضيه وحاضره.
نعم حققنا مكاسب هائلة من هذه النسخة
- مكاسب ثقافية؛ يعكسها الترفيع الكبير للمكونة العلمية، من خلال طباعة ونشر العديد من الكتب العلمية، حيث طبع على نفقة المهرجان أحد عشر عنوانا، شملت مختلف الجوانب العلمية، وعكسها المستوى الرفيع للمحاضرات والندوات، التي أشرفت على تقديمها كوكبة من المحاضرين الوطنيين، و الدوليين، و ترأس بعضها معالي الوزير شخصيا، إضافة إلى إصدار نشرية "مدائن" اليومية، و التي تواكب فعاليات المهرجان.
- ومكاسب تنموية؛ تمثلت في إنشاء وبرمجة العديد من المشاريع التنموية يستفيد منها السكان، وتدعم مدينة شنقيط، وأهلها.
- ومكاسب تسويقية؛ لثقافتنا وتنوعنا، ولأمننا واستقرارنا، وهذا ما يؤكده مستوى الحضور الدولي والأجنبي الكبير.
- ومكاسب دبلوماسية؛ يعكسها حضور معالي وزير الثقافة الجزائي لفعاليات المهرجان، إضافة إلى حضور مديري المؤسسات الدولية المهتمة بالثقافة والتربية والعلوم، وتؤكدها وتعمقها اللوحات الفنية والاحتفالات الأخوية، التي قدمتها وفود مشاركة من أشقائتا في الجزائر والمغرب.
لقد كانت نسخة هذا العام فريدة في بعدها وأثرها، فأحيت التراث، وجمعت الإخوة، واستضافت الشركاء، وأعادت الأمل في وجود فعل ثقافي يمضي بخطوات واعية ودائبة ومدروسة، لتطوير عملنا الثقافي، وإحياء دورنا الريادي، في صناعة الفكر والإبهار العلمي، والتميز الثقافي...
إن كل رواد الثقافة اليوم مطمئنون على الثقافة، وقطاعها نظرا لوجود واحد من سدنة الفكر و حملة اليراع، على رأس القاطرة الثقافية، يقودها بوعي نحو التقدم والتطور والإبداع، ولا شك أن للنجاح ضريبة لا يستطيع دفعها إلا المؤمنون بأهدافهم الكبرى والمنشغلون بتعبيد طريق النجاح، عن السبُل، والأهواء، والأصوات النشاز.