كلمة الإصلاح تحمد الله وتشكره طلبا للزيادة على أنها لا تحمل من الموالاة ما يحجب عنها ما يصدر من الرئيس أيا كان، ولا تحمل من المعارضة ما يستر عنها الأفعال الخيرة للرئيس عند وقوعها، بل إنها عندما تكتب فهي تحاول دائما أن تصور الأفعال كما هي لتضعها على صفحات بعض المواقع لعل الله جل جلاله أن ينفع بها كل من يبحث عن الحقيقة المطلوبة إسلاميا، ولا شيء غير الحقيقة، والحقيقة عندي هنا هي ما تضمنته رسالة هذه الآية لكل مولود من البشرية في هذه الدنيا المنتهية سواء كان رئيسا أو مرؤوسا وهي قوله تعالي: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}.
ونظرا لهذه الحقائق فإن كتابتي في أي موضوع لا ألاحظ فيه قضية الموالاة ولا المعارضة ولا الانتساب لأي حزب بعينه لأني أدرك جيدا أن كل هذه المسميات ينطبق عليها تماما قوله تعالي: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}، وعليه فإن كلمة الإصلاح هذه سوف تكون مناقشة أو عرضا كاشفا لما يراه الجميع من معاملة هذا الرئيس الحالي للشعب الموريتاني وما يطلبه الشعب عادة من الرئيس.
وكمدخل لهذه المناقشة أو هذا العرض للواقع فلا بد من الرجوع أولا ـ ولو في كلمات قليلة ـ إلى الحالة الخاصة بالشعب الموريتاني من استقلاله حتى الآن بمعنى شكل حياته الوطنية والبيئية التي نال فيها استقلاله وأصبح أبناؤه هم الذين يديرون شؤونه وكذلك شرح بيئة هذا الشعب الذي أصبح هو شعب الدولة الذي يتولى أبناؤه إدارته.
فبادئ ذي بدء ليعلم الجميع أن علينا نحن الموريتانيين خاصة وبجميع أشكالنا وألواننا ولغاتنا ومناطقنا أن نحمد الله على أنه أولانا من نعمه طبيعة إٍسلامية ميزها جميعا بالمسالمة، لا تعرف العنف ولا الإجرام في حياتها الطبيعية، وأسكنها الله على هذه الأرض الخاصة التي يمكن أن نسميها تعريفا فقط أو تمييزا لها بالشناقطة أو أرض "البيضان" التي لا تعني اللون بل تعني الطبيعة المسالمة والميزة الخيرة للحياة السعيدة أو نسميها موريتانيا كما آلت التسمية إلى بعضها فيما بعد، ومما نحمد الله عليه أيضا أننا عندما حصلنا على الاستقلال بالحالة التي نعرف جميعا ولا داعي لتفسيرها الآن لأن وقائع الدنيا تنتهي بنهايتها ولا فائدة من آثارها فيما بعد، والذي يعرف الجميع في الموضوع أن من أخذ الحكم آنذاك هو من بني جلدتنا وطبيعتنا وبيئتنا كما وكيفا، بل هو على قمة عطاء الله لبعض عباده من دماثة الأخلاق، وقناعة النفس وعفاف اليد هو وزملاؤه، فقد استلم الحكم أولئك الرجال الأفذاذ كلهم بيضا وسودا عربا وعجما بمعنى أنهم كانوا ساسة موريتانيين خلصا حاملين معهم رؤية وطنية موريتانية لا مثيل لها فتحت أمام الموطنين الموريتانيين جميع الفرص المتاحة من العمل والتعلم بغض النظر عن الموقع واللون والجنس حتى أننا لم نحتج آنذاك لاستحداث قوانين خاصة بعمل المرأة أو انتخابها إلى غير ذلك، بل خلقنا دولة ديمقراطية ذات حزب واحد كأسنان المشط ولكن ذلك الحزب الواحد هو الجسم الموريتاني كله وبجميع أطيافه ممثلا في شعب مسلم مسالم ومتعاطف يسير به إلى الأمام رجال لم يخذلهم حب المادة ولا الهيمنة ولا حب السلطة العمياء.
ولكن مع الأسف بينما كان قادتنا الأفذاذ آنذاك يقودون دولتنا ماسكين بقوة بزمام جميع الدول الإفريقية يقودونها بأخلاقهم وعفافهم المادي لصالح العرب والمسلمين آنذاك حتى حصلت قضية الصحراء العارضة التي كان لا مفر من الاشتراك في قضيتها على الحالة التي اختارها القادة آنذاك نظرا للتداخل والقرب والمصلحة الداخلية للدولة لا مع باقي شعبنا الآخر، وبناء على الوقائع التي لا بد منها فقد اضطر الجيش الوطني ـ وأقول هنا الوطني حقا ـ بمعنى أن الله قد أعطانا آنذاك ضباطا من جنسنا مسلمين أعفاء يكرهون الإجرام طبيعة ويخافون الله عقيدة واستلموا الحكم من المدنيين لتلافي ما يمكن وتقليل الخسائر بين الأهالي والأقارب، أو أقول لإنهاء ما يشبه الحرب الأهلية غير المقصودة كما وقع ولله الحمد، وبالنظر إلى القادة الذين قاموا بالانقلاب فإن علينا نحن الموريتانيين أن نفخر ونعتز ونحمد الله على أن جعل في ضباطنا العسكريين الذين استلموا الحكم أمثال المصطفي بن محمد السالك رحمه الله تعالي رحمة واسعة وزملاؤه مثل محمد خونه ولد هيدالة أطال الله عمره في توفيق الله والضابط أحمدو ولد عبد الله والضابط جدو بن السالك رحمهما الله تعالى إلى آخر ذلك الجيل العسكري الوطني الموريتاني 100% قلبا وقالبا سواء كانوا بيضا أو سودا إلى آخر ما وهبه الله تعالى لهذا الوطن من نوع المواطنة المسالمة الطيبة على طول حدودنا شرقنا أم غربنا... الخ.
إلا أننا مع الأسف كذلك ونظرا إلى أن الله وحد لغتنا واهتمامنا أو أقول وجه عواطف قلوبنا إلى حياة سكان المشرق العربي وبالأخص إلى سكان مصر والشام (سوريا) والعراق والخليج العربي.. الخ ، وشاء الله أن يكون أسوأ أوضاع شعوب العالم وحتى الآن هو وضع سكان هذه الأماكن، فالحماقة التي لا نهاية لها ولا سيما إذا كانت لها صلة بالعسكر والنفاق المدني القاتل، وعدم النخوة، التسلط المميت على بني جلدتهم والجبن الجبان مع العدو الحقيقي إلى آخر تلك الأوصاف المذمومة في الإنسان التي ابتلي الله بها سكان مصر والشام (سوريا) والعراق والخليج ممن يسمون أنفسهم ظلما وزورا وبهتانا بالعرب، فليس عندهم من العروبة التي أخر الله جنسها أًصلا ولغة وجهادا لآخر رسالة له على الأرض لإيصالها لجميع البشرية، ولكن الله مسخ هذا النوع من البشر على هذه المناطق: مصر وسوريا والعراق والخليج.
فمن نظر إلى هذه الشعوب الآن وما ابتلاها الله به من فساد أخلاقي في التفكير وأنواع النفاق والتبعية إلى آخره، ونزع الرجولة والمروءة من القلب ما يندى له جبين الإنسان ولو كان في أسوء حالات الإنسان.
وهنا أحمد الله على أني لا أحتاج الدليل على ذلك فنظرة بينة علي سوريا الآن وحملة السيسي على سيناء وقتل العراقيين على يد الشيعة وقتل الخليجيين لليمنيين، وتخاذل الخليجيين فيما بينهم وتبعيتهم جميعا للغرب تبين أن الله تبارك وتعالي جعل سكان هذه المنطقة يشبه غير الآدميين حياتهم يلخصها قوله تعالى: {ومنهم من يقول ربنا ءاتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق}، وبالرغم من هذه الأوصاف الكاشفة عن طبائع تلك السلطات المدنية والعسكرية ومعاملتها السيئة لشعوبها ولمدة قرون، فإن علاقتي بعروبة تلك الشعوب وتعلقي بها لا مساومة فيها، ولكن الله ـ لحكمة أرادها ـ جعلها في ذيل الانسانية الموجودة فوق هذه الأرض في وضعية لا يعبر عنها إلا قوله تعالى: {ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين}.
ومن هنا أعود لأقول إننا هنا في موريتانيا وأثناء حكم ضباطنا الأفذاذ الأعفاء المسلمين المسالمين جرفت شبابنا على غير هدى علاقتنا مع المشرق العربي الموبوء بالجبن والنفاق وكان ذلك أيام حكم الرئيس محمد خونه ولد هيدالة تلك الأيام التي حاول فيها من يدعي العروبة أو يتكلم بها ناقصة ومشلولة ومعوجة أن يجرنا إلى تلك الحياة الغوغائية التي تعيش تحت ظلها شعوب فاقدة لأصلها الحقيقي وهو الإسلام الحقيقي داخل العروبة الأصلية النظيفة، إلا أن الضابط معاوية آنذاك ظن أنه بالتقرب إلى ما يسمي العروبة يمكن أن يعطي دفعا للشعب الموريتاني فقام بانقلابه على محمد خونة ولد هيدالة مع أن معاوية نفسه ضابط ممتاز خلقا وخلقا أي موريتاني من جميع النواحي بالعفاف وعدم الحماقة العسكرية، ولكن ضباطا موريتانيين زنوجا ظنوا أنهم بتغلغلهم في نظام ولد هيدالة يمكنهم تغيير موريتانيا من اتجاه عربي إلى اتجاه إفريقي الأمر الذي اصطدم به الرئيس معاوية حتى وقع بين الجيش ما وقع دون أن يكون الشعب داخلا في الموضوع، ونتيجة لتلك الظروف استدعى معاوية ديمقراطية كان يريدها بلسما لجميع التجاوزات التي جاءت بها الأحداث، فلم يتقن معاوية تسيير الديمقراطية التي يريد، وإنما ظن أن الديمقراطية معناها إعطاء الدولة معنويا وماديا لأفراد من الشعب حسب ولاءهم، وأثناء ذلك دخلت الحركات المتطرفة على الخط إلى آخر الأمر الذي جاء بهذا الرئيس الحالي إلى السلطة بعد أن تداعت الدولة كلها إلى السقوط النهائي.
ومن هنا سوف أقتصر على سلوك هذا الرئيس في اعتقاده على كيفية حكمه لموريتانيا، فمن المعلوم أن هذا الرئيس كان قائدا مقربا جدا من الرئيس السابق ويعرف جيدا أين كانت توجد خيرات موريتانيا سواء من إنتاجها الخام أو مساعداتها المادية، وتبادر لهذا الرئيس أن حكم موريتانيا ينحصر في ضبط الأموال وتوجيهها إلى صالح المواطنين بغض النظر عن تسيير جميع مرافق الدولة الأخرى مثل نشر الأمن بجميع أنواعه في الدولة، وتوفير ما يطلبه الشعب العادي من الرئيس من خدمات جميع الوزارات المكلفة بمصالح الشعب مثل الداخلية والصحة والتعليم ووزارة التجارة من خلال تموين السوق... الخ، وكان عليه أن يستدعي رافعة أعلا ولو لستة أمتار فقط حتى يكون في مكان يستطيع فيه أن يكون رئيسا لكل الموريتانيين، بل إن هذا الرئيس أراد أن يدير الدولة من ناحيتها المالية فقط، بمعنى أنه يديرها من زاوية من زواياها، و95% من هذا الشعب لا تصله الرعاية من تلك الزاوية وهي زاوية المال العام للدولة.
وقبل مناقشة هذه الرئاسة أود أن أقول كلمة عن طبيعة هذا الرئيس مع أني لم أر شخصه إلا في شاشة التلفاز، ولكن يظهر أنه عنده نرفزة حادة في طبيعته أصلا، وقد زادتها نرفزة عسكرية تساعدها على الحدة والارتفاع، ولكن من فضل الله عليه أن أعطاه مسحة إسلامية في قلبه، يغذيها نوع من الإباء والنخوة، جعله ذلك رجاعا للبحث عن الطريق المستقيم في أي مشكلة تعرضت له ليراجعها بعقله السليم العادي.
وبالرجوع إلى بداية حكمه فإنه من المعلوم أن انقلابه على معاوية كان بداية حكمه الفعلي لأن الرئيسين بعد ذاك جاء عرضا فقط، وشاء الله أن العالم في ذلك الوقت يتخبط في خزعبلات من الديمقراطية وأغنية الانتخابات النزيهة إلى آخر ذلك من مسميات أهل الدنيا التي لا معنى لها فوق الطاولة، فديمقراطية الأوربيين أصبحت واقعة في حياتهم لا يعرفون غيرها، أما العالم الثالث فإن ديمقراطيته لا تتجاوز أبدا مكبرات الصوت والتقارير المسندة لكتابة القلم فقط.
وهذه الصورة الكاشفة عن طبيعة ديمقراطية العالم الثالث هي التي منحها هذا الرئيس حق الفهم، وشق طريقه حتى وصل الرئاسة بالانتخابات المتقدمة، ولكنه مع الأسف كان يمكنه أن ينتهج المسار الصحيح نحو الحكم الذي سوف يسأل عنه يوم القيامة لا محالة، إلا أنه فضل أن تسمع أذنه من المقربين الراضين عن إدارته، ولا سيما أنه كان من قدر الله أن قيض له بطانة تعرف كيف تتكلم، وقولها يعجب السامعين من أهل الدنيا، ولكنها لا تقدم ولا تؤخر في الإصلاحات العامة المطلوبة من الشعب، ولا تنتج خيرا يمكن اعتماده لبناء الدولة للجميع، بل هم أعوان بالكلام فقط مستهلكون للمادة بنهم واسع لا حدود له.
والآن سوف نعرض صفحا عن واقع الدولة من تدهور حياة عامة نتيجة اقتصار رئاستها على إدارة زاوية المال فقط، وإدارة سياستها بالجمل الرنانة ذات الفصل والوصل والتوقف الموزون لا غير، لأكتب مكان ذلك ماذا على الرئيس أن يتدارك به رئاسته لجميع الشعب، وماذا يريد الشعب من رئاسته فيما بقي من مدته؟
فمن المعلوم أن الدولة تتحكم في مصالحها المؤسسات التالية:
أولا: وزارة الداخلية من خلال توفير الأمن العام للمواطنين.
ثانيا: وزارة الصحة من خلال الوقاية وتوفير الدواء لجميع المواطنين.
ثالثا: وزارة التعليم بمعني سيادتها على جميع المدارس في الدولة.
رابعا: وزارة التموين: التجارة والبيطرة والتنمية... الخ
جميع هذه المرافق لم تكن الدولة عندها فيها رئيس، وإنما الشعب يسكن فوق هذه الأرض، فاقدا للأمن، فبعضه يصيبه أهل الإجرام، وبعضه تقتله الأدوية المزورة، وبعضه يرسب في المدارس العمومية، وبعضه يموت جوعا، فالأسعار والمواد الغذائية والأمن العام لا تتبع الآن لأي رئيس ولا وزير ولا مدير.
وللكلام بقية في الحلقة الثانية.