تشكل رواية العملية هبرون واحدة من أغرب الروايات في الأدب السياسي، وهي تجمع أغلب العناصر التي تجعل منها رواية بالغة التشويق والإثارة، فهي حقا رواية حبس الأنفاس، حيث لا يمكن لقارئ يقرأ صفحاتها الأولى أن يرفع عنها عينيه دون أن يكمل قراءتها بالكامل، بالرغم من أن كاتبها أريك جوردان هو ضابط سابق في المخابرات الأمريكية، وعمل مستشارا خاصا للرئيس الأمريكي ريغن، ورجل المهام السرية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ومع ذلك يتمتع بأسلوب أدبي رفيع ومقدرة عجيبة في الحبك والسرد، وربما لهذا السبب جاءت أحداث الرواية آسرة، أخاذة ومثيرة وكأنها بالفعل أحداث حقيقية، حتى إن المرحوم محمد حسنين هيكل وصفها بعيد نشرها سنة 2000 بأنها "الحقيقة الملتبسة بالخيال أو ربما الخيال الملتبس بالحقيقة".
تدور أحداث القصة في إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وأوربا وإيران، وهي تتحدث عن الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتبدأ الأحداث باجتماع حكومي سري في تلابيب بإسرائيل، يفهم القارئ من خلاله أن هناك عملية بالغة السرية للموساد تسمى "العملية هبرون" وتتعلق بأحد المترشحين للانتخابات الأمريكية حيث يتضح أنه عميل إسرائيلي.. بعض المسؤولين في الاجتماع المصغر خائفون من الأمر ويعتبرونه تهورا من مدير الموساد ويقولون إن الأمر إذا انكشف فستتضرر مصالح إسرائيل وسيغضب الشارع الأمريكي.. بينما يحاول قائد الموساد طمأنتهم.
في مشهد آخر تأخذ المخابرات الروسية علما بالعملية عبر مخبر لها في تلابيب بأن أحد المترشحين للانتخابات الأمريكية هو عميل من عملاء الموساد ولكنها لا تعرف أي المترشحين، رئيس المخابرات الروسية رغبة منه في أن يظهر للرئيس الروسي أنهم نشطون وأقوياء يطلعه على قضية "العملية هبرون"، يتحمس الرئيس الروسي للقصة ويعتبر أن هذه فرصة لإبداء حسن النية للأمريكيين والتقرب منهم ويقترح أن يرسل وزير خارجيته للولايات المتحدة لإخبار رئيسها بالأمر، ولكن رئيس المخابرات يعارض الأمر بحجة أن هذا يعرض عملاءه في إسرائيل للخطر والانكشاف، وهو أمر مضر لأن أسرار أمريكا ـ كما يقول ـ يحصلون عليها هناك بسهولة عبر التجسس على إسرائيل..
ثم في المشهد الموالي يتم اغتيال السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوربي في فندق بالعاصمة البلجيكية حيث كان يحشد الدعم لأحد المترشحين في الانتخابات، تقوم قاتلة محترفة خارقة الجمال جاكي ماركوفيتش من إحدى دول أوربا الشرقية بقتله ثم تنسحب دون أن يراها أحد.. هي طبعا تلقت إشارة من مخابرات دولية بقتله مقابل تحويل مالي مغر في حسابها.. فقامت بذلك، وهي متعودة على هذا النوع من الأمور.. تعتقد القاتلة أن الموساد الإسرائيلي هو الذي أرسل لها الإشارة بالرغم من أن المحققين في ابركسل وجدوا في غرفة الدبلوماسي جزءا من صحيفة إيرانية.. وهم يعتقدون أن المخابرات الإيرانية هي التي قتلته.. أما المكتب الفيدرالي للتحقيقات FBI فلا يقتنع ويرسل عميلة محترفة من عملائه لمطاردة جاكي ماركوفيتش.
المشهد الآخر في إحدى الفيلات الفخمة بالريف الفرنسي..أحد المسؤولين في دولة خليجية يناقش مع أحد المترشحين للانتخابات الأمريكية دعمه بمبلغ مالي كبير مقابل أن يشدد الضغط على إسرائيل إذا فاز بالرئاسة.
المشهد الختامي..
القاتلة المحترفة غاضبة لأن المال لم يصلها، فتقرر الانتقام من الموساد وترحل إلى واشنطن، وزير خارجية روسيا أيضا يتجه إلى واشنطن للاجتماع بالمسؤولين في البيت الأبيض، ليطلعهم على قضية العملية هبرون، المترشح الآخر في طريقه إلى واشنطن، الإيرانيون يترقبون... العميلة الأمريكية أيضا تعود مسرعة إلى واشنطن.. تتلاحق الأحداث ويصل التشويق ذروته.. ثم يقع المحظور، وسائل الإعلام في خبر عاجل تعلن عن عملية إرهابية في واشنطن وسقوط قتلى من بينهم أبرز المترشحين للرئاسة.
وتنتهي الرواية..
تذكرت هذه الرواية منذ أشهر عندما أثيرت قصة التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية وتوجيهها لصالح اترامب والاتهامات الكثيرة التي وجهت للروس بالعبث بالشأن الداخلي الأمريكي، وكنت أعلم أن كثيرين ممن قرؤوها لا بد أن يكونوا تذكروها مثلي.. ثم عاودني التفكير فيها من يومين عندما أقدم الرئيس اترامب على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في خطوة لم يجرؤ عليها رئيس قبله.
وفي الحقيقة فإن هدف أريك جوردان من روايته هو التنبيه على حجم الصراع بين قوى العالم على التأثير على القرار الأمريكي لا أكثر.. فهي رواية ذات مغزى سياسي تنبيهي.. ولكنها بإبداعها وإثارتها قد تتحول إلى رواية إلهام وإغواء، ومن يدري فقد يكون رونالد اترامب الرئيس الأمريكي الحالي هو بالفعل ثمرة "عملية هبرون" أخرى، التبست فيها أيضا الحقيقة بالخيال.