على مدار الساعة

هكذا تم "التعويض العادل" لمساهمي "ميفرما" بعد التأميم

22 مارس, 2025 - 16:42
بوبكر أحمد

بوبكر أحمد

هذه القراءة التاريخية هي أساسا ترجمة لدراسات المجلة الأمريكية لتاريخ القانون وتستمد كافة مصادرها من وثائق رسمية منشورة سواء من قبل البنك الدولي أو الحكومات الغربية (في انتظار أن تفرج الحكومة الموريتانية أو سنيم عن ارشيفهما).. وتهدف إلى إنارة الجيل الجديد من الموريتانيين حول وقائع تأميم ميفرما بشكل موضوعي بعيدا عن الشحن السياسي والعواطف الوطنية، كما تهدف إلى جعل الرأي العام أكثر واقعية في موضوع العلاقة مع الشركات الأجنبية العاملة في موريتانيا.

 

1. بدايات ميفرما

دخلت موريتانيا الاستقلال في أواخر عام 1960 باقتصاد لا يتعدى الزراعة المعيشية ورعي الماشية المتنقل. كان عدد سكانها، الذي يبلغ حوالي مليون نسمة في أراضٍ تفوق مساحتها ضعف مساحة فرنسا، غير متعلمين تقريبًا، وكان أكثر من نصفهم يعيشون حياة الترحال. ولكن موريتانيا كانت تمتلك "ورقة رابحة"، كما وصفتها إحدى المقالات في ذلك الوقت، فقد اكتشفت السلطات الاستعمارية قبل عدة سنوات احتياطات كبيرة من خام الحديد عال الجودة في شمال البلاد، حول "فورت غورو" (التي تعرف اليوم بافديرك)، بالقرب من الحدود مع "الصحراء الغربية" التي كانت تحت السيطرة الإسبانية آنذاك. كانت حاجة الحكومة الموريتانية إلى العائدات الضريبية والإتاوات المرتبطة بالمعادن شديدة. ففي غياب استغلال ناجح لمواردها الطبيعية، لم تكن الحكومة قادرة على تغطية تكاليف ميزانيتها المتواضعة بعد الاستقلال دون مساعدة خارجية كبيرة.

 

اعتماد موريتانيا على المساعدات الفرنسية لتلبية احتياجاتها الأساسية كان يثير خطر انتقادات سياسية مزعزعة للاستقرار، حيث وُجهت اتهامات بأنها "باعت نفسها لفرنسا". لقد شكلت الثروة المعدنية فرصة لتوفير الأموال اللازمة لموريتانيا من أجل تحقيق استقلالها المالي والسياسي. لكن البلاد كانت تفتقر إلى القدرة المحلية على تطوير مناجم خام الحديد، حيث إن استغلال هذا المورد يتطلب رأس مال ضخمًا، كما أن بناء وتشغيل منجم في الصحراء الموريتانية القاسية والنائية يحتاج إلى خبرة تكنولوجية متقدمة، وهو ما لم تكن موريتانيا تملكه بطبيعة الحال آنذاك.

 

كان الاستثمار الأجنبي ضروريًا، واتخذ شكل شركة مساهمة تُعرف باسم شركة مناجم حديد موريتانيا (MIFERMA)، والتي تم إنشاؤها في الخمسينيات من قبل عائلة روتشيلد الشهيرة. في البداية، كان المساهم الرئيسي فيها هو شركة التعدين الكندية فروبيشر، لكنها انسحبت قبل بدء العمليات، ليصبح رأس مال الشركة موزعًا بين مجموعة من المصالح الأوروبية العامة والخاصة في قطاعي الصلب والتعدين.

 

خلال الفترة المعنية، كانت الحكومة الفرنسية تملك أكثر من ربع الأسهم من خلال مكتب البحوث الجيولوجية والتعدينية (BRGM)، بينما كان مصنع الصلب الفرنسي Usinor يمتلك 15%، وعائلة روتشيلد حوالي 10%، وشركة British Steel البريطانية 20%، وشركة الصلب الإيطالية Finsider 15%، وشركة الصلب الألمانية Thyssen حوالي 3%. كما كانت المجموعة الاستثمارية الفرنسية COFIMER تملك 9% من الأسهم.

 

بحلول تأميم الشركة في عام 1974، ظلت بنية الملكية على حالها تقريبًا، مع استثناءين رئيسيين: حصلت الحكومة الموريتانية على حصة 5% في عام 1965، وقبل التأميم مباشرة، اشترت شركة International Minerals and Chemical Corporation (IMCC) الأميركية 3% من الأسهم الفرنسية، لكن المساهمين الفرنسيين ظلوا يسيطرون على الحصة الأكبر من رأس المال.

 

ومع ذلك، لم يكن رأس المال المساهم به في ميفرما كافيًا لتلبية احتياجات الشركة التمويلية، وكان التمويل عبر الديون العامة أمرًا لا مفر منه. تم توفير هذا التمويل من خلال مزيج من القروض المقدمة من البنك الدولي والحكومة الفرنسية.

 

كان القرض المقدم من البنك الدولي، والذي بلغ 66 مليون دولار مع فترة سداد تمتد على تسع سنوات، هو المصدر الأكثر أهمية. وقد وافق البنك على هذا القرض في عام 1960 بعد مفاوضات طويلة ودقيقة.

 

2. الاتفاقية بين الشركة والحكومة الموريتانية

على الرغم من غنى منجم "فورت غورو" (افديرك)، لم يكن النجاح المالي والتشغيلي للمشروع مضمونًا، ولذلك اتخذ البنك الدولي – الذي كان تقديم القروض لمستثمر خاص بدلاً من دولة سابقة غير معهودة لديه – عدة تدابير لحماية موقفه. فقد طلب (وحصل على) ضمانات رسمية للسداد من كل من الحكومة الفرنسية والحكومة الموريتانية، كما اشترط على مساهمي ميفرما تقديم ضمان رسمي للحفاظ على رأس مال عامل كافٍ. بالإضافة إلى ذلك، احتفظ البنك الدولي بحق الموافقة على بعض الإجراءات التي قد يتخذها المساهمون والتي قد تهدد التدفقات النقدية للمشروع، وسرعان ما قام ببيع جزء كبير من القرض إلى مستثمرين من القطاع الخاص.

 

كانت علاقة ميفرما بالحكومة الموريتانية منظمة بموجب اتفاقية تأسيس رسمية تم توقيعها عام 1959 من قبل المختار ولد داداه، الذي كان حينها يشغل منصب رئيس الوزراء، بين الحكومة الموريتانية والشركة نفسها. وقد صادق البرلمان الموريتاني لاحقًا على هذه الاتفاقية، التي تضمنت مقدمة أكدت مرارًا أن نجاح المشروع يعتمد على الاستقرار القانوني والمالي والاقتصادي والضريبي، إضافة إلى ثلاثة وعشرين مادة تحدد حقوق والتزامات كل طرف.

 

لم تكن هناك أي بنية تحتية لدعم المشروع، لذلك تعهدت ميفرما ببناء مجمع التعدين، إلى جانب إنشاء سكة حديد بطول 650 كم عبر الصحراء مع نفق يمر تحت جبل شوم، إضافة إلى ميناء بحري جديد، ومدينتين بالكامل (كانصادو والزويرات). كما وعدت بتصدير أربعة ملايين طن من خام الحديد خلال خمس سنوات، وستة ملايين طن خلال عشر سنوات، وبيع الخام بأسعار السوق.

 

أما بالنسبة لتعهدات موريتانيا، فقد تضمنت ضمانات قانونية واسعة النطاق فيما يتعلق بـ"الاستقرار" الذي تم التأكيد عليه في المقدمة. على سبيل المثال، نص المادة: 3، بعنوان "الضمانات القانونية"، على التزام موريتانيا بـ: "عدم فرض أو سن أي إجراءات تتضمن، بشكل مباشر أو غير مباشر، تعديلاً غير ملائم للأحكام السارية وقت إبرام هذه الاتفاقية، سواء فيما يتعلق بتأسيس الشركات، أو تشغيلها، أو حلها، أو تصفيتها، أو فيما يخص حقوق وأساليب نقل الأسهم."

 

كما تعهدت بموجب المادة: 12 بتثبيت النظام الضريبي المعمول به في عام 1959، مما يضمن استقرار الشروط المالية للشركة.

 

نصت المادة: 12 على تثبيت النظام الضريبي لعام 1959، مما يرسخ الإطار الحاكم للضرائب والإتاوات. كما تضمنت مواد أخرى التزامات بشأن حرية ميفرما في التصدير والاستيراد وتحويل رأس المال.

 

أما المادة: 22، فقد احتوت على آلية تنفيذ مقصودة، حيث نصت على شرط التحكيم، الذي يُلزم الأطراف باللجوء إلى التحكيم في أي نزاع يتعلق بـ"تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية"، أمام هيئة تحكيم خاصة مكونة من ثلاثة أعضاء، وكان قرارها يعتبر "نهائياً" و"ملزماً".

 

3. من النجاح التشغيلي إلى التوتر السياسي

راقب البنك الدولي عن كثب عمليات ميفرما على مر السنين، حيث كان يجري زيارات ميدانية دورية تُنتج تقارير مفصلة. وتُعتبر هذه التقارير والمراسلات المرتبطة بها أدق تحليل موضوعي لمشكلات المشروع وتقدّمه. ويستند النقاش التالي بشكل أساسي إلى تقرير الزيارة الميدانية لعام 1972، وهي آخر دراسة متعمقة أجراها البنك قبل التأميم.

 

من الناحية التشغيلية البحتة، يصعب اعتبار المشروع إلا نجاحًا. فرغم ضخامة العمل وتعقيده، بدأت العمليات التجارية عام 1963، وسجلت الشركة أرباحًا تشغيلية طفيفة بحلول عام 1965 وبحلول أوائل السبعينيات، تراوحت الأرباح التشغيلية بين 7% و10%.

 

تم تقدير القدرة الإنتاجية القصوى للمشروع في البداية بـ6 ملايين طن سنويًا، ولكن بحلول أوائل السبعينيات، تجاوز الإنتاج 9 ملايين طن سنويًا. وكانت العائدات الحكومية المتأتية من المشروع كبيرة، لدرجة أن موريتانيا تمكنت من الاستغناء عن المساعدات المالية الفرنسية المباشرة بحلول منتصف الستينيات.

 

ففي حين أن الحكومة الفرنسية كانت تدعم ميزانية الحكومة الموريتانية بمعدل 28 مليون فرنك فرنسي سنويًا خلال النصف الأول من الستينيات، انخفضت هذه الإعانات إلى 1.2 مليون فرنك فرنسي سنويًا بين 1966 و1974، ووصلت إلى الصفر تقريبًا بحلول السبعينيات.

 

تمكنت ميفرما من إدارة التوترات السياسية وغيرها من القضايا مع الحكومة الموريتانية بفعالية نسبية، على الأقل في السنوات الأولى.

 

أحد الأسئلة الحساسة كان ما إذا كان ينبغي تمديد النظام الضريبي التفضيلي ليشمل صادرات الخام التي تتجاوز عتبة الستة ملايين طن التي كانت متوقعة في البداية. كما شكلت علاقات الشركة بعمالها الموريتانيين تحديًا كبيرا، حيث تعرضت الشركة لأول إضراب عمالي في عام 1965.

 

أدى هذا الإضراب، بالإضافة إلى الحاجة إلى تسوية مسألة النظام الضريبي، إلى اتفاق بين الشركة والحكومة الموريتانية على عقد اجتماع سنوي سمي "الطاولة المستديرة"، حيث تتم مراجعة العلاقة بين الطرفين والسعي لحل أي خلافات. ويبدو أن هذه الاجتماعات شكلت في البداية آلية فعالة نسبيًا لمعالجة التوترات التي نشأت بشكل حتمي. على سبيل المثال، تم إعادة التفاوض على النظام الضريبي بنجاح مرتين.

 

لكن في أوائل السبعينيات، ورغم زيادة الإنتاج، واجهت الشركة صعوبات مالية خطيرة بسبب تراجع صناعة الصلب والتطورات الاقتصادية الدولية. وبحلول عام 1974، هددت الشركة البنك الدولي بالتخلف عن السداد، كما تدهورت علاقاتها مع الحكومة الموريتانية بشكل ملحوظ.

 

4. مصادر التوتر بين ميفرما والحكومة الموريتانية

كانت أسباب التوتر متعددة. على المستوى العام، يمكن اعتبارها نتيجة لطبيعة ميفرما كشركة مغلقة، ليس فقط من حيث موقعها الجغرافي المعزول، ولكن أيضًا لعزلتها الاقتصادية.

 

ومع ذلك، كان للشركة تأثير كبير على الاقتصاد الموريتاني من خلال إيراداتها الضريبية لصالح الدولة. فقد بلغت الإيرادات الضريبية لموريتانيا حوالي 0.9 مليار فرنك CFA في عام 1959، بينما قدمت ميفرما وحدها ما لا يقل عن مليار فرنك CFA بحلول عام 1964. وبحلول عام 1970، بلغت إيرادات ضريبة الدخل من ميفرما وحدها 1.9 مليار فرنك CFA، بينما يقدر إجمالي مساهماتها بما بين 17 و25 مليار فرنك CFA بحلول 1974.

 

كما ولّدت عملياتها احتياطات ضخمة من النقد الأجنبي، حيث مثل خام الحديد ثلاثة أرباع الصادرات الموريتانية عام 1969 ومول أكثر من ثلث إجمالي واردات البلاد.

 

ورغم هذه المساهمات، كانت الشركة عرضة لانتقادات تتعلق بعدم تعزيزها لتنمية اقتصادية متنوعة ومستدامة. حيث وظفت عددًا قليلاً من الموريتانيين، إذ بلغ عددهم 2122 موظفًا في عام 1963 وارتفع إلى 3300 فقط بحلول 1971. كما أن معظم مشترياتها كانت من الخارج، وصُدِّرت منتجاتها الخام إلى الأسواق الأجنبية حيث تتم عمليات التصنيع ذات القيمة المضافة العالية، مثل صناعة الفولاذ.

 

كان القلق الرئيسي يكمن في أن أغنى الرواسب المعدنية كانت تُستنفد بسرعة، حيث قُدِّر أن ميفرما ستستنفد احتياطي خام الحديد عالي الجودة بحلول أوائل الثمانينيات. وعلى الرغم من اكتشاف احتياطات ضخمة من خام الحديد منخفض الجودة في منطقة الگلب، إلا أن تطويرها كان يتطلب استثمارات كبيرة، ولم يكن هناك ضمان بأن ميفرما ستقوم بتنفيذ هذه الاستثمارات.

 

يمكن تتبع تدهور العلاقة إلى نقطتين أكثر تحديدًا من النزاع: عدم التقدم في "المرتنة"، وعدم كفاية سكن العمال. كان الاتفاق المؤسس يتطلب من ميفرما إعطاء الأولوية للموريتانيين في عملية التوظيف وتدريب الموريتانيين لتولي المناصب الفنية والإدارية في المستقبل. وبينما كانت مرتنة الوظائف، من الناحية النظرية، في مصلحة الشركة المالية — حيث كانت الرواتب الموريتانية ستكون أقل بكثير من رواتب الموظفين الأوروبيين المغتربين — كانت الشركة تواجه صعوبة كبيرة في العثور على إمداد كافٍ من العمال المهرة المحليين.

 

كما كان الاتفاق المؤسس يتطلب من الشركة توفير سكن مناسب للعمال. وفي الواقع، حتى وقت التأميم، كان العمال المحليون وعائلاتهم وأتباعهم يعيشون في أحياء عشوائية متداعية، بينما كان الموظفون الفرنسيون المغتربون يعيشون في مساكن منفصلة وفاخرة نسبياً.

 

علاقات الشركة بالعمال شهدت تدهورًا حادًا في عام 1968، عندما أطلق حراس الأمن التابعون للشركة النار على مجموعة من المحتجين، مما أسفر عن مقتل عدة أفراد. وفي اجتماع الطاولة المستديرة لعام 1968، وافقت الشركة رسميًا على العمل لتحسين أوضاع العمال من خلال تحقيق أهداف محددة فيما يتعلق بالموريتانية والسكن.

 

لكن زيارة البنك الدولي إلى الموقع في عام 1972 وجدت أن ميفرما كانت تحقق تقدمًا مخيبا للآمال نحو أهداف طاولة 1968. وقد اعتبرت بعثة البنك الدولي أن عدم التقدم كان أمرًا مقلقًا جدًا، واتهمت الشركة بأنها تتهرب وتبحث عن أعذار مريحة لتبرير المماطلة.

 

كما أشارت البعثة إلى أن الحكومة الموريتانية كانت تمتلك 5% فقط من أسهم الشركة وكان لديها مقعد واحد فقط في مجلس الإدارة. وهذا الوضع جعل من المستحيل على الحكومة التأثير في قرارات الشركة، مما زاد من شعورها بالعجز.

 

5. التأميم

عند النظر إلى الأحداث بأثر رجعي، يمكن اعتبار بداية النهاية مرتبطة بقرارين سياسيين اتخذتهما الحكومة الموريتانية:

- في عام 1972، أنشأت الحكومة الموريتانية الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (SNIM)، وهي الكيان الذي ستُنقل إليه أصول ميفرما في نهاية المطاف.

- في عام 1973، قررت الحكومة الموريتانية التخلي عن نظام الفرنك الإفريقي (CFA) وإنشاء عملتها الخاصة.

 

وقد رافق هذا الانتقال إلى العملة الجديدة نظام أكثر صرامة للتحكم في النقد الأجنبي، حيث طُلب من جميع الأطراف، بما في ذلك ميفرما، إيداع عائداتها من العملات الأجنبية في البنك المركزي الموريتاني، والذي أصبح مسؤولاً عن معالجة آلاف عمليات الصرف الأجنبي الخاصة بالشركة سنويًا.

 

رأت ميفرما أن هذا الترتيب الجديد يمثل خرقًا واضحًا لاتفاقية الامتياز (التي كانت تمنحها حقوقًا سخية لتحويل أرباحها إلى الخارج) واعتبرته تهديدًا جوهريًا لعملياتها. وردًا على ذلك، أرسلت الشركة مسؤولًا فرنسيًا رفيع المستوى سابقًا لمناقشة الأمر مع الرئيس المختار ولد داداه.

 

لكن، ورغم عام كامل من المفاوضات الصعبة، لم تتمكن الشركة والحكومة الموريتانية من التوصل إلى تسوية رسمية. وعند لحظة التأميم، كانت الشركة والحكومة تعيشان حالة هدنة غير رسمية وغير مستقرة، حيث كانت ميفرما خاضعة رسميًا للنظام "الموحد" الذي يفرض إعادة جميع الأرباح إلى الدولة.

 

وفي نهاية نوفمبر 1974، أعلن الرئيس المختار ولد داداه عن قراره بتأميم الشركة خلال احتفالات عيد الاستقلال السنوية للبلاد. وقد قُوبل الإعلان بتأييد البرلمان، الذي صادق على التأميم في اليوم التالي لإعلان التأميم، عمّت الاحتفالات في جميع أنحاء البلاد. أُغلقت المدارس، وخرج الشباب إلى الشوارع للاحتفال بهذه الخطوة التاريخية.

 

حسب وثائق "ويكيليكس" يبدو أن الحكومات الغربية قلّلت بشكل كبير من احتمالية حدوث التأميم. على سبيل المثال:

- في يناير 1974، أفادت السفارة الأمريكية في نواكشوط بأن الحكومة الموريتانية لم تكن تفكر بجدية في التأميم.

- في يونيو 1974، ذكرت السفارة أن مراجعة امتياز ميفرما كانت متوقعة خلال العام المقبل، لكنها أكدت أن صناعة التعدين التي تهيمن عليها الشركات الأجنبية ستستمر في موريتانيا لعدة سنوات أخرى على الأقل.

 

عندما وقع التأميم، تفاجأ الجميع تمامًا، بما في ذلك السفارة الأمريكية، التي اعترفت في تحليلها الأولي بأنها لم تكن تتوقع هذه الخطوة إطلاقًا. وذكرت أنه: "على الرغم من أن احتمال التأميم كان دائمًا موضوعًا ساخنًا في الأوساط الحكومية والتجارية في موريتانيا، إلا أن الإجماع السائد بين كل من الأجانب والمحليين كان أن الحكومة لن تخاطر بتأميم ميفرما وقتل دجاجتها الذهبية."

 

تؤكد المراسلات الدبلوماسية الفرنسية أن الفرنسيين كانوا غير مستعدين تمامًا لهذا القرار، كما كان حال البنك الدولي، الذي اضطر إلى الاعتماد على الصحف للحصول على المعلومات. حتى المسؤولون الموريتانيون الذين حاول البنك الدولي التواصل معهم لم يتمكنوا من تقديم تفاصيل واضحة.

 

6. التعويض لملاك ميفرما

نص التشريع البرلماني الذي صادق على التأميم على تقديم "تعويض" لأصحاب الأسهم، لكنه لم يحدد المبلغ أو طريقة الحساب.

 

في مؤتمر صحفي في أوائل ديسمبر 1974، جدد الرئيس المختار ولد داداه – رحمه الله -  التزامه بسداد ديون ميفرما للبنك الدولي وللحكومة الفرنسية كما أكد التزامه بدفع "تعويضات عادلة" للمساهمين.

 

كان ولد داداه يراهن على الحصول على التمويل من الدول العربية النفطية لسداد ديون ميفرما ودفع أي تعويضات للمساهمين. لكن يبدو أنه فشل في تأمين تعهدات مالية مؤكدة من الدول العربية قبل اتخاذ قرار التأميم.

 

أدى ذلك إلى أزمة مالية كبيرة في ديسمبر 1974، حيث دخلت الحكومة في سباق محموم لجمع الأموال لضمان استمرار تشغيل SNIM علاوة على ذلك، يبدو أن موريتانيا كانت مترددة في طلب تمويل من داعميها العرب لتغطية اتفاق تعويض حتى تستنفد أولًا مواردها الخاصة، بما في ذلك الحسابات المستحقة الدفع المحتجزة من قبل ميفرما في الخارج. كان نقص العملات الأجنبية في موريتانيا عقبة رئيسية في مفاوضات التسوية، حيث عانت الحكومة - وفقًا لمساهمي ميفرما أنفسهم - من "نقص تام في الأموال لدفع تعويض كافٍ".

 

اتخذت شركة ميفرما أول خطوة رسمية لها بإرسال وفد إلى موريتانيا في منتصف ديسمبر للقاء وزير التخطيط والتنمية الصناعية في الحكومة الموريتانية، المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله، "للحصول على قراءة أولية للوضع"، ومع ذلك، لم تبدأ مفاوضات التسوية رسميًا حتى 4 فبراير 1975 في البداية، اعتمد المساهمون على جان أوديبر، المدير العام القديم للشركة، لعرض قضيتهم. كان أوديبر مع ميفرما منذ تأسيسها، وكان على دراية وثيقة بكل من العمليات وكبار المسؤولين في الحكومة الموريتانية.

 

في بداية المحادثات، حذَّر الرئيس المختار ولد داداه شخصيًا أوديبر من أن الشركة ستخسر إذا استندت في مطالبها إلى أساليب تقييم مبالغ فيها. ومع ذلك، لم يشارك الرئيس بفعالية في جلسات التفاوض، حيث كان يرى أن مثل هذا الدور لا يتناسب مع منصبه. وبدلاً من ذلك، كان المرحوم سيدي هو المفاوض الرئيسي من الجانب الموريتاني.

 

سرعان ما غادر أوديبر المشهد أيضًا. ففي مارس، قرر المساهمون استبعاده واستبداله بجيرالد فان لوو من شركة "British Steel". وقد ساعد فان لوو في المفاوضات كل من جي واي إيشينبرغر (نائب رئيس شركة "بيناروا" التابعة لعائلة روتشيلد)، ولويس لاكاي مساعد المدير العام لشركة(COFIMER) ، وبول أوزيلو مساعد مدير ميفرما. وقد فسّرت السفارة الأمريكية في نواكشوط إقالة أوديبر، وبشكل معقول، على أنها "محاولة لإبعاد الفرنسيين عن قيادة المفاوضات". وذلك لتجنب تحمل "العبء" المرتبط بالخلفية الاستعمارية في موريتانيا.

 

كان البريطانيون - الممثلون هنا بفان لوو - "ينظر إليهم بشكل أكثر حيادية من قبل الحكومة الموريتانية"، وقد وصفت السفارة الأمريكية هذه الخطوة بأنها "ذكية"، نظرًا لأن المفاوضات أصبحت "قضية سياسية ساخنة خلف الكواليس في موريتانيا".

 

في حين أن مصلحة المساهمين في نتيجة المفاوضات كانت واضحة إذ كانوا يسعون للحصول على "تعويض عادل ومنصف" إلا أن موقف موريتانيا كان أكثر تعقيدًا. وكما ذكرت السفارة الأمريكية، كانت موريتانيا بحاجة إلى تهدئة "العناصر الناشطة" في السياسة الموريتانية (الشباب الراديكاليين والعمال) الذين طالبوا بسياسات تتماشى مع الدعوات القوية من دول العالم الثالث لإنشاء نظام اقتصادي دولي جديد. ومن ناحية أخرى، كان "كبار المسؤولين في الحكومة الموريتانية يدركون الحاجة إلى الحفاظ على سمعة جيدة مع المجتمع المالي الدولي"، وكان فان لوو "متأكدًا" من أن الرئيس المرحوم المختار ولد داداه لا "يرغب في أن تُصنَّف موريتانيا كدولة غير مسؤولة".

 

وكما هو معتاد في نزاعات المصادرة، لم يكن الخلاف الرئيسي حول ما إذا كان التعويض مستحقًا - إذ اعترفت موريتانيا بذلك عدة مرات - وإنما حول كيفية حساب قيمة التعويض. وكانت هذه المسألة ذات أهمية كبيرة، حيث إن المنهجية المختارة، إذا تم تطبيقها بحسن نية، ستحدد مقدار التعويض الواجب دفعه.

 

تمثلت الاستراتيجية القانونية الرئيسية للمساهمين في تقديم منهجية محاسبية "مبدئية وغير قابلة للنقاش"، والتي عند تطبيقها، ستؤدي بدرجة عالية من اليقين إلى تحديد المبلغ المستحق للمساهمين بشكل موضوعي. وقد فضّل المساهمون استخدام منهجية "الأصول الصافية المعدلة " (actif net comptable)، وهي تقنية لتقييم قيمة المؤسسة من خلال طرح التزاماتها المالية (الخصوم) من أصولها (الموجودات)، بعد تعديل الأصول وفقًا للاستهلاك والتضخم.  وسرعان ما قدمت الشركة التحليل اللازم، الذي خلص إلى رقم قدره 237 مليون دولار أمريكي. وكان ذلك المبلغ هو العرض الأولي للمساهمين لتسوية النزاع.

 

قام المساهمون أيضًا بتنفيذ إجراءات دفاعية تهدف إلى تعزيز موقفهم في المفاوضات. على وجه الخصوص، رفضوا تحويل 20 مليون دولار من حسابات الشركة المستحقة في الخارج إلى شركةSNIM ، لم تتقبل الحكومة الموريتانية هذه الخطوة بشكل جيد، وبدأت في أوائل يناير 1975 باتخاذ إجراءات مضايقة ضد بنك  ميفرما، بنك "البنك الدولي لموريتانيا" (BIMA) شملت تلك الإجراءات رفع دعوى قضائية ضد كل من ميفرما وBIMA في المحكمة الموريتانية بتهم انتهاك قوانين إعادة تحويل العملات إلى موريتانيا.

 

لقد أعقد الهجوم الذي شنته الحكومة الموريتانية على بنك BIMA الوضع بشكل كبير. وكان BIMA مملوكًا للبنك الخاص "البنك الدولي لأفريقيا الغربية" (BIAO)  الذي يقع مقره في باريس، وكان البنك الوطني الأول في نيويورك يمتلك حصة 49% منه.

 

تكمن إحدى المشاكل الفنية في دعوى الحكومة الموريتانية المتعلقة بـ BIMA في أن ميفرما، ككيان، لم يعد موجودًا؛ حيث قامت SNIM بتولي أصول الشركة وديونها وحلّت ميفرما بعد التأميم. من ناحية أخرى، كان من الممكن تمامًا أن تتجاهل محكمة موريتانية هذا العائق القانوني وتفرض غرامة كافية لتعويض معظم أو كل التعويض الذي كان يحق للمساهمين تلقيه.

 

صرحت الحكومة الموريتانية علنًا أن الإجراءات القانونية المحلية ومفاوضات التعويض الخاصة بـميفرما هما "مسألتان مختلفتان تمامًا"، وأن إحداهما لا يجب أن تؤثر على الأخرى. لكن هذا الادعاء لم يكن مقنعًا جدًا، وألقى بظلاله على المحادثات الجارية للتسوية، خاصة بالنظر إلى الإجراءات الهجومية الأخرى التي اتخذتها الحكومة ضد البنك: ففي منتصف يناير 1975، منعت الحكومة الموريتانية بنك BIMA من إجراء أي عمليات مصرفية أجنبية، وفي منتصف فبراير، ردًا على رفض BIAO عرض تسوية، سيطرت الحكومة على الإدارة، وهو ما كان مقدمة محتملة للتأميم الكامل. كما وضعت موريتانيا العديد من مسؤولي BIMA تحت الإقامة الجبرية.

 

مع استمرار الاضطرابات بشأن بنك BIMA في الخلفية، استؤنفت المحادثات بين ميفرما الحكومة الموريتانية في أبريل. ومع ذلك، قال فان لوو إن الموريتانيين كانوا لا يزالون يتبعون سياسة "التقلب بين الجفاء والود". أصر ممثل الحكومة على أن المساهمين كانوا يتجاهلون الضغوط السياسية الداخلية الجادة التي منعت الحكومة من الموافقة على تسوية سخية للغاية، وأن عرض المساهمين الأولي كان "مرتفعًا للغاية". ومع ذلك، لم يكن قد تم اقتراح مبلغ بديل من قبل الحكومة الموريتانية بعد.

 

دخلت الأطراف في جولتها الخامسة من المفاوضات في أوائل مايو، ولكن تم تعليق المحادثات بسرعة ردًا على ما اعتبره المساهمون عرضًا "سخيفًا" و"مهينًا" للتعويض من جانب الحكومة الموريتانية إذ اقترحت موريتانيا دفع 60 مليون دولار على مدى 20 عامًا، بفائدة 4.25%، رغم أنها أشارت أيضًا إلى أنه قد يتم دفع ما يصل إلى 80 مليون دولار. من جانبهم، كان المساهمون الآن مستعدين لقبول 180 مليون دولار أمريكي، مع دفع نصف المبلغ مقدمًا والنصف الآخر على مدى عدة سنوات، مع فائدة. وكانت هناك نقطة أخرى من الخلاف حول كيفية تنفيذ اتفاق التسوية. فقد طالب المساهمون بإدراج بند التحكيم، لكن الموريتانيين قاوموا ذلك.

 

نظرًا للهوة الكبيرة بين الرقمين، رأى فان لوو أنه من الأفضل تعليق المناقشات مؤقتًا لمنح "الطرفين الوقت اللازم لإعادة تقييم الوضع". في هذه الأثناء، فوضت الأطراف محاميين لمتابعة التسوية بشكل غير رسمي في باريس. في تلك المناقشات، تم تمثيل موريتانيا من قبل ليون بواسييه - بالون، المحامي والدبلوماسي السنغالي المعروف الذي كان صديقًا مقربًا من المرحوم ولد داداه. بينما تم تمثيل المساهمين من قبل جان - بول مارتا - لافازيل، المحامي التجاري المقيم في باريس. كان فان لوو يرى أن بواسييه - بالون هو "تاجر خيول ذو خبرة" قد "يتمكن من إدخال لمسة من الواقعية في موقف الحكومة الموريتانية. خلال فترة الهدوء، خطط فان لوو أيضًا لبذل "جهد كبير" للقاء مباشرة مع رئيس البنك الدولي مك نمارا.

 

كما جدد المساهمون تهديدهم باللجوء إلى التحكيم بموجب اتفاقية التأسيس بين الشركة والحكومة الموريتانية إذا فشلت المفاوضات. كان المساهمون قد بدأوا إجراءات التحكيم بالفعل في أواخر ديسمبر 1974، وبحلول منتصف يناير 1975 كانوا قد اختاروا أرماند بيرار، دبلوماسي فرنسي محترف، ليكون عضوًا في هيئة التحكيم المؤلفة من ثلاثة أشخاص. أدى اختيار بيرار إلى التزام موريتانيا بموجب بند التحكيم لتسمية محكمها الخاص، ولكن الحكومة الموريتانية رفضت المضي قدمًا في ذلك. لحسن حظ المساهمين، كان بند التحكيم يحتوي على نص يسمح لنائب رئيس مجلس الدولة الفرنسي بتسمية محكم موريتانيا في حال رفضت موريتانيا ذلك. فقام المساهمون بتفعيل هذا الإجراء الافتراضي في مارس من خلال طلب رسمي إلى برنارد شينو، نائب رئيس المجلس. في 5 مايو 1975، أخبر شينو وزيري التعاون والشؤون الخارجية الفرنسيين باختياره: روبرت باتري، القاضي السويسري المحترم. كان تعيين باتري يعني أن هيئة التحكيم أصبحت أقرب خطوة من التكوين الكامل، وفي يونيو اتفق باتري وبيار على اختيار ستور بيتري، القاضي السويدي في محكمة العدل الدولية، كعضو ثالث في الهيئة.

 

تُركت مهمة إبلاغ موريتانيا بقرار شينو إلى "الحكومة الفرنسية... عبر القنوات الدبلوماسية". وكانت المسألة المطروحة هي ما إذا كان يجب فعلاً القيام بذلك. استشارت وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية (الكي دو أورساي) كلًا من بيرار وشينو، اللذين أوضحا على ما يبدو أن موريتانيا يجب أن تُبلغ رسميًا. تسببت هذه الخطوة في قلق داخل السلك الدبلوماسي الفرنسي. في النهاية أضيفت ملاحظة مكتوبة بخط اليد من قبل السيد شينو على البرقية تتضمن: "لا أرى جدوى من هذه الخطوة في هذه المرحلة من المفاوضات". وقد حرص مدير الشؤون الأفريقية والمالغاشية في وزارة الشؤون الخارجية، بول ريبويول، على التأكيد للسفارة في نواكشوط أن "هذه الصيغة المتبعة في إشعار الحكومة الموريتانية لا تعني على الإطلاق أن الأطراف يجب أن تتخلى عن المفاوضات".

 

في الواقع، لم تكن موريتانيا سعيدًة بذلك. كان اختيار شينو للتحكيم "مزعجًا" إلى حد أن مسؤولي الحكومة الموريتانية كتبوا مباشرة إلى باتري لرفض تعيينه شخصيًا باعتباره "مناورة غير مقبولة"، ووصفوا التحكيم بأنه "هجوم غير شرعي" على "حقوق السيادة" لموريتانيا. كما كان مفاوضو الحكومة الموريتانية يزعمون أن إصرار المساهمين على متابعة التحكيم يظهر "نقصًا مقلقًا في الثقة".

 

ومع ذلك، سواء بسبب تهديد التحكيم أو بسبب عوامل أخرى، كانت حكومة موريتانيا ستشير قريبًا بقوة إلى تغيير في موقفها. في منتصف يونيو، التقى السفير الفرنسي بوزير الخارجية الموريتاني. وأعلن الأخير أن "الوقت قد حان" لكي "تعيد فرنسا وموريتانيا تدفئة علاقاتهما". واقترح الوزير أنه إذا قام رئيس الوزراء الفرنسي بزيارة قصيرة إلى موريتانيا وتناول الغداء معه، فإن "النتائج ستكون ممتازة" من حيث المساعدة في تسوية قضية ميفرما، وهو أمر كان في سياق العلاقات الفرنسية - الموريتانية المستقبلية، "لا أهمية حقيقية له". كما أشار الوزير إلى أن الرئيس المرحوم ولد داداه كان حريصًا على تلقي دعوة لزيارة دولة إلى باريس. وأيضًا، عرض فرصًا للأعمال الفرنسية في موريتانيا. في حين كانت موريتانيا قد حصلت الآن على أموال من دول الخليج (البترو دولار)، لكنها كانت تفتقر إلى القدرة الفنية للاستثمار في العائدات في مشاريع تنموية فعّالة؛ وكانت الشركات الفرنسية تستطيع توفير التخطيط والتنظيم اللازمين.

 

في نفس الوقت تقريبًا (يونيو 1975)، أطلقت حكومة موريتانيا ما وصفته السفارة الأمريكية بأنه "حملة لطمأنة الحكومة الأمريكية بشأن نواياها". التقى وزير الخارجية الموريتاني بالسفير الأمريكي لـ"التعبير عن تقدير حكومة موريتانيا الرسمي لقبول الحكومة الأمريكية الهادئ للتأميم". كما كرر الوزير وعودًا بدفع "تعويض كامل" لمفيرما. كما قدم محافظ البنك المركزي الموريتاني تأكيدات مماثلة للسفير الأمريكي، مشيرًا أيضًا إلى أن حكومة موريتانيا "كانت قلقة من أن سمعتها كمكان جيد للاستثمار الخاص" قد "تتضرر أو تدمر" إذا فشلت المفاوضات في التوصل إلى نتيجة مقبولة. كما أصدر الحزب الحاكم وثيقة تُروج لموريتانيا باعتبارها "فرصة جيدة للاستثمار الأجنبي".

 

استؤنفت المفاوضات في منتصف سبتمبر. استمرت مواقف الأطراف في الاقتراب من بعضها البعض، رغم انزعاج حكومة موريتانيا من تكوين هيئة التحكيم وحقيقة أن المساهمين قد حاولوا إشراك البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

 

لمعالجة صعوبات موريتانيا في العملة الأجنبية، اقترح المساهمون أخذ تعويضاتهم بشكل رئيسي في تسليمات خام الحديد المستقبلية. كما تم التفاوض على العروض النقدية. ادعت حكومة موريتانيا أنها قد توافق على دفع مبلغ مقطوع قدره 80 مليون دولار، وأصر المساهمون الآن على أنهم لا يمكنهم قبول أقل من 120 مليون دولار. ورغم أن مواقف الأطراف ما تزال بعيدة عن بعضها البعض، كان السفير الأمريكي في نواكشوط متفائلًا بأن الأطراف تقترب من اتفاق. في رأيه، كان المساهمون قد "حصلوا على دعم جيد" من خلال بدء التحكيم ومن خلال إبقاء "المنظمات الدولية والإقليمية" (مثل البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) على اطلاع على تعنت حكومة موريتانيا. وكان هاتان التكتيكتان قد ساعدا في الضغط الخارجي على حكومة موريتانيا لتكون أكثر مرونة. علاوة على ذلك، كان المساهمون أنفسهم يزدادون قلقًا من التسوية: كانوا يخشون أن تهدد المفاوضات المطولة عملياتهم في أجزاء أخرى من العالم. كما كانت الحكومة الفرنسية تشجع التسوية من خلال عرض "جزرة كبيرة" على حكومة موريتانيا: فقد وافقت فرنسا على استضافة المرحوم ولد داداه لزيارة دولة في ديسمبر، وكان المساهمون يأملون أن تستخدم الحكومة الفرنسية هذه المناسبة لإجراء "ربط دقيق بين المساعدة الفرنسية الإضافية لموريتانيا... والاتفاق النهائي".

 

التقى الأطراف في الجولة السابعة من المفاوضات في منتصف نوفمبر، وتوصلوا إلى "اتفاق مبدئي" في 19 ديسمبر 1975، بعد الزيارة الرسمية لولد داداه إلى فرنسا. تم تسوية مسألة BIAO/BIMA  في نفس الوقت. تم توقيع الاتفاق النهائي بين حكومة موريتانيا والمساهمين، وكذلك "عقد" مرتبط بين SNIM والمساهمين رسميًا في 28 يناير 1976. وافقت حكومة موريتانيا على دفع 90 مليون دولار للمساهمين، على شكل دفعة مقدمة قدرها 40 مليون دولار، والمبلغ المتبقي 50 مليون دولار على شكل صكوك غير ذات فوائد قابلة للسداد من قبل SNIM على مدى السنوات الخمس التالية.

 

وافق المساهمون على تسليم أي ممتلكات لمجموعة ميفرما (أموال، مستندات فنية، دراسات، وما إلى ذلك) كانت لا تزال في حوزتهم، في حين ستقوم حكومة موريتانيا برد المساهمين عن بعض السلف النقدية التي قدمها المساهمون للشركة قبل التأميم. كما قدمت حكومة موريتانيا تنازلًا عامًا، متخلية عن أي حق قد يكون لديها لمقاضاة المساهمين بسبب انتهاكات مزعومة للقانون الموريتاني.

 

تم تضمين التزام SNIM بدفع الصكوك في "العقد". وكان هذا الالتزام قاطعًا: حتى القوة القاهرة لم تكن تعفي من الدفع. كما وعدت SNIM بتوريد الحد الأدنى من كمية من خام الحديد اتفق المساهمون على شرائها على مدار السنوات الثلاث المقبلة، على أن يتم تحديد السعر من خلال مفاوضات مستقبلية بين SNIM والمشترين المساهمين، ويخصم من المدفوعات المستحقة على الصكوك. كانت التزام المساهمين بالشراء من نوع "خذ أو ادفع"، مع السماح لـ SNIM بحجب الدفع بموجب الصكوك في حال حدوث أي نقص.

 

تضمن الاتفاق بند تحكيم دولي لضمان وفاء الأطراف بالتزاماتها المتبادلة. في الواقع، قامت حكومة موريتانيا بالدفع كما تم الوعد به، وفي عام 1981 أعلن فان لو ممثل المساهمين انتهاء القضية وإغلاق ملف ميفرما بشكل نهائي.

 

7. خاتمة

كان هذا سرد تاريخي لوقائع وأحداث تتعلق بتأميم ميفرما أو "سحب الملكية مقابل التعويض العادل " إن صح التعبير بهدف إضفاء واقعية أكثر حول نظرة الرأي العام الوطني لعلاقة الدول مع الشركات الأجنبية على ضوء تجربة شركة ميفرما. كما يهدف إلى المساهمة في التأسيس لتطوير نظرة مستقبلية تأخذ في عين الاعتبار إشكالية التوازن بين "السيادة المطلقة على الموارد الطبيعية" و"فوائد الشراكة مع رأس المال الأجنبي".

 

المراجع:

- نسخة من اتفاقية التأسيس في الوثيقة AN19830564/5 بين الحكومة الموريتانية وميفرما

- مجموع مذكرات ومراسلات الحكومة الفرنسية حول الموضوع، مجموعة ومحفوظة تحت الرقم: AN20000231/17

- مراسلات الحكومة الأمريكية حول الموضوع، المسربة من طرف موقع ويكيليس، وتحمل الأرقام: 1974NOUAKC A-1, Jan. 17, 1974. -  1974NOUAKC A-29, June 3, 1974 - 1974NOUAKC A65, Dec. 6, 1974. - 1974NOUAKC01857, Nov. 30, 1974  - 1974NOUAKC02022, Dec. 24, 1974. - 1974STATE274411, Dec. 16, 1974. - 1974NOUAKC02027 - 1975NOUAKC00903, May 10, 1975

 

تقارير البنك الدولي المنشورة:

- نسخ من القوانين البرلمانية الموريتانية التي أسست النظام الضريبي لعام 1959 في الوثيقة WB: 1695920  [NEGOTIATIONS VOL. 3].   والوثائق ذات الصلة ضمن مصادر البنك الدولي، في مجموعة أوراق ماكنمارا (المتاحة عبر أرشيف البنك الدولي على الأنترنت)

- التقرير النهائي لمهمة زيارة الموقع لعام 1972، بتاريخ: 25 أغسطس 1972، في الوثيقة WB: 1608159 [CORRESPONDENCE VOL. 1].

- تقرير وتوصيات من رئيس البنك الدولي إلى المديرين التنفيذيين، بتاريخ: 29 فبراير 1960، في الوثيقة WB: 1695923 [NEGOTIATIONS VOL. 6].

- كالمانوف إلى شادينيه (1 نوفمبر 1971)، في الوثيقة WB: 1608169 [CORRESPONDENCE VOL. 1].

- تقرير  PISO-JOO TO FILES، بتاريخ: 12 أبريل 1972، في الوثيقة WB: 1608159 [CORRESPONDENCE VOL. 1].

- دي لا رينود ير، 5 ديسمبر 1974، محفوظة في الوثيقة  WB: 1608160 [CORRESPONDENCE VOL 2]

- فان لو إلى شوفورنييه، 13 مارس 1981، محفوظة في الوثيقة WB: 1608161 [CORRESPONDENCE VOL. 3].

 

مؤلفات ومنشورات:

- تسوية النزاعات بين المستثمرين والدول عند فجر قانون الاستثمار الدولي: فرنسا، موريتانيا، وتأميم عمليات استخراج الحديد التابعة لميفرما ، المجلة الأمريكية للتاريخ القانوني، 2019، المجلد 59، الصفحات 71-110

- فيكتور ماربو، مناجم الحديد في موريتانيا  - MIFERMA، نُشر في 74 Annales de Géographie، الصفحة 191، سنة 1965.

- Pierre Bonte & Brigid Benson، الشركات متعددة الجنسيات والتنمية الوطنية: MIFERMA  وموريتانيا،

2 Review of African Political Economy، الصفحة 89، 102، سنة 1975.

- ميشيل دي لابورد، التطورات الجديدة في إفريقيا الناطقة بالفرنسية، نُشر في 18 Civilisations، الصفحات 299-309، سنة 1968؛