في مساء يوم جوه معتدلا، كنت أجلس خلف صاحب الفخامة، أتابع بِترقب وانتباهِ المُلاحظِ المهتم، فعاليات وضع الحجر الأساس لأول معلمة حضارية في بلدنا العزيز، من طرف السيد الرئيس محمد الشيخ الغزواني، وكنت مُنشغل البال، وشديد الترقب لأستمع لنوع الخطاب الذي سيتم إلقائه للإفصاح به عن المعلمة موضوع الحفل المقام، ليس لأنها منجز من المنجزات التاريخية والحضارية الكبرى فحسب، بل ولعلها الشاهد الأول في تاريخ البلد على عظمة أهل هذه الأرض في غابر أيامهم وفي حاضرها.
وقد تجلت تلك العظمة في أنهم تركوا الذاكرة الوطنية حية نشطة، مُستحضرة قِيمَ الحضور التاريخي، والفعل الحضاري، كما كانوا به مُتميِزين، ومُمَيزين.
وها هي اللحظة، تؤكد تلك العظمة، وتكشف عن إرادة الاقتدار، لهذا البلد وأهله.
كنت أترقب سماع خطاب على قدر عظمة هذه المعلمة، وهذا السرح التاريخي، مشروع البناء، الذي يختزل ذكري مجد تليد ينبعث الآن، بعد سبات طويل كاد يقطع خيط الوصل بين أجيال هذه الأمة.
هذا الخطاب الذي كنت أترقبه، وأتوقع أن يعانق في قوته ومتانة سبكه، قوة ومتانة سبك المعلمة المُفصح عنها، عبرت عنه رئيسة جهة نواكشوط، السيدة فاطمة عبد المالك، صاحبة الفكرة والممول الأكبر لمعلمة نصب الأمة، حين قالت مخاطبة صاحب الفخامة "إن نصب الأمة الذي تضعون اليوم حَجَره الأساس، يشكل حافظة للذاكرة المجتمعية المشتركة، ورمزا للموروث الثقافي والتاريخي لشعبنا العريق، فضلا عن صيانته لتراثه التليد، وتجسيد التزامكم بجعل نواكشوط واجهةً تليق بالبلد، مُشرَإبَّةَ العنق للمستقبل، راسخةَ القدمين في عَبقِ التاريخ وعَرَاقَتِه، تجمع بين الحداثة في البناء، والعدالة في التوزيع".
ولم تكتف رئيسة جهة نواكشوط، في خطابها الرائع، بإبراز البعد الرمزي القيمي التاريخي الحضاري للمعلمة، بل أبرزت طبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد، وما حباها الله به من حكم رشيد، يتقن التفكير ويحسن التدبير، ويجعل من العدالة العنوان الأبرز لتوزيع الرزق على مواطنيه، مُبينة في الآن نفسه، المكانة الوظيفية لهذه المعلمة حين قالت: "وها نحن اليوم نحتفي ببداية مرحلة جديدة، عنوانها الإنصاف، وروحها المشاركة وغايتها الوطن، مرحلة يسهم فيها كل فرد، ويجني ثمارها الجميع، في مدينة تعيش على وَقعِ التنمية، ونبضِ الأملِ وإيقاعِ التطور".
ولتعميق الصلة بين ماضي البلاد وحاضرها، والتنوير بقيمة المعلمة المنجزة، في التنمية والتحديث والعصرنة، تضيف صاحبة الجهة مخاطبة السيد الرئيس "نمضي معكم في طريق البناء، حتى تكتمل الصورة التي رسمتموها للوطن، ولشعبنا الأبي، نسير على درب رؤيتكم الشمولية، التي تحارب الإقصاء، عبر الدمج، والتهميش عبر المشاركة، والغبن عبر الإنصاف، ومكامن الهشاشة عبر تحبيك وتضييق عُقد النسيج الاجتماعي، وتعزيز الروابط بين مختلف مكونات أرض الرجال.. أرض المنارة والرباط.. أرض العلماء والفقهاء..".
وبهذه العبارات الجميلة والعميقة، ختمت السيدة الفاضلة، رئيسة جهة نواكشوط، خطابها، وكان خطابا غاية في الروعة والدقة، والمصداقية، لأنه ببساطة أفصح عن فعل حضاري، شموخه يترائى للناس قبل أن يُشيد، سيذكر التاريخ، أن سيدة رفيعة القدر والطموح، بإنجازها معلمة نصب الأمة، قد عانقت بمسؤولية عالية وبحضور متميز، طموح رجل، لم ينجح في إدارة شؤون بلده بحكمة ورؤية ثاقبة فحسب، بل نجح في استنزاع احترام وتقدير شعبه، واستطاع أن يلهم طاقمه الإحساس بالمسؤولية، والتفاني في خدمة الشعب، وما تماهي ومواكبة، رئيسة جهة نواكشوط، لطموحه، بمساهماتها المتميزة في تحريك عجلة التنمية والسعي لتحقيق رفاه المواطنين، إلا دليلا دامغا على جدارة صاحب الفخامة بالقيادة الحكيمة وتميزه كمصدر إلهام لشعبه .

.gif)
.gif)













.png)