على مدار الساعة

قراءة سريعة لقانون المالية الأصلي لسنة 2025

1 يناير, 2025 - 14:28
محمد سالم محمد بلاه - إطار في وزارة المالية (مفتش خزينة)

توطئة: Introduction

صادقت الجمعية الوطنية، مساء الإثنين الموافق 30/12/2024 على مشروع قانون المالية الأصلي لسنة 2025، حيث تتجسد أهمية هذا الحدث في كونه الأداة التشريعية الأساسية التي تمنح الموازنة العامة للدولة طابعها النهائي وقوّتها الملزمة [1].

 

ونظرا إلى الأهميّة القُصوى التي يتميّزُ بها قانون المالية، خصوصا في ظرفنا الرّاهنِ، ولما يحظى به من اهتمام بالغ لدى الرأي العام، وكذا مختلف الفاعلين السياسيين والمراقبين الاقتصاديين والشركاء الدوليين، وسبيلا إلى الإسهامِ في تثقيف وموضوعية الانطباعِ العامِ حوله، تأتي هذه القراءة السريعة لقانون المالية الأصلي لسنة 2025 لاستعراض مُستجداته، وآفاقه.

 

أولا: مُستجدات قانون المالية الأصلي لسنة 2025 :

Les nouveautés de la LFI 2025

دون مبالغة أو إطناب، تتجه مستجدات قانون المالية لهذه السنة نحو تعزيز ميزانية الاستثمار، ودعم الأسعار، وتحفيز الإنتاج المحلي، وحماية البيئة، ذلك أنه وضع العمل على هذه المحاور أولوية كبرى ضمن أهداف الموازنة الجديدة التي تأتي لتجسيد الطموحات الرئاسية والتطلعات الحكومية الجديدة. وهي في المجمل 9 مستجدات يمكن إيجازها على النحو التالي:

 

1. التوجه نحو تطوير البنية التحتية ودعم المشاريع التنموية:

وقد تمثل في تعزيز ميزانية الاستثمار بمبلغ 9,05 مليار أوقية لتصل 51,19 بدل 42,14 مليار أوقية في قانون المالية المعدل لسنة 2024.

 

2. تشجيع خفض أسعار الإسمنت ولكلنكر:

وقد تمثل في تخفيض رسم حمولتهما المستوردة من 150 أوقية جديدة للطن إلى 100 أوقية جديدة وهو خطوة نحو تقليل كلفة البناء وتحفيز النشاط العقاري تمثل عبئا إضافيا يندرج ضمن مفهوم النفقات الضريبية.

 

3. دعم كلفة الانتاج الصناعي الوطني ورفع قيمته المضافة:

وقد تمثل في تخفيف العبء الضريبي عبر تخفيض الحق الجمركي على المدخلات الموجهة لصناعات التحويل، تحديدا الأسلاك وقضبان الحديد والصلب غير المخلوط (Les fils machine en fer ou en aciers non alliés)  بنسبة 50%، أي أنه انتقل من 20% إلى 10%.

 

4. رفع تنافسية المنتجات الزراعية الوطنية:

وقد تمثل في اعتماد تطبيق الجباية على المنتجات الزراعية المستوردة خلال فترة الحصاد الزراعي الوطني، وذلك للمواءمة بين رفع تنافسيته في السوق فترة وُفرته ودعم الطلب على المنتجات الزراعية فترة نُدرته؛

 

5. تعزيز حماية البيئة:

وقد تجسد في استحداث ضريبة لتخفيف آثار تغير المناخ تُسمى "المساهمة المناخية" تُطبّق على الهيدروكربونية القابلة للاحتراق المستوردة إلى موريتانيا، وقيمتها 400 أوقية لكل طن ينبعث من ثاني أكسيد الكربون وفق الجدول المرجعي لوكالة البيئة وإدارة الطاقة في فرنسا  (ADEME - France) [2].

 

6. تمكين القطاع العقاري وإشراكه في الحقل الضريبي:

وقد تمثل في إسناد بعض صلاحيات الإعفاء الإداري (Remise gracieuse) المتعلقة بالحقوق والرسوم الواردة في الكتاب 3 من مدونة الضرائب (حقوق الطابع والتسجيل) إلى وزير العقارات وأملاك الدولة والإصلاح العقاري، والمدير العام للعقارات والتسجيل.

 

7. مراجعة بعض المقتضيات الموضوعية والإجرائية المتعلقة بحقوق الطابع والتسجيل في مدونة الضرائب [3].

 

8. تفعيل التكامل المالي والتخصيص المُعقلن للموارد:

وقد تمثل في التنصيص على تحويل أرصدة حسابات التحويل الخاص (Les CAS) الممولة كليا أو جزئيا من موارد خارجية إلى ميزانيات التحويل الخاص (Les BAS).

 

9. توازن الإيرادات والنفقات عند مبلغ 116,87 مليار أوقية مقابل 107.71 في قانون المالية المعدل لسنة 2024، أي بزيادة 8.5% لهذه السنة.

 

ثانياً: آفاق قانون المالية الأصلي لسنة 2025

Perspectives de la LFI 2025

تعكس آفاق قانون المالية الأصلي لهذه السنة رؤية طموحة لتعزيز الأداء المؤسسي وتحقيق التناغم بين السياسات المالية والأهداف التنموية بما يُراعي تغير البيئة الاقتصادية العالمية.

 

وهي بالمختصر، تتمثل في 6 آفاق مُحفّزة للآمال نستعرضها على النحو التالي:

 

1. تفعيل مركز الوزير الأول كمدبّر ومنسّق لعمل الحكومة ذو خلفية مالية واقتصادية تؤطرها تجربة عملية:

وهو ما يُفترض أن يُشكّل حافزا توجيهياً قوياً لجودة تنفيذ قانون المالية لهذه السنة بحكم الخبرة المهنية في القطاع المالي الداعمة لكفاءة التنسيق والمركز الوظيفي المانح لسلطة اتخاذ القرار.

 

2. تعزيز الأداء الحكومي وروح المبادرة:

وقد تجلى في الاعتماد على الكفاءات الشابة والوجوه الجديدة في بعض القطاعات الحكومية، وهو ما يفترض بحكم الشعور بالتحدي الذي يُصاحب الطموح الشبابي والتجديد الحكومي، أن يكون حافزا قوياً للحيوية وروح المبادرة التي تفتضيهما أهداف وطموحات الموازنة الجديدة؛

 

3. الانفتاح ورفع مستوى الرقابة:

وقد تمثّل في تكثيف مهام التفتيش المُدعومة بالقرار اللازم على ضوء النتائج، وإشراك الجمهور عبر المنصة الجديدة (منصة عين) التي تتيح إيداع الشكاوى للمواطنين والإبلاغ عن الاختلالات الإدارية والمالية. وهو إجراء سيُشكل وفق مؤشر الشفافية والمساءلة معطى إيجابيا في موازين الحكامة الرشيدة إذا استمر على وتيرته؛

 

4. الأفق الاستراتيجي:

تمثل موازنة 2025 السنة الأخيرة من الخطة الخماسية الثانية (2021 - 2025)، التي تجسد استراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك  (SCAPP 2030-2016)، وهو ما يتيح عقب تنفيذها فرصة تقييم الخطة استنادًا إلى أهداف التنمية المستدامة (SDGs 2015-2030) التي تعتبر أهم مصادر الإلهام الاستراتيجي [4]، مما يشكل أرضية مناسبة لتحديث الأولويات وتعديل الخطة وفقًا لتوجهات الحكومة الجديدة وتطلعاتها.

 

5. التحديثات الهيكلية الجديدة: وقد تمثلت في تحديثين كبيرين؛

الأول: مركزة القرار الاقتصادي والمالي عبر دمج صلاحيات وزارة المالية والاقتصاد مع إحالة الميزانية للتسيير بالانتداب، وهو ما يُفترض أنّ يُعزز شمولية وتركيز جهود الإصلاح ومرونة القرار المالي والاقتصادي دون المساس بمرونة وسلاسة تنفيذ الميزانية[5] .

 

الثاني: إدراج أنظمة الدفع الرقمية ضمن أدوات البنك المركزي الموريتاني  (BCM)، وتعزيز الشفافية، ودعم ذلك بتوسيع صلاحيات هيئات المداولة عبر استحداث مجلس أنظمة الدفع والمقاصة وتسوية الأوراق المالية، ورفع عدد نواب المحافظ إلى ثلاثة. وهو ما يُفترض أن يُحسن كفاءة النظام المصرفي، ويعزز الشفافية والحوكمة المؤسسية[6] .

 

6. التأطير القانوني المهيئ للحقول المستهدفة بالإصلاحات: وقد تمثل في عدة تدخلات تشريعية وتنظيمية[7]  لعل أهمها:

- تحديث مقاربة الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص؛

- عصرنة أسواق رؤوس الأموال؛

- التأطير التشريعي للسندات المؤمّنة؛

- ترقية محفظة الدولة وتحديث وتحسين الإطار القانوني للمؤسسات العمومية، وقد دُعم ذلك بتعزيز الوصاية المالية وتوسيع صلاحياتها وفق رؤية استراتيجية طموحة؛

 

تلك هي مستجدات وآفاق قانون المالية الأصلي لسنة 2025، مُستَعرَضَة على نحوٍ مُبسَّطٍ وموجزٍ وسريع إسهاماً في إيجابية تشكُّل الانطباع العام حوله توازناً بين المسؤولية المهنية وروح المبادرة في اطلاع المواطن على اهتمام الموازنة الجديدة ورفع مستوى النقاش حولها.

 

وفي المجمل، يشكل قانون المالية الأصلي لهذه السنة خطوة طموحة تعكس رؤية استراتيجية واضحة لتوجيه الموارد نحو تحقيق الأولويات الوطنية وتعزيز التنمية المستدامة، ما يجعله دعامة أساسية لتجسيد الطموحات الرئاسية والتطلعات الحكومية. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى مواصلة تعزيز الثقة بين الدولة والمواطن من خلال تكثيف الإنجازات والتفاعل الإيجابي مع أولوياته وقضايا الرأي العام كما رصد خلال الأشهر الماضية، وكذلك الرفع من كفاءة الإدارة في التنفيذ، وهو ما يتطلب توفير بيئة عمل عادلة ومحفزة، تُعزِّز الإنتاجية وروح المبادرة.

 

وفي هذا السياق، تبقى الشفافية في التحفيز، والعدالة في الترقية، وإشراك الشباب، هما ضمانات ذلك الأساسية باعتبارهما الركائز الرئيسية لبناء إدارة حيوية ومنصفة، تحفّز الولاء المؤسسي، وتعزز الروح المعنوية، وتُشجّع الأداء.

 

المراجع:

1. بموجب المرسوم رقم 210/2024 الصادر بتاريخ 01/11/2024 قُدم مشروع قانون المالية الأصلي لسنة 2025 للبرلمان للنقاش والمداولة.

2. الوكالة الفرنسية للتحول البيئي (ademe.fr) Agence de la Transition Écologique

3. تمت مراجعة المواد الموضوعية التالية:

 

والمواد الإجرائية التالية:

159.L, 160.L,168.L,175.L.

 

4. تمكن مطالعة أهداف التنمية المستدامة (Sustainable Developement Goals) على هذا  الرابط : https://www.un.org/sustainabledevelopment/fr/

5. تقرر هذا التحديث قانونياً بموجب المرسوم رقم 235/2024 الصادر 12/12/2024 المتضمن صلاحيات وزير الاقتصاد والمالية وتنظيم الإدارات المركزية لقطاعه (L'organigramme).

6. تقرر هذا التحديث بموجب القانون رقم 035-2024 الصادر بتاريخ 10/12/2024 المتضمن النظام الأساسي للبنك المركزي الموريتاني.

7. تمت هذه التدخلات التشريعية عبر مشاريع القوانين المصادق عيها التالية:

- القانون رقم 2024/033 الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام

- القانون رقم 2024/036 المتضمن عصرنة أسواق رؤوس الأموال

- القانون رقم 2024/037 المتضمن الإطار التشريعي للسندات المؤمنة

- القانون رقم 044/2024 المتعلق بالمؤسسات العمومية