على مدار الساعة

غزة: شارات النصر وأماراته عشية سكوت السلاح

19 يناير, 2025 - 13:45
عبد الرحمن / الحنفي

وصلت غزة بإعلان اتفاق الهدنة إلى يوم عظيم طال انتظاره، يوم كتب بدماء الشهداء، وصمود الرجال وصبر النساء.

 

يوم هدمت لأجله مئات البيوت، ورملت مئات النساء، ويُتم مئات الأطفال.

 

ومع سكوت فوهات المدافع تستيقظ أسئلة كثيرة لعل أبرها سؤال: من انتصر على من في هذه الحرب المدمرة؟

 

والجواب عن هذا السؤال يكون بالرد على سؤال آخر وهو هل حقق الجانب الإسرائيلي أيا من أهدافه الكبرى، والتي جعل تحقيقها شرطا لإنهاء حربه الضروس على قطاع غزة:

- أول هذه الأهداف كان القضاء على قدرات المقاومة العسكرية، وقد أثبتت أيام الحرب الطويلة مدى صلابة المقاومة وقدرتها على الصمود، بل وتطوير قدراتها القتالية، ففي اليوم السابع والستين بعد المائة الرابعة ما تزال صواريخ المقاومة تنطلق لتدك مدن الغلاف وما بعد الغلاف، وتزرع الذعرَ في قلوب المغتصبين، وقد تمكنت حماس حسب ما تواتر من تقارير -وبعضها صهيوني -  من إعادة بناء قدراتها العسكرية وتغذية أجنحتها بمئات العناصر خلال فترة الحرب،

 

- أما الهدف الثاني، فقد كان إنهاء حكم حماس لقطاع غزة أو ما سماه الإسرائيليون "اليوم التالي"، فكانت المفارقة أن الجانب الإسرائيلي أعلن على لسان مكتب نتنياهو أنه ينتظر رد حماس على اتفاق وقف إطلاق النار، وظهر خلال جولات التفاوض أن حماس طرف لا يمكن تجاوزه ورقم لا يمكن محوه من خريطة النضال الفلسطيني على عكس ما سعى وروج له العدو الصهيوني، 

 

إن حماس فكرة غرست في الوجدان الفلسطيني منذ سنين، وقد رُويتْ بدماء عشرات القادة والمناضلين، ولا يمكن إنهاؤها إلا بإنهاء الاحتلال وإعادة الحق لأهله.

 

- والهدف الثالث والأخير من أهداف الحرب الرئيسية كان تحرير الأسرى تحت الضغط العسكري، فكانت النتيجة ما أعلنته حماس منذ الوهلة الأولى وهي أن أسرى العدو لن يروا النور إلا بصفقة تجلب النور لمئات، بل آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين غيبتهم سجون العدو منذ سنين، وبعضهم ممن حكم عليهم بمؤبدات وبعضم حكم عليه بفترات طويلة.

 

انتهت الحرب إذا ولم تحقق أهدافَها المعلنة، وليس هذا فحسب بل ثمة أهداف لاحقة فشل العدو في تحقيقها كخطة الجنرالات الخبيثة التي سعت إلى إنهاء الوجود السكاني في الشمال، وخصوصا في جباليا البلد ومخيمها وبيت حانون وبيت لاهيا، وهي المدن التي ظل مقاوموها يؤلمون العدو إلى آخر أيام الحرب وظل سكانها متشبثين بحبال البقاء فدفنوا بصمودهم الأسطوري خطة الجنرالات في مهدها.

 

ومن تلك الأهداف، تأمين غلاف غزة وعودة "سكانه" إليه، سكان ما تزال أصوات طوفان الأقصى الهادر تصم آذانهم إلى اليوم.

 

ولعل من أهم الأدلة والبراهين على فشل الحرب على غزة ما صرح به وزراء العدو وساستُه، إذ كما قيل قديما "الحق ما شهدت به الأعداء".

 

فهذا الوزير الصهيوني المتطرف بن غفير يقول بالنص: "ما شاهدته من احتفالات في غزة يكشف بوضوح من هو الطرف الذي خضع واستسلم"؛ وهذا وزير خارجية الكيان "جدعون ساعر" يقول: "حماس لا تعرف الانكسار".

 

وهذا معهد الأمن القومي الإسرائيلي يقول: "الحقيقة الأساسية أن حركة حماس ستتعافى أكثر وقيادتها المستقبلية ستغادر السجون".

 

لقد أثبتت هذه الحرب أن الإرادة تكسر الإبادة، والعزيمة تأبى الهزيمة وأن الأمل أقوى من الألم، فعامٌ وثلاثة أشهر من التتبير والتدمير لم يكسر صمود الشعب الفلسطيني ولا عنفوان مقاومته، التي سطرت أعظم ملاحم هذا العصر، ونقضت بصمودها الاستثنائي غزل مقولات الجيش الذي لا يقهر، والتفوق الاستراتيجي، ومفهوم الردع الإسرائيلي، وغير ذلك من كومة الأوهام التي راكمها العدو على مر السنين وزرعها في أذهان ضعاف النفوس والمستلَبين.