يُقال إن القرار الجيد إذا اتُّخذ في وقت سيئ يصبح قرارا سيئا، والقرار السيئ إذا اتُّخذ في وقت جيد قد يبدو مقبولا. الكارثة الحقيقية تحدث عندما يكون القرار سيئا، واتخذ أيضا في وقت سيئ. هذا تماما هو ما حدث مع توقيف رئيس منظمة الشفافية الشاملة، محمد ولد غدة، في وقت متأخر من الليلة البارحة.
لماذا كان التوقيت سيئا إلى هذا الحد؟
أولا: التوقيف ليلا لا يكون عادة إلا للمجرمين الخطرين أو من يُخشى هروبهم، وولد غدة ليس واحدا من أولئك؛
ثانيا: التوقيف جاء قبل ساعات من زيارة فخامة الرئيس لكيفه، حيث وضع حجر الأساس لمشروع مياه ضخم سيروي عطش 92 مدينة وقرية، لكن هذا الحدث المهم غاب بشكل شبه كلي عن مواقع التواصل الاجتماعي بسبب التوقيت السيء لتوقيف ولد غدة؛
ثالثا: التوقيت تزامن مع بعض الأنشطة المخلدة لليوم العالمي لمحاربة الفساد، وتزامن كذلك مع ظهور رئيس السلطة الوطنية لمكافحة الفساد لأول مرة في أنشطة رسمية، ومن مهام السلطة التي تعتبر أهم مؤسسة لمحاربة الفساد يطلقها الرئيس حماية المبلِّغين لا ترهيبهم؛
رابعا: جاء بعد خطابات قوية للرئيس أكد فيها أنه لا تراجع عن محاربة الفساد؛
خامسا: جاء في لحظة نادرة بدأ فيها بعض المعارضين الإشادة بخطابات الرئيس حول الفساد ودعوته إلى اتباع تلك الخطابات بأفعال تؤكدها.
ومما يزيد من مساوئ التوقيت أن ولد غدة نفسه كان يقول علنا إنه يريد التوقيف ليُعيد الملف إلى الواجهة، وقد نجح بالفعل في ذلك بسبب سوء اختيار التوقيت لإيقافه.
ربما لا يعلم الكثير منكم أن ولد غدة سبق أن رفض الخروج من السجن في العهد السابق لأنه طُلب منه توقيع وثيقة مقابل الإفراج، بل واعتبر أن أي توقيع بالنيابة عنه لا يلزمه بشيء عندما جاؤوا بقريب له ليوقع بدلا منه (الصورة في يوم خروجه من السجن بعد عام كامل.. العام 2018).
الخلاصة ببساطة: لا أعتقد أن هناك توقيتا أسوأ من الليلة البارحة لتوقيف ولد غدة.
وإذا كان لا بد من توقيف ولد غدة، ألم يكن من الأنسب انتظار صبيحة يوم الاثنين؟
بكلمة واحدة: إن من اتخذ هذا القرار في مثل هذا التوقيت قد أضر كثيرا بفخامة الرئيس، وخدم معارضيه.

.gif)
.gif)













.png)