على مدار الساعة

التسويق المصرفي الإسلامي بين الالتزام الشرعي والأسلوب الكمي؟

12 فبراير, 2025 - 02:02
حم احميتي فال - متخصص في البنوك الإسلامية

حم احميتي فال - متخصص في البنوك الإسلامية

شكل التسويق المصرفي الإسلامي تطورا كبيرا كجزء من عمليات التسويق بشكل إجمالي، فاتخذته معظم البنوك والمؤسسات المالية والتجارية وسيلة ناعمة وأداة حداثية تستقطب الجمهور وتعزز من انتشار الثقافة المصرفية، ولعل التنافس المشهود الذي تعرفه الساحة المصرفية الإسلامية في موريتانيا اغتناما لهذه السانحة التي تتقيّد في طبيعتها بالبعد الشرعي والأسلوب النوعي، فكيف يتم إسقاط ذلك بما يخلق انتشارا سلسا للبنوك ويولج العملاء إلى خدماتها؟

 

مبدئيا، يمكننا أن نتفق على تعريف مبسط للتسويق المصرفي الإسلامي، إنه هو العملية التي تسعى من خلالها البنوك إلى التعريف بخدماتها ومنتجاتها بما يخلق علاقة ثقة وود بين البنك والعملاء، لاستقطاب أموالهم والاستفادة من  الخدمات التي يقدمها البنك طبقا للشريعة الإسلامية، فالعلاقة التي يطمح لشبكها هي علاقة ثقة وسمعة جيدة، يقدم نفسه كبديل "للاكتناز "وتعطيل الفوائض المالية التي يمتلك البنك من القدرات الإدارية من خلال دوره كوسيط مالي ما يضمنها لصاحب الثروة بشكل آمن، كما يوجّه من خلالها سد ثغرات عجزٍ لمن لا يملكون السيولة الكافية لتجسيد مشاريع وأفكار استثمارية ضرورية، فالسبيل إلى هذه الدورة الاقتصادية هو أداته الاستراتيجية في عملية تسويق واضحة وناجحة، تضبطها ضوابطٌ شرعية ضرورية، لتبقى في إطار الشمولية والمنفعة الهادفة..

 

1. التكييف الشرعي: 

إن أغلب عمليات التسويق التي تطلقا البنوك الإسلامية، والتي تترتب عليها سُحوبات على شكل جوائز أو هدايا مثل السيارات والهواتف والحواسيب الإلكترونية، تقوّم بمقياس الشرع، فالدخول على السحب يستوجب أن يظل بلا قيود ولا رسوم مالية إجبارية على أساسها يدخل المستفيد عملية السحب، فربما لا يستفيد في الغالب شيئا!! فيصير هذا من قبيل الغرر والميسر والضياع للمال بلا مقابل، فالمطلوب في هذه العملية حصرا هو مجانيتها وتقديم الجائزة على سبيل التبرع أو الهدية، وهذا ما أصدرته بيوتات الفقه الإسلامية وأسست عليه المعايير الشرعية لمن يريد الرجوع إليها..

 

2. نوعية التسويق المصرفي:

إن المتتبع للشأن المصرفي الإسلامي يدرك الكثير من حديّة التنافس بين البنوك والتي إنما بنيت على التقليد في كيفيتها، فقد تتفق البنوك المتنافسة في الجوائز أو الهدايا مما يحدث ركوداً في المشاركة، ويجعل عملية التسويق المصرفي، محصورةً في زاوية واحدة، وربما تمكن قراءة هذه الزاوية كنوع من "المقايضة "مع حجم العملاء المشاركين وحجم التحويلات التي سيُجرون على هذه التطبيقات المصرفية التقليدية أو الرقمية، ما يطرح التساؤل الواردة، هل البنوك تجار سلع أو مقايضة؟

 

إن عملية التسويق المصرفي تتطلب النوعية التي تستهدف كافة الشعب الموريتاني سواء كان في الداخل أو الخارج فكل مواطن يجب أن يستفيد من الولوج للخدمات المصرفية، خاصة وأننا - لله الحمد - بلد يتميز بكثرة موارده الاقتصادية وتنوع ثرواته من التنمية الريفية بشقيها الحيواني والزراعي، إلى الصيد والمحيط والتنقيب وغير ذلك، كل الفئات الإنتاجية هي مجتمع يستهلك الخدمات المصرفية، ويحتاج لبناء وعي مصرفي، يؤمّن له نتاجه المالي، ويحقق للبنوك الوطنية أماناً من "المخاطر الائتمانية" وأزمات السيولة، فيمكن تنظيم الحملات التوعية والمهرجانات التعريفية، التي تقوم على النوع وليس الكم، فيُدعمُ أصحابُ المشاريع الصغيرة والمتوسطة ويحتضن مجتمع الطبقات الضعيفة اقتصادياً، بما يدخل في البعد الاجتماعي للإدارة المصرفية، فالناظر لتدني الوعي المصرفي، وتقلّص الثقة في المؤسسات البنكية، يدرك أن التقليد بين البنوك في عمليات تسويقها، يظل عائقا أمام زيادة الوعي والثقة، وحجم عملائها وكتلها النقدية الأساسية!!.

 

فبالمختصر، وخلال هذه المناقشة المتواضعة، ندرك أن عملية الشمول المالي لا يمكن أن يتسع مقامها، ما دامت العقلية التي تدار بها المصارف متكاسلة، ومقيّدة بجمهور الإنترنت المحدود نسبياً قياسا مع عمق الشعب والجمهور، وحجم تدفقه النقدي ومصادر تحصيله..

 

فهل ستخلق البنوك الموريتانية نمطية تفكير جديدة ومتنوعة؟ أم ستظل قيد الكمية والتقليد في الاستقطاب!!