صادق مجلس الوزراء خلال اجتماعه أمس (14 شتنبر 2017) على مشروع مرسوم يتضمن إنشاء وتنظيم وسير عمل مؤسسة عمومية ذات طابع إداري تدعى "مكتب تسيير الممتلكات المجمدة والمحجوزة والمصادرة وتحصيل الأصول الجنائية" لذلك أورد إنارة مقتضبة في الموضوع.
كثيرا ما تمت مصادرة الأموال التي تضبط أثناء معاينة بعض الجرائم وخاصة في قضايا المخدرات والتهريب وغيرها وقد تكون الأموال عينية كما قد تكون نقدية (بالعملة الصعبة أو الوطنية).. هذه الأموال يتوجب حجزها "تحفظيا" وإرجاء التصرف فيها إلى أن تبت المحاكم التي قد تتأخر لأسباب إجرائية أو موضوعية وحتى ذاتية.. إضافة لذلك قد تتضمن الأحكام غرامات أو مصادرات أو إدانات لصالح الدولة أو إحدى مؤسساتها تفتقر لجهة مسؤولة عن مباشرة الإجراءات اللازمة لتحصيلها.
المعمول به حاليا أن تأمر السلطات القضائية بإيداع المبالغ المحجوزة مؤقتا في الخزينة العمومية التي تفتح لها حسابات خاصة في انتظار أوامر القضاء أما فيما يتعلق بالغرامات والإدانات فيناط تحصيلها بالخزينة العامة طبقا للمادة: 632 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على ما يلي: "تتابع النيابة العامة والأطراف التنفيذ كل فيما يخصه غير أن المتابعات من أجل تحصيل الغرامات والمصادرات تقع من طرف الخزينة العامة باسم وكيل الجمهورية".
ويبدو أن السلطات قررت بموجب مرسوم الأمس إنشاء هيئة خاصة لتسيير هذه الأموال ويفهم من بيان مجلس الوزراء الذي نص على أنه سيعهد للمكتب بـ"اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتفادي تدني قيمتها" أنه سيتم استثمار الأموال عن طريق إقراضها للبنوك أو المضاربة بها في الأسواق وهو ما يبرر الخوف من أن تكون الوكالة الجديدة كوة أخرى لتسرب الأموال أو تبديدها إذا ما تم تيسير إجراءات صرفها خاصة وأن تعقيد الإجراءات سينعكس سلبا على الأهداف المذكورة.
وكالعادة يلاحظ أن إنشاء المكتب الجديد تم تبعا للسنة الفرنسية، فقد أنشأت فرنسا في يوليو 2010 وكالة لتحصيل الأموال المحجوزة والمصادرة Agence de Recouvrement des Avoirs Saisis et Confisqués المعروفة باختصار AGRASC ويرأسها قاض وتتشكل من 11 وكيلا من وزارات العدل والمالية والداخلية.
وعلاوة على التخوف المشروع من تبخر الأموال يطرح إنشاء المكتب الجديد إشكالات يتعين الوقوف عندها فمن حيث الشكل يبدو أن مجلس الوزراء اعتمد مصطلح "الأصول الجنائية" كترجمة لعبارة Avoirs criminels وكان من الأنسب استخدام العائدات أو غيرها لأن مصطلح الأصول في لغة سيبويه يحيل لمفهوم أعمق مما يوحي به مصطلح Avoir الذي لا يعني، في لغة موليير، أكثر من الأموال.
وبغض النظر عن الاصطلاح كان من واجب الدولة أن تهيئ المجال القانوني للمكتب الجديد أما ولم تفعل فيتعين عليها إرجاء تطبيق المرسوم حتى اتخاذ التدابير القانونية لملاءمته مع الأصول الجنائية المعمول بها، كما فعلت فرنسا.
هذه إنارة أولية قد تسعف الرأي العام إلا أنها لا تغني السلطات العامة من تقديم تقرير مفصل تبعا للأصول المدنية في الحكم.. خاصة وأن ثمة أسباب للقلق من ضعف أداء الهندسة القانونية عندنا.