حزب تواصل مشروع سياسي، ومدرسة فكرية، حديث النشأة ترخيصا وممارسة سياسية مؤسسية، قديم أصيل متجذر في وجدان الأمة، متشبث بثوابتها وممثل لتطلعاتها.
عشر سنوات من التجربة المؤسسية والمسار السياسي أبانت عن قدرة تواصل على السير المنتظم، والمزاوجة الموفقة بين متطلبات القانون والتعاطي مع الدولة، مع جرأة في النقد وقدرة على تبيان الاختلالات والتجاوزات التي تطبع تسيير الشأن العام الوطني، وبين مقتضيات المبدئية والتشبث بثوابت وأصول العمل السياسي النظيف، مع قدرة فائقة على السير المطرد والمنساب وفق متطلبات الاجتهاد السياسي ومقتضيات المراحل.
لقد قررنا في تواصل، ومن أول يوم، أن تكون تجربتنا السياسية محكومة بمقاربات فكرية، قانونية، مؤسسية، واقعية- رغم عدم استحضار البعض منا، وتشكيك الآخر من غيرنا -أحيانا- وفي بعض المحطات، وهي المقاربات التي سارت عليها تجربتنا التواصلية خلال العشرية المنصرمة.
فكريا، حرص الحزب على المساهمة في تجسيد المرجعية الإسلامية في ممارسته السياسية، فرسخ الوسطية وقلل من خطر الغلو والتطرف، رؤيته واضحة وأحكامه مؤسسة، لا ينجر بالعواطف، ولا يقتاد بالحمية، لم يرض بالمشاركة في تدجين الإسلام وإخضاع أحكامه لمناصرة الظلم والطغيان، ولم يقبل الرؤية المجنحة المحسوبة على الإسلام، والتي تسير بالأوطان نحو الهاوية قتلا ودمارا وتكفيرا، واختط مسارا وسطيا يرفض الميوعة ويجافي التطرف، يعزز الأخوة ويقوي الوحدة ويحفظ الوطن.
استطاع الحزب في هاته الفترة أن يوري النظام وأعوانه، والمعارضة وأنصارها أن الديمقراطية في نظره خيارا استراتيجيا، فحارب الانقلابات ببسالة، ورفض التعاون مع المنقلبين- رغم إتاحة ذلك بسهولة- وتداول مع إخوانه المناصب القيادية في المعارضة، وتحالف مع مختلف الأطراف وشارك وقاطع، واضعا كل موقف في سياقه ومقامه، وظل دائما مكونا رئيسا في المشهد الديمقراطي المؤسسي، فكانت تجربته مثرية وأداء منتخبيه متميزا، فشكل إضافة نوعية للمؤسسات الانتخابية والسياسية.
برهن تواصل في كل هذه الفترة على حدبه على الوطن وغيرته على سمعته وتقدمه ورقيه، يرفض النيل منه والمساس بهيبته أو سمعته أو مكتسباته، يواجه أعداءه ويرد على المنتقصين منه، فلا مساومة عند تواصل في حماية الوطن والدفاع عنه بالغالي والنفيس، ومن أجل الوطن يرفض تواصل الظلم وينتقد أهله ويقف في وجه الاستبداد والأحادية والفساد، ويدين المساس بالمقدسات وإثارة النعرات.
قانونيا، يعتبر تواصل طرفا في عقد مع الدولة، يلتزم بموجبه بالقوانين، يتعاطى مع المؤسسات، يحترم القضاء، ويقدر القوات المسلحة وقوات الأمن، ويتيح له ما شاء من نقد وتوجيه ورفض ووقوف في وجه النظام ومعارضته، فليست له مندوحة يسير وفقها خارج هذه المقاربة القانونية، وهي المقاربة التي تمكنه من المشاركة الفاعلة في صياغة الهم الوطني، والمشاركة في الفعل السياسي، وهي المقاربة التي تسمح له بتسيير الأنشطة، وعقد المؤتمرات والانتشار في البلاد طولا وعرضا، ولهذه المقاربة مزايا عديدة يصعب في غيابها إنضاج عمل سياسي مؤثر وفعال، ولها إكراهات وثمن لا بد من الانصياع لدفعه وتحمل تبعاته، خصوصا على المستوى العاطفي، وتواصل - كحزب- لا غرابة إن أخضع عمله و مواقفه للترشيد القانوني وفق مقتضيات المشروعية.
مؤسسيا، من التحديات الكبرى التي وضع تواصل نصب عينيه الالتزام بالقانون الحزبي وتعميق تجربة المؤسسات، وتطلعها بدورها وممارستها لصلاحياتها ، بكل أريحية ومسؤولية، وهو ما خطا فيه تواصل خطوات معتبرة، رغم بعض المنغصات المتعلقة بالثقافة والكفاءة والجاهزية.
من مظاهر المؤسسية أن تعمل الهيئات وفق القانون ( النظام الأساسي والداخلي، واللوائح المكملة)، وقد كانت كذلك في تواصل خلال هذه المدة، حيث كان من أبرز تجليات ذلك:
ـ دعوة الهيئات وفق الإطار القانوني الزمني المحدد لذلك قانونا، فكل هيئة في تواصل تجتمع بطريقة منتظمة دورية، فلا تعطيل، ولا تهميش، وكل هيئة تدعى من طرف الجهة المختصة قانونا.
ـ دعوة كل هيئة للتداول حول جدول زمني محدد، ومعد من طرف الجهة المعنية، وفي إطار الاختصاص الحصري لتلك الهيئة.
ـ الالتزام بالشروط القانونية لصحة الجلسات، من حيث حصول النصاب في المرة الأولى، أو الدعوة لجلسة ثانية، والتمسك بالآليات القانونية لاتخاذ القرارات، بالإجماع- وهو النادر- أو بالتصويت وهو الغالب، بعد إتاحة الفرصة بشكل حر ومريح لكل عضو للإدلاء برأيه وتقديم مقارباته ومرافعاته.
من مؤشرات نضج المؤسسات، وقدرتها على الاستمرارية تشبثها بقوانينها، وإخضاعها جميع ممارساتها وأعمالها للمشروعية الحزبية، فالقانون هو الفيصل، وهو الحكم في كل المؤسسات القوية، والجميع يخضع لسلطانه وأحكامه، بحيث يرضى به القائد المناضل المؤسس، ويستجيب لأحكامه طواعية، ويقبله المنتسب الحدث، فالكل أمامه سواء، والكل خاضع لأحكامه.
وفق هذه الرؤية القانونية حاولت قيادة تواصل أن تسير الحزب، رغم صعوبة الأمر وعدم تفهم البعض له داخليا وخارجيا، أو عدم تقبله، بحيث يشكك في الهيئات وقدرتها، والأعضاء وكفاءتهم، ويعتبر أن المواقف تنسج في الخفاء وتطبخ في الكواليس، جازما بهشاشة المؤسسات، وصورية الالتزام بالقانون.
والواقع أنني بحكم الممارس المتابع لم ألاحظ إلا إرادة تستحث الهيئات على القيام بالواجب وممارسة الاختصاص القانوني، وتستنهض الأعضاء على تحمل المسؤولية، ويبقى الأعضاء بعد ذلك متفاوتين في القدرة والتحليل والمسؤولية والقيام بالواجب.
لا أحد ينكر قوة بعض الأعضاء، وتأثير بعض القيادات والمجموعات في كل مؤسسة مهما كانت مثاليتها، وفي تواصل قد يوجد شيء من ذلك، رغم الضمور والمحدودية، لكنه – في النهاية إن وجد- يبقى الأفضل من هذه القيادات، وتلك المجموعات هو من يمارس تأثيره وقوته من خلال الهيئات، بمرافعاته أو حججه أو قوة إقناعه، دون السعي لذلك من خلال التأثير على الأفراد ونسج العلاقات الخاصة، أو من خلال مجموعات أو لوبيات خارج المؤسسات.
رغم كل الهنات ورغم كل المعوقات، فإن جميع المواقف والقرارات التواصلية تصدر وفق مقاربة مؤسسية، تتخذ من القانون مرجعية، ومن العمل الجماعي وسيلة، ومن جلب الصالح ودرء المفاسد مستندا، خالية من الأهواء والخلفيات الشخصية والمقاربات الذاتية " ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها".
واقعيا، تفرض مقتضيات الواقع، وقوة تأثير القوى المؤثرة فيه، أن يكون أي موقف سياسي ناضج مستندا لمقاربات تحليلية استشرافية للواقع بمختلف تمفصلاته ومكوناته، ما لدى السلطة والمعارضة من أوراق، وما يملكان من قوة ، وما لدى الحزب ذاتيا من أوراق، وما يعانيه من ضعف على المستويين السياسي والمؤسسي، دون أن ننسى أهمية ودور المجتمع في المقاربات السياسية والإصلاحية، ومدى إمكانية التعويل عليه في كل مراحل الفعل السياسي.
بعد القراءة المتأنية العقلانية للواقع وتحديد خارطة مراكز القوة ومكامن الضعف، وانسجاما مع المقاربات السالفة، يعقد تواصل العزم ويتخذ الموقف المناسب لتحليله وقراءته.
سعى تواصل خلال كل هذه الفترة أن تكون مواقفه ثمرة ونتاجا لكل هذه المقاربات، فمراعاة المبادئ هو الذي يضفي على الموقف النصاعة والثبات والإقناع، والاستجابة لمقتضيات المشروعية الخارجية " الالتزام بقوانين البلد" والمشروعية الداخلية "الالتزام بقوانين الحزب" يحصن الموقف، ويؤمنه في مواجهة كل التحديات، بينما يمد التحليل السليم للواقع الموقف بالنجاعة والمردودية، كما يؤسس لمستقبل واعد من خلال الاستشراف المؤسس، والقراءة الموضوعية لتأثير الأحداث مستقبلا.
يبقى في النهاية الموقف العقلاني هو الذي يحسن استثمار هذه المعطيات، ويستمد قوته من حسن التعاطي معها مجتمعة، وأي اختلال في واحدة من هذه المقاربات حتما يربك الموقف ويؤثر عليه، وهو ما حاول الحزب تجسيده في مواقفه ورؤاه.
لكنه الاجتهاد في النهاية، وحسبنا أن نفرغ الجهد والوسع.