على مدار الساعة

هل تتقاعد الأمهات؟ لا ورب العزة 

5 يناير, 2025 - 06:56
بقلم الدكتور مولاي عبد القادر مولاي إسماعيل أستاذ جامعي

استفادت أمي الغالية من حقها في التقاعد، بعد خدمة وطنها بصدق وجدّ، أكثر من 35 سنة، لله الحمد، بدأتها موظفة للخزينة العامة للدولة، ومرّت خلالها بمناصب أخرى عديدة، جسّدت فيها كل قيم الالتزام والانضباط المهني. 

 

والحقيقة أن بعض المناسبات والمواقيت تبعث في النفس من الخواطر والمشاعر؛ ما يتفاوت ويتباين حدّ التضاد والتضارب، ومن ذلك ما يختلج في نفسي وأنا أسطر هذه الحروف؛ بمناسبة إحالة أمي الغالية إلى التقاعد، حفظها الله تعالى وأطال عمرها في صحة وعافية.

 

فهل -يا تُرى- أستطيع صياغة لغة تليق بمقام أمي؛ وهل تُحال الأمهات إلى التقاعد؟ لا وكلا، فالأمهات معينٌ لا ينضب من العطاء؛ حيثما كنَّ، وأينما حللْنَ!.

 

وأي أسلوب يَفِي بالتعبير عما في نفسي من مشاعر الفخر والاعتزار بأمي في كل مناسبة؛ ودون مناسبة، وأي سبيل إلى التعبير عن الفخر بمسيرة مهنية نظيفة، سطرتها أمي بتوازٍ معتدل مع مسيرة اجتماعية راقية، ربّتْنا فيها على الجد في العلم، والتمسك بقيم النبل والشهامة والنظافة في القلب والعقل والسلوك والمظهر.. 

 

أمي الحبيبة.. أردت أن أكتب لكِ هذه الكلمات لأعبر لكِ عن مدى امتناني وشكري لكِ على كل ما قدمتهِ لنا من عطاءٍ سخيّ، أنا وإخوتي طيلة مراحل تطورنا القاعديّ والوظيفيّ والحياتيّ.. لقد كنتِ دائمًا المساند الأول لنا، والشخص الذي لا يتردد في الدعم والمساعدة على كل المستويات، مهما كانت الظروف والأحوال.

 

لقد زرعتِ في نفوسنا منذ النشأة معنى التضحية، والاهتمام، والوفاء، وصلة الرحم، والانفتاح الواعي، واحترام الآخر، وكنتِ دائمًا السند الذي نلجأ إليه في أوقات الحاجة، دون تردد أو حرج، ولم تبخلي أبداً بحبكِ وجهدكِ من أجلنا.. وما من لحظة مررنا فيها بصعوبة إلا وكانت يداكِ الحنونتان -القويتان بالإيمان والعزيمة- جسراً حانياً، يحتضننا بحبٍّ وتفانٍ، حتى يوصلنا إلى برّ الأمان، لنكمل الطريق بثقة رغم أمواج بحر الحياة المتلاطمة.

 

اليوم، ونحن نشهد بداية مرحلة جديدة في حياتكِ بعد التقاعد، نشعر بفخر واعتزاز بالغيْن، لأنكِ كنتِ ومازلتِ وستظلّين لنا مصدر إلهام لا يتراجع، ومعين سند لا ينضب، فأي تاريخ أو ميقات أو مناسبة أو فاصلة؛ يمكن أن تحدّ من عطاء الأم وكرمها وحضورها وبصماتها اللامعة في الأنفس والعقول والقلوب؟!. 

 

نعم لقد كنتِ دائماً بسلوكك وشخصيتك وتجربتك؛ مصدراً ملهِماً، ونوراً مضيئاً لنا في كل دروب الحياة.

 

لقد علمتِنا الصدق والاجتهاد والتفاني في خدمة الوطن، وكرّستِ أمامنا بمسيرتك؛ العفةَ والأنفة والنظافة المُطلَقة من المال العام؛ رغم المناصب التي كنتِ فيها على تماسّ مباشر مع طرق الحصول على هذا المال؛ في أزمنة لم يسلم فيها منه إلا قليلٌ قليلٌ من الناس!. 

 

لقد كان راتبك مورداً سخيّاً للمصروفات الضرورية وكل ما تعلق بدراستنا، التي كانت الشغل الأول في سيرتك ومسيرتك الملهِمة.. لقد كنتِ دائماً تمثلين اسمك المشتق من "العز" والشموخ، وظللتِ مثالاً ناصعاً للمرأة الشريفة، صاحبة الشخصية المؤثرة، والحضور البهيّ.

 

أمي الغالية لا يمكن للكلمات أن تعبر عن مدى شكرنا لكِ. نحن ممتنون لكِ على كل لحظة، وكل ابتسامة، وكل تضحية قدمتها لنا.. نحن فخورون بكِ، ونتمنى أن تجدي الآن الوقت الذي تستحقينه لتستمتعي بحياتكِ صحبة السبحة والعبادات والفضائل وصلة الأرحام، بعد أن أكلمتِ مسيرتك المهنية على أكمل وجه؛ وأحسن طريقة.

 

أحبكِ كثيراً يا أماه، وأدعو لكِ دائماً بالسعادة والراحة في كل أيامكِ.

 

ابنكِ المُحبّ؛ الفخور بكِ، المعتزّ بسيرتك الاجتماعية العطرة، وبمسيرتك المهنية الملهِمة.