بين يدي الموضوع:
...كانت البدايات الأولى للعمل الإسلامي بمعناه المعاصر في موريتانيا، في بداية السبعينيات من القرن المنصرم، وكانت تلك البدايات دعوية صرفة ومحاولة للوقوف في وجه موجة التغريب وموجات الانحلال والتفسخ التي كانت شائعة في ذلك الحين.
ونحن هنا لسنا بصدد التأريخ لنشأة وتطور التيار الإسلامي إنما سينصب اهتمامنا في هذه العجالة على اهتمام الإسلاميين بالمسألة السياسية من خلال المحاور التالية التي سيكون كل محور منها موضوع تدوينة خاصة:
1) - محاولات تأسيسية وجهود نظرية.
2) - مرحلة حزب الأمة.
3) - مرحلة الثنائية الحزبية بين المعارضة والموالاة.
4) - محاولة التعبير عن الذات من خلال حزب مستقل أو تجربة حزب (حمد).
5) - الوجود العرفي من خلال لجنة المتابعة والاتصال للإصلاحيين الوسطيين.
6) - الوجود القانوني والترخيص لحزب (تواصل).
7) - وثائق – صور - مستندات.
***
1)- محاولات تأسيسية وجهود نظرية:
بالرجوع إلى أدبيات الإسلاميين سنجد أن هناك جهودا نظرية كثيرة بذلت من أجل جعل الهم السياسي جزءا محوريا في المشروع الإسلامي وأولوية من أولوياته، وهنا تطالعنا وثيقة مهمة نشرها فضيلة الشيخ محمد الأمين مزيد في كتابه قضايا في ضوء الإسلام تحت عنوان: خصائص ومنطلقات.
ووصفها بأنها وثيقة عرضت أمام حشد كبير من العاملين للإسلام سنة 1991 في نواكشوط، ومن ما جاء فيها في ما يتعلق بخصائص الاتجاه الإسلامي في المجال السياسي ما نصه:
(- يعمل الاتجاه الإسلامي من أجل سيادة الإسلام عقيدة وشريعة وإقامة الدولة الإسلامية الراشدة التي تخلف النبي صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا بالدين.
- يعمل الاتجاه الإسلامي من أجل وحدة أعراق المجتمع في ظل عدالة الإسلام ومساواته بين الناس ويحارب كل الأفكار العنصرية ويبرؤ إلى الله من كل دعوة شقاق عصبية مهما كان مصدرها).
وعلى صعيد التوعية والتكوين وتثقيف العاملين للإسلام نظم نادي مصعب بن عمير رضي الله عنه ملتقى فكريا بالغ الأهمية في الفترة من: 23 إلى 26 – 12 – 1991 تحت عنوان: الإسلام والعلمانية؛ وقد جاء في بيانه الختامي ما نصه: (وقد كان الملتقى بوتقة انصهرت فيها الأفكار والآراء وازدحمت فيها العقول وخرج منها الصواب؛ وقد طبعته العلمية والمسؤولية وتطبيق مبدأ الرأي والرأي الآخر، لقد أوضح الملتقى مفهوم الإسلام الذي جاء ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة وبين مدى شموليته {ما فرطنا في الكتاب من شيء} فهو منهاج حياة وهو دين ودولة؛ مصحف وسيف؛ نظام اقتصادي وثقافي واجتماعي وفكري وسياسي).
وعمليا وزعت الحركة الإسلامية في موريتانيا (حاسم) والتي تم حلّها سنة 1994، وزعت منشورا يوم 14 إبريل 1991 عنوانه: (هذا بلاغ للناس) وهو عبارة عن بيان تحليلي معمق لأوضاع البلد عشية الإعلان عن الانفتاح الديمقراطي الذي أعلن عنه الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطائع (إبريل 1991)، ومن ما جاء في ذلك البيان: (يقف بلدنا اليوم على حافة الهاوية بعد أن أوصلته السياسات الرعناء؛ والمؤامرات الخبيثة إلى طريق مسدود، ونحن إذ ندرك خطورة الوضع ونستشعر مسؤوليتنا أمام الله وأمام التاريخ عن حاضر ومستقبل هذا البلد العزيز لنهيب بكل القوى الصادقة من شعبنا للوقوف صفا مرصوصا وللعمل يدا واحدة لحماية شعبنا من التمزق وبلدنا من الانهيار والفتنة).
وأيضا وفى موضوع ذي صلة وثيقة بالهم السياسي، فقد كان من ضمن الوثائق المقدمة للمؤتمر الثالث للجمعية الثقافية الإسلامية في موريتانيا (أغسطس 1991) وثيقة بعنوان: ورقة إسلامية في الوحدة الوطنية كان من ما جاء فيها (ومساهمة في مسار التصالح الوطني تقدم الجمعية وجهة نظرها المنطلقة من أساس شرعي واضح ورؤية وحدوية أصيلة.
إن التباغض والتدابر أعظم منكر وقع؛ ورؤية الفضل على الغير بالعنصر واللون دليل على استحواذ الشيطان على النفوس؛ وأعظم من هذا كله أن يمارس الظلم على فئة من الناس لأنهم ينتمون إلى عنصر ما).
ونختم هذه الحلقة بالإشارة إلى حوار مُوسع أجرته مجلة البصائر في عددها رقم: 1 الصادر في شهر نوفمبر 1991 (ومجلة البصائر مجلة موريتانية كان يصدرها الرجل الإسلامي المعروف محمد المختار ديه "ديه الشنقيطي مختار").
وحوار المجلة الذي كان جريئا في حينه كان تحت عنوان: الحركة الإسلامية والديمقراطية، وقد شارك فيه بالرأي والموقف الشخصيات التالية:
(محمد ولد سيدى الملقب اطليل؛ عمر معط الله؛ محمد الحافظ النحوي؛ محمد عبد الله ولد الصيام؛ محمد الأمين ولد الحسن)، وقد عبر كل واحد من المشاركين عن انطباعاته عن الديمقراطية الوليدة وعن توقعاته حول الاعتراف بحزب إسلامي أو رفضه.
يتواصل.