إذا كان خطاب إعلان السياسة العامة للحكومة الذي ألقاه معالي الوزير الأول أمام البرلمان بداية شهر شتنبر من سنة 2024، قد صُمّم بعناية، وقرئ بعناية، وتقبل بعناية؛ على أساس واقعيته ودقته وقابلية مضامينه للقياس والتتبع بدقة، وتغطيته لمساحة اهتمامات وانتظارات المواطنين الشاسعة، فإن خطابه أمس عن الحصيلة والآفاق، مثل أداة عطف لصفة جديدة هي "ونفذ بعناية"؛ حيث تميز - على صعيد الحصيلة - بإثبات ما يلي:
1. ارتفاع نسبة تنفيذ المشاريع بشكل عام مقارنة بالسوابق في هذا المجال.
2. نجاعة ومردودية الإجراءات التقنية والإدارية والقانونية التي اتخذت لتعزيز الشفافية ومحاربة الفساد.
3. كسب الرهان ورفع التحدي بخصوص التعهد بتنفيذ جملة من المشاريع على وجه الاستعجال (قبل نهاية 2024)؛ حيث تم - في حدود ذلك الإطار الزمني الضاغط - اكتمال 41 مشروعا من أصل 46، وتقدمت الأشغال في البقية، وهو ما تطلب - دون شك - عملا استثنائيا وسباقا محموما مع الزمن، وتنسيقا محكما لعمل القطاعات والمؤسسات المتعهدة بتنفيذ هذه المشاريع، وسلوكا حكوميا غير تقليدي متحررا من البيروقراطية والروتين.
وقد تم التعبير عن حالة هذه المشاريع وغيرها بالتفصيل، وبلغة الأرقام الفصيحة، التي يقتضيها مقام استشعار المراقبة والمحاسبة والمسؤولية واحترام الشعب وممثلي الشعب، ويقتضيها التناغم والانسجام مع التحولات التي تعرفها بلادنا، وخاصة في مجالي الشفافية والحكامة.
أما على صعيد الآفاق، فقد شكلت السياسية العامة المتعهد بتنفيذها خلال سنة 2025، استمرارا مع التطوير للإصلاحات الكبرى التي انطلقت مع المأمورية الثانية لفخامة رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني، وعهد بتنفيذها لحكومة معالي الوزير الأول، المختار ولد اجاي.
وقد تضمنت خاتمة الخطاب خلاصات عملية تمثل منطوقات قرارات تمهيدية حائزة على قوة الإصلاح المتعهد به، مؤسسةٍ على ما تم عرضه في حيثيات الخطاب ومحاوره الكبرى؛ قرارات تقضي بما يلي:
1. اعتراف النظام بوجود تحديات عميقة ومتجذرة ومتشعبة ومعقدة، وهذا الاعتراف، يمثل سلوكا غير تقليدي، ومظهرا جليا من مظاهر التجديد والتحول.. وتجاوزا لأبرز إشكالات وعوائق التنمية في الممارسات والسوابق "الوطنية" لكلاسيكية.
2. إنذار المسيرين بالقوة أو بالفعل وتحذيرهم من الفساد وسوء التسيير، وإبلاغهم ضمنيا بإغلاق سبل الإفلات من العقوبة، ووضعهم بذلك أمام مسؤولياتهم.
3. التعهد الصريح للشعب الموريتاني ولممثليه باتخاذ كافة الإجراءات الضامنة لتنفيذ قرارات ومتطلبات الإصلاح الواردة في مضمون الخطاب، مع دفع ثمنه الباهظ! وتجسيد بنود إعلان القطيعة مع الفساد، ومع ظاهرة استسهال التعدي على المال العام.
4. دعوة المجموعة الوطنية لمواكبة الإصلاح والمشاركة فيه، والتعويل على جهودها باعتبار ذلك هو الموقف الطبيعي الذي يقتضيه الانتماء الوطني، وتمثل قيم الجمهورية، وباعتبار هذه المشاركة شرطا لتسريع الإصلاح والتصدي لمقاومته الاجتماعية والإدارية المتوقعة.
5. تقدير جهود جميع موظفي ووكلاء الدولة تقديرا يتضمن معاني الاستنهاض والتحفيز المعنوي، مع التمييز في هذا الإطار لصالح منتسبي القطاعات الحساسة والحيوية: مثل الأمن والتعليم والصحة..
ورغم أهمية النتائج التي أبانت عنها بالأرقام حصيلة 2024، وملامسة عناصر برنامج 2025 لطموحات وتطلعات المواطنين، يبقى ركام الفساد؛ التحدي الأبرز الذي يتطلب رفعه جهود ومشاركة الجميع.