منذ أن أعلن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) عن تحديد موعد مؤتمره الثالث أيام 22 – 23 - 24 دجمبر 2017، وتناقل الناس خبر ترك الرئيس محمد جميل منصور لرئاسة الحزب بعد إكمال مأموريته الثانية، منذ ذلك الوقت والرأي العام الوطني يخوض في نقاش خليفة الرئيس جميل، وسالَ حبرٌ كثيرٌ في محاولة الإجابة على السؤال: من هو الرئيس القادم لحزب (تواصل)؟
اليوم أدعو الرأي العام إلى طرح و نقاش سؤال أكبر وأهم: من هو القائد الفعلي لحزب (تواصل)؟
من الذي يحرك الحزب ويحدد مواقفه ويرسم سياساته ويحسم خياراته؟
الهيئات فوق الأفراد
وقبل أن أقدم الإجابة على هذه التساؤلات أستعرض أمام القراء القصة التالية:
في يوم السبت 03 – 06 - 2017 اجتمع المكتب السياسي لحزب (تواصل) لنقاش موقف الحزب من الاستفتاء على تغيير الدستور، وبعد نقاش طويل حسم المكتب قراره بعدم مشاركة الحزب في ذلك الاستفتاء مع حرصه على انسجام المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وكلف المكتب رئيس الحزب محمد جميل منصور بنقل موقف الحزب لأحزاب المنتدى ومحاولة إقناعهم به، وقرر المكتب أنه في حالة عدم توافق مكونات المنتدى على خيار المقاطعة فإن الرئيس محمد جميل غير مفوض في تغيير موقف الحزب بل عليه العودة للمكتب السياسي ليجتمع من جديد ويناقش الموضوع ويتخذ فيه قرارا.
بالنسبة للملمين بواقع حزب (تواصل) فإنه لا جديد في القصة، لكن لا شك أنها تصدم من تعود على مشاهدة أحزاب الرجل الواحد والقائد الملهم الذي لا يجرؤ معاونوه على الاقتراح له أحرى مخالفته.
إنها يا سادة مؤسسية (تواصل) التي جعلت منه صرح ديمقراطية يتراجع فيه دور الفرد لصالح الجماعة ويتم التخلي عن المواقف الشخصية امتثالا لنتائج الشورى، تلك المؤسسية هي التي عبرت بتواصل منعطفات سياسية حاسمة خرج منها منسجما يلتف قادته ونشطاؤه حول قراراته الشورية بعد أن عبروا عن قناعاتهم الشخصية ودافعوا عنها في الأطر الحزبية.
لحزب (تواصل) هيئات تتوزع الأدوار والصلاحيات وتتكامل في إدارة الحزب وتوجيه سياساته بكل شفافية.
فله لجنة تنفيذية من 21 عضوا يتوزع أعضاؤها الملفات المختلفة التي يشملها عمل الحزب، وتجتمع اللجنة التنيفذية أسبوعيا، ومن مهامها متابعة الساحة السياسية الوطنية والدولية وإصدار البيانات في الأمور المستجدة بالإضافة إلى الإشراف والمتابعة الدائمة لعمل الحزب ومتطلبات تنفيذ الخطط والبرامج.
كما أن لحزب (تواصل) هيئة تسمى المكتب السياسي تضم 60 عضوا يفترض أن توجد بينهم مختلف التخصصات والكفاءات، ومن مهام هذه الهيئة تنفيذ خيارات وتوجهات الحزب واتخاذ المواقف السياسية.
أما مجلس الشورى فهو الهيئة الرقابية والتشريعية في الحزب ويسهر على مراقبة ومتابعة تطبيق مقررات وتوصيات المؤتمر.
فهذه الهيئات إذن هي من يقود الحزب ويسيره من خلال تطبيق النصوص الناظمة للحزب من نظام أساسي ونظام داخلي ولوائح داخلية.
وثائق باقية..
وبنفس الطريقة التي يتساءل بها الجمهورعن خليفة الرئيس محمد جميل منصور فإن البعض يتساءل هل سيتمسك (تواصل) بمواقفه من قضايا الاسترقاق والوحدة الوطنية بعد مغادرة ولد منصور للرئاسة؟
وللإجابة الشافية على هذا السؤال أريد إطلاع القارئ الكريم على بعض الوثائق المرجعية التي أصدرها حزب (تواصل) حول هذه القضايا فحسم من خلالها موقفه ومنهجه في التعامل معها وبات يدعو له المجتمع الموريتاني ككل فكيف له أن ينكص عنه بعد ذلك.
في السابع عشر من دجمبر 2014 صادق المكتب السياسي لحزب "تواصل" على وثيقة تسمى رؤية "تواصل" للوحدة الوطنية واستهلها بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه".
وبعد بسط لجملة من المنطلقات والمعالم خلصت الرؤية إلى تصور عملي يقوم على عدد من الأولويات من بينها:
- إحياء القيم والتعاليم الإسلامية القائمة على معيارية التقوى والمساواة بين الناس ونشر الخطاب الإسلامي الصحيح المحقق لهذه المعاني.
- إحياء الآداب الإسلامية من أداء حقوق الأخوة والتكافل والإحسان والصفح وإفشاء السلام ومساعدة المحتاجين والمسارعة إلى الإصلاح بين الناس.
- إطلاق مشروع المصالحة الوطنية القائم على الحوار الشامل والقاصد نتائج تجبر الماضي جبراً حقيقياً وتفتح الآفاق أمام إعادة بناء الدولة والعقد الوطني بناء صحيحاً.
المكتب السياسي ذاته صادق على رؤية مماثلة حول الرق ومخلفاته تم إعدادها خلال مؤتمر كبير دعا له الحزب 150 شخصية من قيادات وكوادر الحزب من اهتمامات واختصاصات مختلفة، وبعد نقاشات موسعة لجميع جوانب الموضوع تم وضع رؤية قائمة على الأسس والمرتكزات التالية:
- التأسيس ابتداء على الرؤية الإسلامية الرافضة لاستعباد الناس بغير وجه حق.
- العمل موازاة مع النقطة السابقة على التهيئة التربوية والنفسية لتجاوز الممارسة عبر تعضيد اللحمة الوطنية ونشر ثقافة التسامح والمحبة والأخوة الإسلامية بين كافة مكونات شعبنا بعيداً عن الدعايات العصبية والعنصرية والدعوات الانتقامية مع الرفض التام لمساعي تدويل المشكل وحرفه عن مسار تسويته داخلياً.
- تفعيل الآليات التشريعية والقضائية لمحاربة كل مظاهر "الاسترقاق".
- اعتبار محاربة بقايا الرق والقضاء على مخلفاته مسؤولية الجميع وليس الضحايا فحسب.
هكذا إذن وثَق حزب "تواصل" مواقفه من القضايا الكبرى فلم تعد مرتبطة بأشخاص لتغيب بتغيبهم.
ورغم أن قناعتي الشخصية هي أن للرجل المبارك الرئيس محمد جميل منصور قصب السبق في العديد من هذه المواقف ولجهوده الأثر الكبير في بناء الحزب على أسس قوية وتمحيص مواقفه ورؤاه من الإشكالات المطروحة، إلا أنني أجزم بأن هذه المواقف باتت قناعة لدى كل الفاعلين في الحزب وجزءا من وثائقه المرجعية وبالتالي لن تتأثر بمغادرة الرئيس محمد جميل منصور للرئاسة.
وتأسيسا على ما سبق لا خوف على الحزب من مغادرة رئيس قاده عقدا من الزمن فأحسن القيادة وأدى الأمانة، وفي إخوانه كثر مؤهلون لحمل اللواء وإكمال المسيرة.