مرت مائة يوم على اختطاف السيناتور محمد ولد غدة، والذي كان قد تم اختطافه ليلا من منزله وهو لا يزال يتمتع ـ نظريا ـ بالحصانة البرلمانية حتى لدى النظام الحاكم، وهي الحصانة التي سيتم إسقاطها فيما بعد عن كل أعضاء مجلس الشيوخ من خلال الدعوة إلى استفتاء غير دستوري شهد عمليات تزوير واسعة.
تم اختطاف السيناتور ليلا من منزله، وتمت إحالته إلى السجن في فجر يوم عيد الأضحى المبارك وكان يوم جمعة، وتم من بعد ذلك جلبه إلى المحكمة مقيد اليدين بالحديد في تجاوز سافر للقانون والأخلاق، وعلى الرغم من كل ذلك فلم تطلع شمس المعارضة من مغربها، وظل الكل يتفرج، وكأنه لا حق انتهك، ولا كرامة أهينت.
لا شيء حدث لوقف هذه الاعتداءات الخطيرة، ولا ردة فعل تذكر تم تسجيلها ضد عملية تجريد برلماني من حصانته، ولذلك فلم يكن غريبا أن نستيقظ بعد مائة يوم على تجريد هذا السيناتور من حصانته البرلمانية، على فيديو يوثق عملية تجريد أخرى، كانت أكثر وقاحة وأكثر بشاعة، وتتعلق هذه المرة بتجريد شاب من ثيابه قطعة قطعة، وتركه على شارع عام عاريا تماما، وكما ولدته أمه.
لم تكن هذه هي عملية التجريد الوحيدة من الثياب التي تمت في يوم جمعة الغضب (10 نوفمبر 2017)، لقد كانت هناك على الأقل ثلاثة عمليات أخرى تم توثيقها، أو تم تأكيد حصولها من طرف شهود عيان. فبالإضافة إلى هذا الشاب،
فقد كان هناك شيخ تعرض لعملية تجريد من الثياب في نفس المنطقة، وكان هناك شاب آخر تم تجريده من الثياب قرب الجامع السعودي.
الآن يمكنكم أن تواصلوا تفرجكم، ويمكنكم أن تنشغلوا بالتسريبات الجديدة التي ستنشرها جهات أمنية لإشغالكم عن عمليات التجريد من الثياب، ولكن عليكم ـ وفي كل الأحوال ـ أن تعلموا بأن خطة النظام ستنجح إذا لم تفرضوا محاسبة الجناة، فمثل هذه الفيديوهات سيرعب كل من سيفكر مستقبلا في التظاهر، وستجعله يتردد كثيرا من قبل أن يقرر الخروج في أي تظاهرة، وذلك حتى لا يجد نفسه على شارع عام عاريا تماما، وكما ولدته أمه.
وفي انتظار أن نعرف كيف ستكون ردود الأفعال على عمليات التجريد من الثياب، وهل ستكون ردود الأفعال باهتة وخجولة كردود الأفعال على عمليات التجريد من الحصانة البرلمانية، أم أنها ستكون على مستوى الحدث، في انتظار أن نعرف طبيعة ردود الأفعال تلك، فلا بأس من التوقف هنا مع جملة من الملاحظات المرتبطة بهذا الفيديو الذي تم نشره لأول مرة يوم السبت 18 نوفمبر، وهو اليوم الذي يصادف مرور مائة يوم على اختطاف السيناتور محمد ولد غدة.
الملاحظة الأولى:
لم يتسرع أولئك الذين حصلوا على الفيديو في نشره، بل تأخروا لأسبوع كامل، وكان أول من نشره هو المدون الشاب حمزة الفيلالي، ولم ينشره إلا بعد أن قام بعدة اتصالات خارج موريتانيا وداخلها للتأكد من عدم فبركة الفيديو، كما طلب من بعض أصدقائه أن يصوروا له الشارع الذي وقعت فيه الحادثة، وقد أظهر بذلك بأن المصداقية لم تكن بالنسبة له أقل أهمية من السبق الصحفي والتدويني.
الملاحظة الثانية:
بعد نشر الفيديو قام المدونون بجهد جبار لإثبات أو لنفي صحته، وكان كلما جاء طرف بحجة جاء الطرف الآخر بحجة منافية، وظل الحال كذلك في الساعات الأولى، وكانت حرب المدونين المحققين خلال هذه الساعات سجالا. ولكن وبعد مرور ساعات على هذه الحرب الشرسة بدأت الكفة تميل لصالح الطرف الذي يقول بصحة الفيديو، وبدأت الانسحابات تتوالى من الطرف الآخر.
حاول بعض مدوني الطرف الخاسر أن يثبت فبركة الفيديو بالقول بأن هذا النوع من الجرائم لا يمكن أن يحدث في موريتانيا لوحشيته ولفظاعته. إن القائلين بهذه الحجة سيجدون أنفسهم في حرج شديد بعد أن تم إثبات صحة الفيديو، فهل سيواصلون القول بوحشية وفظاعة هذه الجريمة؟ وهل ستكون ردود أفعالهم تتناسب مع مستوى الوحشية والفظاعة الممارس في هذه الجريمة البشعة؟
الملاحظة الثالثة:
على الرغم من أننا كنا قد تعودنا من قوات الأمن أن تتعامل بفظاعة وخشونة مع كل التظاهرات السلمية، إلا أن المتابع لتعامل قوات الأمن مع أنشطة النصرة في موسمها الحالي لا بد وأنه سيلاحظ بأن مستوى الخشونة والفظاعة قد تم الرفع منه، وربما يكون ذلك قد جاء نتيجة لتعليمات عليا. إن رفع مستوى الفظاعة والخشونة في التعامل مع متظاهري النصرة قد عرى الأجهزة الأمنية، وهو الذي جعلنا نسجل ـ على الأقل ـ ثلاثة عمليات تجريد من الثياب في جمعة الغضب، هذا فضلا عن حالات اعتداء أخرى لم تسلم منها المساجد. حتى النساء المناصرات فإنهن لم يسلمن من القمع والتنكيل، وكانت المسيرة الخاصة بهن، والتي تم تنظيمها يوم الثلاثاء الموافق 14 نوفمبر خير شاهد على ذلك.
الملاحظة الرابعة:
لا خلاف على فظاعة الفيديو، وعلى أنه يعكس تطورا خطيرا في التعامل مع المحتجين السلميين، وهو الشيء الذي يستدعي التحرك العاجل من طرف الجميع حتى لا يفلت مرتكبي هذه الجريمة النكراء من العقاب، وحتى لا تصبح ممارسة هذا النوع من الجرائم أمرا عاديا يتكرر مع كل تظاهرة واحتجاج.
لا خلاف على فظاعة هذا الفيديو، ولكن يبقى بعض الضرر أهون من بعض، فلتتصورا مثلا أن الضحية كان من شريحة وكان الجناة من شريحة أخرى، فلو أن مثل ذلك حصل، وهو أمر كان متوقعا، فإن الذي كان سيحدث هو أن البعض سيتناسى وحشية قوات الأمن، وسيصنف هذه الجريمة في إطار الجرائم العنصرية، وحينها سنجد بأننا قد وقعنا في مأزق خطير.
من هنا فإنه يمكن القول بأنه إذا كان هناك أي شيء يمكن أن نصنفه بأنه "إيجابي" في هذه الجريمة البشعة والنكراء فسيكون انتماء الجناة والضحية لشريحة واحدة. ففي بلاد تمارس فيه العنصرية، ويسود فيها الخطاب الشرائحي والعرقي يكون من الإيجابي ـ إن جاز لنا أن نتحدث هنا عن شيء إيجابي ـ أن ينتمي الجاني والضحية لنفس الشريحة واللون.
الملاحظة الخامسة:
عليكم أن تتوقعوا المزيد من المعاملات القاسية والوحشية من طرف السلطة الحاكمة، وذلك بعد رفعها لشعار "موريتانيا الرحمية". لقد تعودنا في هذه البلاد أنه كلما رفع شعار في مجال معين فإن ذلك يعني أننا سنكون على موعد مع المزيد من الفشل والانهيار على مستوى ذلك القطاع. لقد عانى الفقراء كثيرا في زمن رفع شعار "رئيس الفقراء"، وتفشى الفساد في زمن رفع شعار محاربة الفساد، وأصبحنا نسمع عن نهب المليارات بدلا من الملايين، فاختفت الشركة الوطنية لصيانة الطرق، وها هي الشركة الوطنية للإيراد والتصدير في طريقها إلى الاختفاء، وازداد التعليم المنهار انهيارا في سنة التعليم، وشهدت البلاد موجة غير مسبوقة من الاعتداء على المقدسات بعد رفع شعار "رئيس العمل الإسلامي"، فحرقت أمهات كتب المذهب المالكي برعاية رسمية، وشكك في عدالة النبي صلى الله عليه وسلم، وحرق المصحف الشريف.
لذلك فلم يكن غريبا أن نستيقظ بعد رفع شعار "موريتانيا الرحيمة" على مشاهد قاسية وفظة لم نعهدها من قبل، كإجبار بعض متظاهري النصرة إلى الخروج إلى الشارع وهم عراة كما ولدتهم أمهاتهم.
حفظ الله موريتانيا..