"ما يموت لعجل ألا تيبس التاديت"
إن لم يكن فيما يفعله قادة حزب تواصل بشأن التناوب على قيادته من "تقية " في خضم جمود سياسي ليست فيه هذه القيادة بأحسن حال من زعامات غيرها من الأحزاب - جد "مشخصنة لا تشكوا التغيير- فلا بد أن في هذا الأمر و على الأقل ما يثير كثيرا من التساؤلات التي تتعلق بالخلفية الفلسفية الحقيقية لقيادته الكامنة وراء "مرونة" يشوبها بعض الغياب لإرادة متحررة من كوابح الخوف " الانتهازي" عند حزب عقائدي معلوم أن مصدر خطابه و لب فكره و موجه عمله و محدد نهجه هو الإسلام.
فهل حَقا أن أفراد هذه القيادة متوحدو الآراء، متطابقو الرؤية و متفقون على خطوط المنهج و أساليب التطبيق في بناء المواقف و تحديد الأساليب؟ أم أن ما عجل أمر التناوب في مرحلة الحزبُ فيها أحوجُ ما يكونُ إلى "الثبات" في وجه "مجهول قريب" تتشكل خلاله ملامح تحول قد تحصل فيه الأمور على غير ما تشتهي كل سفن أحزاب المعارضة و بعض الأغلبية المحاورة و العنكبوتية البيوت؟
و بالطبع فإن حزب تواصل، المصنف عموما ضمن المعارضة غير المحاورة، و على خلفية تفاهم مع أغلبية النظام لا تخطيء بعض ملامحه العينُ الفاحصة للمهتمين السياسيين، يتمتع بحضور معتبر و لافت في البرلمان حيث يعلي صوته مسموعا في بعض الجلسات، مما ساهم في انتشار صيته حتى كاد الأمر يجعله من الأحزاب المعول على دورها في دفع عجلة الديمقراطية باتجاه بلورة الرأي الشجاع و صياغة الموقف الصادق الحر لبناء الصرح السياسي الوطني و قيام دولة القانون.
و مع ذلك فإن مواقف "تواصل" لم تتسم كلها بقوة "الإقناع" في أغلب القضايا الهامة و قد شابها بحسب الكثيرين من المحللين و المتابعين للشأن الوطني نوع من الميوعة و من الهروب عن المواجهة غالبا تارة و من الصدام مطلقا تارة أهرى، الأمر الذي جنبه، و بحسب هؤلاء المحللين و المتابعين، النفيَ من متن الكتاب السياسي.
و هي وضعية غير مريحة جعلت الحزب كالموزع بين إلحاحية "التقية" المريرة و خيار "الجرأة " النسبية و الأخذ في ذلك بفلسفة المثل القائل "ما يموت لعجل ألا تيبس التاديت" التي جعلت البعض يتساءل عن عقد المؤتمر في هذه المرحلة المعقدة من تاريخ حركة الإخوان و تكالب الأعداء عليهم من الدول العربية و بعض الغرب على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة "دونالد ترامب" الصهيوني؟ و بماذا يفسر استدعاء خالد مشعل أحد رموز الحركة و من أبرز القيادات النضالية الفلسطينية و تنظيم لقاء له مع رئيس الجمهورية؟
و في كل الأحوال و على الرغم من عديد بؤر الغموض المسجلة و الواردة من داخل الحزب في المعالجة السياسية و التعامل مع مجريات الأحداث من داخله و في الخارج سواء المتعلق منها بالمواقف المتخذة حول بعض القضايا الوطنية في شموليتها من ناحية، و في التباين الحاصل بين قيادته حيث سجلت تناقلت بعض وسائل الإعلان خلافات تولدت عن عملية التناوب الأخيرة من ناحية أخرى، فإن المؤتمر أبرز وجها غير اعتيادي في البلد جرت بموجبه التحولات ضمن أجواء غير مسبوقة من حرية في الرأي طبعت كامل مجريات جلساته، كما خاطب المؤتمر عمليا جميع الأحزاب الأخرى حول موانع التناوب فيها و جمود الأجندة لديها على نسق لا يفصح عن خطاب واضح المحتوى و المعالم والأهداف و لا يكشف عن منهج عقلاني و لا كذاك عن برنامج يؤكد على وجودها و فاعلية تعاطيها العملي مع المعطى السياسي الوطني.
فهل ينظم حزب غير تواصل مؤتمرا للإعلان عن خيار التناوب و تجديد للقيادات يعتمد في مبتغياته ضخ دماء جديدة ما تزال عصية على التلوث و استبطان الأمراض؟ أم أن السكة التي اختارها حزب تواصل هي الوحيدة السالكة في تضاريس أرض تعمرها الأخاديد العميقة و المنزلقات المعوجة و التشابكات الشللية؟