يبدو حزب "تواصل" الإسلامي مثيرا للاهتمام، داعيا للتكهنات والتوقعات حول نتائج مؤتمره المرتقب، وخاصة تغيير رئيسه الذي "يستركز" العناية، وكأنه كل شيء!
هذا الحزب، الذي لاقى أصحابه من العنت والحرمان والمطاردة في سبيل الاعتراف به وتشريع نشاطه ـ كأي حزب سياسي وطني ـ حين تم له ذلك لم يسقط السماء على الأرض ولم يفجر ولم يغتل ولم يتسلح، كما كانت تقول "الأدبيات الأمنية"... ولم يفز في الانتخابات الرئاسية ولم يكتسح الانتخابات التشريعية والمحلية، كما كانت تروج بعض الدوائر السياسية! بل إنه لم يدع لفرض "التطبيق النمطي" الانتقائي للشريعة (بتنفيذ الحدود الشرعية على الفقراء والضعفاء) كما كان يزعم المستغربون الشهوانيون...
"المرجعية الإسلامية" لحزب تواصل لا ينبغي أن تغير "حزبيته" المؤسسية؛ فلا تجعله "حزبا دينيا" محضا، يتعصب لهذا المذهب الأصولي أو هذا المذهب الفروعي، أو ضد أو مع هذه الطريقة أو تلك...
إنه يجب أن يكون حزبا سياسيا وطنيا موريتانيا جامعا لكافة أطياف الوطن وألوانه، واسعا صدره لنقد أعدائه وأصدقائه، غير مغتر بإطراء أعضائه وأنصاره، يبحث عن المثالية ولا يدعيها أبدا...
وبالطبع فإن الحزب، كما نشاهد، رغم ديمقراطيته ومؤسسيته، ما زال كثير من الناس لا يقبله على حقيقته الحزبية الوطنية، بل لا يراه إلا كما يتصوره في خياله الخاطئ: شرنقة أيديولوجية مرتبطة بالخارج، أو جمعية أشرار تأتمر بالبلاد للانقضاض على السلطة والتشبث بها باسم الله، سبحانه، إلى الأبد!
وهناك من طبعوا على رفض الحزب من أساسه ومَردوا على معاداة من يتولون قيادته، ولا يقبلون الإنصاف مطلقا في شأنه؛ فإن أظهر الصرامة في مبادئه الإسلامية الثابتة، وهي مبادئ مجتمعه وأمته، قالوا: هذا حزب ديني متطرف ومتزمت يتاجر بالدين ويدعو إلى الإرهاب... وإن أظهر الانفتاح والسعة تجاه قضايا مجتمعه وشركائه قالوا: هذا حزب علماني منافق يريد أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد...!
حتى الآن تعامل حزب "تواصل" مع هذه التصنيفات والاستفزازات بصبر ومسؤولية، وفتح صدره للجميع، وأبوابه للجميع؛ جيئة وذهابا!!
إن معظم منتقدي "تواصل"، بل وأعضاء فيه نفسه، لا يرون عن "الاستبداد" وسيطرة الفرد، شخصيا، استغناء ولا بديلا... ولهذا يفكرون في شيء وحيد: مَن سيكون رئيس الحزب؟ وهذا "التعشيش" الوبائي للزوم الديكتاتور في الذهنية العامة لمعظم الناس هو أحد الأمراض التي على "تواصل" أن يحاربها؛ ولن يستقيم ذلك إلا إن حاربها في نفسه أيضا.
هذا لا يقلل من شأن الأفراد ولا من أهمية قدراتهم الشخصية، ولكنه في الواقع يروم إضافة قدرات الآخرين وتجاربهم إليها من خلال الانصهار في المؤسسات وتفويض التأثير لها أو باسمها...
ومن شأن هذا بالإضافة إلى ذلك أن يحقق "الحماية الأخلاقية" للحزب بجعله في مأمن من أخطاء الأشخاص وانحرافاتهم؛ فهو بالإضافة إلى أن منهجه العام هو أن لا يراقب الأشخاص ولا ينوب عن الشارع في محاسبتهم على ممارساتهم الخفية، فإنه "كمؤسسة" لا يضره ولا يحسب عليه سلوكهم الخاص إذا انكشف منه سوء أو خطأ مخل.
والحاصل أن على "تواصل" أن يواصل نفس النهج "الوطني الأصيل" (والأصالة في هذا البلد هي قيم الإسلام وشريعته ولغته العربية وتاريخه المجيد) من أجل موريتانيا والأمة، وأن يزيد من أسباب الحيرة والتخبط التي تنتاب مَن يقيسونه على أحزاب الأشخاص والأمزجة والمصالح الخاصة؛ بأن يكون حزب مؤسسات ورؤى جامعة بناءة تدعو للعدالة والحرية والديمقراطية، وتمارسها بنفسها وفي نفسها، دون تفريط ولا تهاون في المبادئ والقيم الإسلامية والثوابت الشرعية؛ التي ستثبت الأيام أنها لا تتنافى مع هذا النهج "الحداثي" الذي تأخذ به معظم شعوب المعمورة كما تأخذ بالنظريات العلمية والقوانين الطبيعية التي توصل كل أحد بسلام إلى أهدافه المختلفة عن أهداف الآخرين!!