تعدّ مهنة المحاماة إحدى الدعائم الراسخة لدولة القانون، وإحدى القلاع المتقدّمة لحماية الحقوق والحريات وصون المشروعية، ولأجل ذلك أحاطها المشرّع بسياج من الضوابط والإجراءات المحكمة، ضمانا لأداء رسالتها النبيلة ولنزاهة استحقاقاتها الداخلية وصيانة لهيبتها ومكانتها الاعتبارية.
وفي هذا السياق جاءت النصوص المنظمة لانتخابات الهيئة الوطنية للمحامين محدِّدة بدقة آجال الإعلان، وشروط الترشح، وأحكام الحملة الانتخابية، بما يقطع الطريق على كل محاولة لجرّ الهيئة إلى أجواء انتخابية سابقة لأوانها.
فقد نصت المادة 64 من القانون المنظم لمهنة المحاماة على أن الإعلان عن تاريخ الانتخابات يجب أن يتم قبل أربعة أشهر من نهاية مدة المأمورية، وهذا المقتضى الصريح يرمي إلى حماية الشرعية المهنية من أي ارتجال أو تجاوز، لكون ضبط المواعيد صمام أمان لبناء الثقة وضمان سير العملية الانتخابية في إطار من الشرعية والانضباط.
أما المادة 71 من نفس القانون فقد رسمت، بصرامة لا لبس فيها، مسطرة الترشح لمنصب النقيب وعضوية المجلس؛ بدءً من نشر اللائحة الانتخابية، ومرورا بإيداع طلب الترشح بخطاب مكتوب قبل خمسة وأربعين (45) يوما على الأقل من تاريخ الاقتراع، وانتهاءً ببتّ المجلس في الطلبات داخل أجل لا يتجاوز سبعة أيام، كما أوجبت المادة ذاتها إعلان قائمة المترشحين واحدا وعشرين (21) يوما قبل موعد الانتخابات. وهذه الآجال دقيقة تُحرّم، كل إعلان مسبق عن النية في الترشح، أو مباشرة أي حملة خارج الإطار الزمني الذي رسمه القانون.
وجاء النظام الداخلي، في مادته 73، ليعزّز هذا النهج، مؤكّدا أن الحملة الانتخابية حق مشروع لكل مترشح، غير أن ممارستها لا تكون إلا داخل المدة القانونية وبأساليب تصون كرامة المهنة وشرف المنافسة.
إن هذه المقتضيات تشكل ضمانات أساسية لحسن سير العملية الانتخابية، ولتكريس تكافؤ الفرص بين المترشحين، ولحماية الهيئة من العبث أو الاستغلال.
ومن هذا المنطلق، فإن الإعلان المبكر للترشح ومباشرة الحملة قبل أوانها يشكّل خرقا فاضحا للقانون، وانحرافا عن المسار الذي رسمته الهيئة لنفسها بعناية.
وتتعاظم خطورة هذا السلوك حين يصدر عن النقيب الحالي القائم على شؤون الهيئة، الذي يُفترض فيه أن يكون أول الحريصين على احترام النصوص، لا أول المتجاوزين لها.
وفي هذا الصدد على مجلس الهيئة، باعتباره الجهة الساهرة على حماية مصالح المحامين وعلى نزاهة المسار الانتخابي، أن ينهض بمسؤوليته كاملة، وأن يفرض احترام الآجال القانونية، ويمنع كل محاولة لاستباق المواعيد أو فتح الباب لحملات غير مشروعة، لأن التراخي في هذا الجانب يطعن في شرعية الانتخابات، ويشوّه الوجه الأخلاقي للمهنة أمام منتسبيها والرأي العام.
إن صون هيبة المهنة، وترسيخ ثقة منتسبيها، إنما يتحققان بالالتزام الدقيق بالنصوص، وضمان أن تجري الاستحقاقات القادمة في سياقها الطبيعي، وفي ظل الضوابط التي وضعها المشرّع بوعي ومسؤولية، ولا تستقيم أوضاع الهيئة إلا إذا خضع الجميع لسلطان القانون، دون تمييز أو استثناء.

.gif)
.gif)













.png)