على مدار الساعة

نحو إدارة فعالة لمشاريع البنى التحتية

9 نوفمبر, 2025 - 14:27
المهندس محمد محمود ولد الصيام - مهندس مدني 

تعتبر مشاريع البنى التحتية من أكثر المشاريع تعقيدا من حيث التنسيق الزمني، وتعدد الأطراف، وتشابك المراحل التنفيذية.

 

وغالبا ما تتأخر هذه المشاريع بسبب ضعف التخطيط، أو بطء اتخاذ القرار، أو سوء التنسيق بين المتدخلين وغياب جدول زمني للأشغال عملي وملزم.

 

لذلك، أصبح من الضروري اعتماد منهجية متميزة لإدارة المشاريع تضمن السيطرة على الزمن والتكلفة والجودة في آن واحد.

 

كل مشروع ناجح يبدأ بخطة مدروسة وواقعية.

 

لذلك، يتعين على فريق المشروع إعداد جدول زمني تفصيلي (planning détaillé) يستند إلى تحليل دقيق للمسارات الحرجة (chemin critique)، مع توزيع محكم للموارد البشرية والمادية وفقا للأولويات الفنية ومراحل التنفيذ.

 

ويتم إعداد هذا الجدول باستخدام إحدى تقنيات جدولة الأشغال (Techniques de planification des travaux)  المعتمدة، مثل:

- طريقة المسار الحرج CPM (Critical Path Method): لتحديد تسلسل الأنشطة والأنشطة الحرجة التي تؤثر مباشرة على مدة المشروع.

- أسلوب تقييم ومراجعة البرامج PERT (Program Evaluation and Review Technique): يستخدم في المشاريع التي تتسم بعدم اليقين لتقدير المدد الزمنية المحتملة.

- طريقة خط التوازن LOB (Line of Balance): مناسبة لتخطيط المشاريع المتكررة مثل الأبنية المتماثلة أو الأشغال الخطية.

- مخطط غانت Diagramme de Gantt: أداة بصرية لعرض تسلسل المهام ومددها الزمنية، تسهّل المتابعة والمراقبة اليومية.

 

كما أن إعداد دراسة دقيقة للمخاطر (analyse des risques) قبل بدء التنفيذ يعد أداة أساسية لتوقع العقبات المحتملة ووضع خطط بديلة مسبقا.

 

نجاح إدارة الأشغال يعتمد على وجود نظام متابعة صارم ومباشر.

 

ينبغي أن يقوم مهندسو وفنيو المتابعة بإعداد تقارير يومية وأسبوعية عن نسب التقدم، ومؤشرات الأداء، وحالة التوريدات.

 

استخدام برامج مثل Primavera أو MS Project مع تحديث دوري للبيانات يمكن من مقارنة التقدم الفعلي بالجدول المخطط، واكتشاف الانحرافات الزمنية مبكرًا.

 

تعدد المتدخلين (مقاولون، مكاتب دراسات، مكاتب مراقبة، مصممون، مختبرات، إدارة المشروع، رب العمل..) يتطلب آلية تنسيق فعالة.

 

الاجتماعات الأسبوعية للتتبع، وتبادل الوثائق إلكترونيا، والاعتماد على نظم إدارة الوثائق والمراسلات التقنية GED / E-doc) تساهم في تسريع اتخاذ القرار وتفادي التعارضات الميدانية.

 

فالمشروع قد لا يتأخر بسبب حجم الأعمال، ولكن بتأخر وصول المعلومة!.

 

كثير من المشاريع تتعثر بسبب تأخر التوريدات أو نقص الموارد البشرية في لحظات حرجة.

لذلك يجب أن يتم إعداد خطة توريد دقيقة (plan d'approvisionnement) منذ المراحل الأولى، مع اعتماد مقاربة استباقية في طلب المواد الأساسية والمعدات.

 

كما أن المراقبة الصارمة لاستهلاك الموارد تمنع الهدر وتساهم في الحفاظ على التوازن المالي للمشروع.

 

ضمان الإنجاز في الآجال لا يعني التسريع على حساب الجودة. بل العكس، فإن ضبط الجودة منذ البداية contrôle) de qualité) يقلل من أعمال الإصلاح ويكسب وقتا في المدى الطويل.

 

لذلك يجب أن تكون هناك رقابة ميدانية دائمة من قبل المهندس الرئيسي ومكتب المراقبة، وفق خطط فحص واختبار محددة لكل مرحلة (فحوصات التربة essai de sol , فحوصات الخرسانةEssai sur le béton  فحوصات الحديد Essai sur l'acier , فحوصات مواد البناء Essai sur les matériaux , ) 

 

النجاح في تسليم مشاريع البنى التحتية في الوقت المحدد لا يعتمد فقط على الأنظمة، غير أنه يتوقف أيضا على ثقافة مهنية داخل المؤسسة تقوم على الانضباط، والمسؤولية، والتواصل والتفاعل الإيجابي بين فرق العمل.

 

إنها ثقافة تبنى بالتدريب، والتحفيز، وتوظيف القدرات القيادية.

 

إدارة مشاريع البنى التحتية بنجاح تتطلب تخطيطا استباقيا، متابعة ميدانية دقيقة، تنسيقا فعالا، وثقافة مؤسسية مسؤولة.

 

وحين تتكامل هذه العناصر، يصبح الالتزام بالآجال ليس مجرد هدف، بل ميزة تنافسية، تعكس احترافية الجهة المنفذة، وثقة الجهة المالكة، وجودة الخدمة المقدمة للمجتمع.