بعد رئاسة الاتحاد الإفريقي وتنظيم القمة العربية، عطفا على مناصرتها القضايا العادلة وانحيازها لكل ما هو إنساني وتكريم الأبطال والشخصيات ذات الإشعاع، مواصلة على مسار الصعود وحجز مقعد الرئيس بالمحافل التي كان حضورنا فيها خافتا على مدى عقود خلت، وترسيخا للانتماء وتقاسم المشترك، تعد موريتانيا الأفارقة والعالم بتكريم تاريخي لأسطورة النضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا، التكريم الذي سوف يتخلل فعاليات قمة الاتحاد الإفريقي بنواكشوط منتصف العام.
"لإفريقيا المنبع الأعذب..." بهذه الكلمات المتراصة من النشيد الوطني الجديد، تستقبل موريتانيا الأفارقة وقد أزالت كل لبس عن هويتها الإسلامية العربية الإفريقية، وشرعت في تشييد قصر لاحتضان الحدث التاريخي الذي يعد تتويجا لمسار تضحياتها لبناء صرحنا القاري، من رئاسة لجان واستضافة اجتماعات وفض نزاعات حقنا لدماء شعوب السمراء، موريتانيا التي كانت منطلق تكتلات إقليمية رأت النور على أرضها المباركة تحت مظلة الاتحاد، لتتلقفها المنظومة الدولية بكل امتنان.
بلادنا التي صدحت حنجرتها العذبة ديمي بنت آبه بسقوط الآبرتايد. لا غرو أن يكرم ماديبا على أرضها بعد قرن من ميلاده، ميلاد صحوة سطرها الراحل في التاريخ الإنساني، نيلسون الذي لن يغترب في شعب إفريقي حملت قوافله الإسلام واللغة العربية لغرب القارة، ويواصل رفع المشعل في مدارسه بداكار وبانجول، شعب يشكل رجال أعماله وتجاره أرقاما مالية كبيرة تدفع عجلة الاقتصاد في عدة بلدان إفريقية.
إن انفتاح موريتانيا على شقيقاتها المتجسد في انسيابية تنقل الأفراد والبضائع، وكونها ملاذا آمنا لأبنائها هربا من البطالة لسان حالهم معاتبا الأوروبيين "ولي دونكم أهلون ..." هذه الأرض التي تصان فيها كرامة المهاجرين واللاجئين الأفارقة، وتتحقق عليها الشروط الكافية لاحتفاظهم بإنسانيتهم حتى وإن مكثوا مدى الحياة، الدولة التي بذلت دماء أبنائها ذودا عن السلام والأمن في أرجاء القارة وتحصد كتائبها أوسمة الامتياز، حتما سوف تعتلي بجدارة منصة الاتحاد وتصدع منبرا لإسماع صوته وتنتصب لوحا ذهبيا تنقش عليه بطولات شعوبه.
مانديلا يكرم في موريتانيا التي يحاول البعض عبثا وصمها بعار الاسترقاق وهي منه براء براءة الذئب من دم يوسف، موريتانيا قلعة التحرر بصياغة النصوص ومصادرة العبيد وخلق فرص العمل ومحاربة الفقر والقضاء على الأمية، لكي لا يأخذ الاسترقاق أشكالا تتكيف مع الظرف والواقع. مسيرة نيلسون الحافلة بالعطاء والتضحية الملهمة للبشرية جمعاء، لم تضاهها سوى حملة موريتانيا العظيمة لترسيخ ثقافة التحرر في أذهان شعبها، القائمة على مكونات هي أساس امتلاك الإنسان قراره.
أكملت بلادنا الترسانة القانونية المتعلقة بمحاربة الاسترقاق، وواكبتها بسياسة عقارية وخطط للحد من الفقر وخلق فرص العمل وفرض تساويها، منحت القروض وشقت القنوات واستصلحت الأراضي للزراعة وأطلقت الوكالات مشاريعها، كل ذلك سعيا للقضاء على مخلفات الرق، هكذا فعلت موريتانيا وكذلك كافح مانديلا الذي سيمطر تكريمه بنواكشوط المزايدين وابلا من الأسئلة، أين أنتم من ماديبا؟ يا أبعد الناس من اقتفائه.
إن تنظيم قمة الاتحاد الإفريقي منتصف العام بموريتانيا وتكريم الراحل نيلسون مانديلا، سوف يشكلان نجاحا دبلوماسيا كبيرا ونصرا مؤزرا على قوى أعياها إلصاق التهم ببلاد الحرية وأرض الأحرار. سيذكر التاريخ اسما كان له فضل اقتناص فرص أشبه بالظواهر الفلكية النادرة الحدوث، شكرا لمن منحنا بهجة تقدم الشعوب الإفريقية وجعل موريتانيا تتردد على ملايين الشفاه والصفحات التي لم تألف نطقها أو رسمها سابقا.