كلمة الإصلاح هذه المرة تود أن تناقش قضية القدس بعد إعلان "لعنة أمريكا الجديد" اعترافها بالقدس عاصمة للمغتصب الصهيوني، لأقول إني أتعجب من أي مسلم يؤمن بقوله تعالى {وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتـقون} ومع ذلك لا يفـكر في قضايا هذه الأمة، وما يفعله المسؤولون عنها بشعوبها من ظلم وسجن وتـنـكيل.
فعلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن ينـتبهوا أن الأماكن المقدسة أكثر منها تقديسا هذا الإنسان الذي خلقه ربه وصوره فأحسن صوره إلى آخر مميزات هذا الإنسان وهذا الإنسان الذي خلق في أحسن تقويم قد يرد إلى أسفل سافلين ويكون هو والحجارة وقودا لجهنم كما قال تعالى {فاتـقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} إلى آخر الآية.
فالمعلوم أن الأماكن المقدسة لا يعتـني بقدسيتها إلا الإنسان الذي قدس نفسه بإتباعه للنصوص المقدسة يقول تعالى {يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن الله عليم حكيم} فالمخاطب هنا بقتال المشركين والمأمور بإبعادهم عن المسجد الحرام "لأنهم نجس" والمسجد الحرام مقـدس ـ هم المؤمنون حـقا.
فكل من يعتـنق هذا الين يعرف أن الإيمان أخص من الإسلام فقبل دخول الإيمان في قـلوب المسلمين لا يمكنهم أن يقاتـلوا ولا أن يحفظوا الأماكن المقدسة.
ولذا فإن القرآن كلما أراد أن يخاطب أهل هذا الدين بشيء يحتاج للتضحية لا يخاطبهم إلا بصفتهم الإيمانية لا بصفتهم الإسلامية يقول تعالى {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} إلى قوله تعالى {ذلك بأنهم لا يصيـبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبـيل الله} إلى قوله تعالى {إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين} فمن لا يفكر بأن فكره وقوله وفعله سوف يكتب له بها عمل صالح والعكس صحيح فلا يمكن أن يطلب منه تحرير القـدس.
ولوضوح هذا فإني أرجو من أي قارئ مؤمن أن يلتـفت بفكره وينظر بـبصره ويستمع بسمعه الإيماني إلى البلدان الإسلامية وخاصة ملوكها ورؤساءها ليدرك بدون عناء تـفكير أن إسلام هؤلاء الآن لا يرقى إلى الإيمان الذي يطلب من أهله تحرير الأماكن المقدسة من رجس غير المسلمين.
فمن المعلوم أن جيران القدس من المسلمين هم الجزيرة العربية ومصر والشام والعراق مع ذلك الغاصب المشؤوم إسرائيل.
فعلى المسلم أن ينظر إلى هؤلاء الجيران حاملا فكر قداسة المسلم وأنها أكثر قداسة من الأرض ومن المساجد والأودية المقدسة فسيجد أن كثيرا من دول الخليج الآن ومصر وسوريا والعراق هم غارقون فيما هو أعظم من القدس وفتح سفارة أمريكا في القدس.
فقتل الأنفس بغير حق وسجن العلماء وتأيـيم النساء وتيتيم الأطفال هذه البضاعة الرائجة في تـلك البلاد الآن من غير أن ينظر أي مسلم إلى إمكانية إنهاء هذه البضاعة السيئة في الآخرة التي ينـتظر هؤلاء القادة يومها الموعود وعندها يحضر في ذلك اليوم الشاهد والمشهود، فأولئك القادة سيأتون يوم القيامة حاملين كثيرا من الأرواح والحقوق التي لا يمكن لصاحبها أن يفكر في قضية القدس بل ارتباطهم الآن بأعداء القدس أقوى من ارتباطهم بقدسية القدس وأهل القدس.
فعلى المسلمين أن يعلموا أن القدس وفلسطين سوف لا تعود للمسلمين أبدا إلا بجهاد واضح المعالم، فبعد أن أنزل المولى عز وجل في كتابه قوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} وفي نفس الوقت خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبته في حجة الوداع مبينا للمسلمين الخطوط الخضراء في الإسلام المأمورين بسلوكها ومبينا كذلك الخطوط الحمراء التي حذرهم من اقتحامها، فعندئذ تمايز السالكون لتـلك الطرق فأصبح الدين الخالص السائر تحت الضوء الأخضر في الإسلام هم المقبولون عند الله {ألا لله الدين الخالص} أما السائرون المقتحمون للخطوط الحمراء في الإسلام لا يرجى منهم جهاد ولا حتى قولا معروفا تجاه المسلمين.
فأهل الإسلام الفارغة قـلوبهم من خشية الله ولا يستمعون إلى مضمون قوله تعالى {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية} فالمعول عليهم في تحرير القدس أو الكلام في عدم تهويده فكالمنـتظر لبعث نبي آخر بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
فالجهاد الذي سيتم به تحرير القدس هو الجهاد الذي سيقع بإذن الله بين المسلمين واليهود كما أخبر بذلك الصادق المصدوق في قوله صلى الله عليه وسلم: "ستـقاتـلون اليهود وأنتم غربي نهر الأردن وهم شرقيه حتى تـقول الصخرة يا مسلم هذا يهودي وراء ظهري فأقـتله إلا الغرقـد فإنه من شجرهم ، فيمكن أن يكون اعتراف "لعنة أمريكا الجديد" بالقدس عاصمة لليهود من إرهاصات هذا الجهاد ولكن ليس تحت راية قادة الشعوب الإسلامية الموجودين الآن.
فالجهاد وهو سنام الإسلام كما في الحديث وفرضيته على المسلمين باقية إلى يوم القيامة ولكنه سوف يكون بإذن الله مع اليهود تحت راية قوم يحبهم الله ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ومن المعلوم أن المسلمين الآن في أنحاء العالم ينقسمون ثلاثة أقسام لا يتوفر في أي قسم منها على حمل راية الجهاد المستوفي الشروط وهو الجهاد المعلن تحت راية المؤمنين أي تحت راية قائد المؤمنين الموصوفين في القرآن أنهم {أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجد يبتغون فضلا ورضوانا سماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثـلهم في التورية ومثلهم في الإنجيل} فهذا الوصف ما لم يتحقق في المجاهدين فسوف لا تتحرر القدس ولا غيرها من بلاد المسلمين.
وتفصيل أقسام المسلمين الآن هو كما يلي:
أولا: قسم من المسلمين أعلن الجهاد ولاشك أنه ظهرت فيهم كثيرا من التضحيات في سبيل جهادهم الخاص بهم ولكن مع الأسف بدءوا جهادهم هذا في المسلمين المؤمنين بالله ورسوله وبالقدر خيره وشره، حتى أنهم لم يستـثـنوا من المسلين ما استـثناه الجهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من غير المسلمين وهم الأطفال والنساء والعجزة والراهب في صومعته إلى آخره، كما أنهم لم يلتـفتوا أن الله تبارك وتعالى لم يأمر المسلمين بالجهاد إلا بعد أن كانوا أقوياء آمرا لهم بتحصيل أداة القوة كما قال تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} الخ الآية.
ولا شك أنه لو كان القرآن الآن ينزل لنزل بتعيـين القوة التي يـقاتل بها وهي الدبابات وصواريخ إسقاط الطائرات والمدافع البعيدة المدى ومع ذلك التحذير من الغفلة من موقف يستأصل فيه العدو المسلمين حتى أثناء العبادة المفروضة يتـغير شكل أدائها ساعة ملاقاة العدو خوفا من الاستـئصال يقول تعالى {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم} إلى قوله تعالى {ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتـكم فيميلون عليكم ميلة واحدة} إلى آخر تـنظيم الجهاد الإسلامي بأوامر من الله مباشرة للمسلمين، فهذا القسم أعلاه من المسلمين أفسد عليه الشيطان فكره في الجهاد الشرعي فلم يتـقـنوا منه إلا التضحية بالأرواح خارج الجهاد الشرعي وخارج هدف الإسلام من الجهاد وهو رد فـتـنة المسلمين عن دينهم وفتح سماع الدعوة أمام دعاة المسلمين.
أما القسم الثاني فهم المسلمون الحاليون المتمثـلون في قادة المسلمين المنتصبين فوق شعوبهم وهؤلاء اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة وانحازوا نهائيا إلى أعداء الإسلام حتى سموا كل مسلم لم يدخل معهم في فكر بـيع الآخرة بالدنيا أنه شخص إرهابي فبدلا أن يحاولوا المناقشة مع القسم الأول وردهم إلى الرشد بعد أن يطلبوا من جميع غير المسلمين أن يتوقفوا عن قـتـل شعوب المسلمين في ديارهم أيا كانوا مع تبيـين عناصر الجهاد الإسلامي من النصوص الإسلامية دون أن ينضموا إلى أعداء الإسلام لقـتال القسم الأول بما فيهم النساء والأطفال حتى أن قواد طائرات هؤلاء (المسلمين) يهلكون الحرث والنسل من المسلمين حتى قضوا على أقطار المسلمين عن بكرة أبيهم وقد اختلط في هذا القتال دماء أعداء الله مع جنود هؤلاء المشــترين للدنيا بالآخرة متجاهلين قوله تعالى {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون}.
فعلى المسلم الذي لم يختم الله على قلبه أن ينظر إلى الشعوب الإسلامية في آسيا في باكستان وأفغانستان وفي الدول العربية في مصر وفي سوريا والعراق واليمن فسيجد الطائرات الأمريكية والأوربية وطائرات هؤلاء (المسلمين) المشترين للحياة الدنيا بالآخرة يهدمون بيوت المسلمين على رؤوس الأطفال والنساء فلا أظن أن أي مسلم هداه الله إلى معرفة ما جاء في القرآن من علامات المسلمين وعلامات المنافقين إلى آخره ثم يرجو أن هؤلاء القادة (المسلمين) سيفكرون في تحرير القدس ولا حتى يعينوا مسلما مهجوما عليه في منزله من طرف أعداء الإسلام كما قال تعالى {وإن استـنصروكم في الدين فعليكم النصر}.
أما القسم الثالث من المسلمين فهو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خانهم أو خذلهم إلى يوم القيامة" أو كما قال صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الآن هم في سجون أولئك القادة (المسلمين) لا لأنهم خلعوا يد الطاعة من أولئك القادة ولم يقوموا بأي عصيان مدني لكن فقط أن تمسكهم بالدين الوسطي المعتـدل لا يرضى عنه أعداء الإسلام لأنهم يدركون أن الجهاد الشرعي لا شك أنه آت لا ريب فيه وسيكون مع اليهود بالذات بالاسم دون اسم إسرائيل.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ستـقاتـلون اليهود ولم يقـل ستـقاتلون إسرائيل، ولاشك أن هذا الحديث كان يتعجب في القرون الماضية بأي حال سيقاتـل المسلمون اليهود وهم أشتاتا في العالم ولكن عالم الغيب والشهادة يعلم أنهم سيتجمعون في وقت قادم بين المسلمين ويصرون على تسمية دولتهم بدولة اليهود بدل إسرائيل وبذلك سيقاتـل المسلمون اليهود كما في الحديث، إلا أن من سيقاتلهم لا شك أنهم المسلمون السائرون على الطريق المستقيم لا إفراط في الدين مثل القسم الأول ولا تفريط فيه مثل القسم الثاني ولكن الصبر على منهج الله حتى يتضح عباد الله المخلصين للجهاد الإسلامي المقدس الذي سيظهر الله قائده المسلم وأصحابه اللابسين لثوب الإسلام الذي جاء من عند الله وسيكون أمامهم في القدس طرف الحديث الآخر من الطائفة التي لا يضرها من خذلها وهم أهل القدس وأكناف بيت القدس وإن غدا لناظره لقريب إن شاء الله فصبر هذه الطائفة الآن على ما هي عليه حتى يأتيها فتح من عند الله هو الأمل الوحيد للمسلمين.
أما الآن فعلى المسلمين الشعوب أن يعضوا بالنواجذ على إيمانهم على الحق تاركين قادة بلادهم يعمهون في طغيانهم ولكن عليهم أن يرددوا دائما قوله تعالى {عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين}.