على مدار الساعة

غزة.. إيذان بنصر قادم

19 يناير, 2025 - 14:04
بقلم: المهندس نور الدين سيدي عبد الله

لعل الناظر إلى تاريخ الشعوب يدرك أن لكل شعب سيكولوجيته الخاصة التي تؤثر فيه سلبا وإيجابا، وتكون هي اللاعب الأساسي في تحديد عواطفه ودوافعه وبناء المفاهيم وتوجيه الرؤى والانطباعات لخلق توجه شعبي عام يحدد خصائص ذلك المجتمع.

 

هذه السيكولوجية هي التي جعلت من الشعب الفلسطيني شعبا صعب المراس، قوي البأس، صارم القرار، حاد الصبر، علمته الحياة والمآسي والاحتلال أن يجابه أنواع ظلم أشد البشر جورا، وجعلته يمتلك من المناعة ما إن وزع على العالم لعمه عزةً ونخوةً وكرامةً وقوةً.

 

هذه الحالة جعلت من أبناء هذا الشعب مع تألمهم لفقدان أحبائهم، فإنهم على يقين أن هذا الفقدان هو في سبيل الله وفي سبيل تحرير البلاد هين سهل، فيحتسبوا شهداءهم، ويضمدوا جراح جرحاهم، ويقنعوا أنفسهم أن أكبر هدية قد تهدى لأحدهم هي نيل الشهادة، إنها عزة الإسلام التي تجري في دمائهم ودماء أبنائهم، وثمن تضحيات التحرير الذي هو نصب أعينهم لا يتكاسلون عنه ولا يتخاذلون.

 

وحين تضع الحرب أوزارها أو توشك تكون تلك الساعات التي تلي الاعلان عنها ساعات فرح وابتهاج للنصر وانتهاء سفك الدماء وعودة للديار وللأهل، كما أن في منظور الإنسان الفلسطيني هي إمعان للقوة أمام العدو وإغاظته وجعله في حسرة لمشاهدته من كان بالأمس يقتله ويتمنى زواله، اليوم هو في فرح وسرور، وكأن من يفرح أخيرا هو من يضحك كثيرا وينتصر طويلا.

 

 

إنها معادلة بين الحق والباطل صاحب الحق فيها تحيطه رعاية الله وحفظه، وصاحب الباطل في انكسار وذل مهما حقق من أرقام قتل، هي عندنا أرقام سمو في جنان الخلد، وعلو طموح ومسؤولية لدى من بقي على الدرب سائر.

 

هذه المعادلة الربانية وما ينتج عنها من نصر حتى وقبل استكماله، تفسر فرح الأهالي والأطفال المشروع لهم، مع كونه ينبغي أن يكون بحذر حتى استكمال محطات النصر، وذلك عند دخول اتفاقية وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، والعودة إلى الديار وتشييدها، وخروج المحتل، وعودة الأبطال الأسرى من سجون الاحتلال، حينها يستكمل النصر وتعم الفرحة وتبتهج شوارع غزة وأزقتها.

 

إن القائل بعدم مشروعية فرحهم في هذه اللحظات مع القتل والتدمير ويؤصل ذلك بأنه مذموم شرعا وفق قوله تعالى: {إن الله لا يحب الفرحين} فإنه لا يدرك المنطلقات المبينة أعلاه لديهم ويغفل عن فهم كلام رب العالمين، ففي تفسير هذه الآية يقول ابن كثير : "وقوله: {إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين} أي: وعظه فيما هو فيه صالح قومه، فقالوا على سبيل النصح والإرشاد: لا تفرح بما أنت فيه، يعنون : لا تبطر بما أنت فيه من الأموال {إن الله لا يحب الفرحين} قال ابن عباس: يعني المرحين، وقال مجاهد : يعني الأشرين البطرين، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم".

 

كما يفسرها العلامة ابن باز فيقول رحمه الله مبينا لها مع الآية الكريمة {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}: "هذه الآية في قصة قارون، قال له قومه: {لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76] المراد بذلك: الفرح الذي يصحبه الكبر، والتعاظم، والبغي على الناس واحتقارهم، والعدوان، والبطر، هذا المنهي عنه.

 

أما الفرح بفضل الله وبرحمته ونعمه وإحسانه، هذا مشروع، كما قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس: 58].