وبعد بداية العد التنازلي الذي لفت نظر السيد الرئيس إلى الأمن الداخلي، بعد تدخل الشرطة لتفريق رؤساء الأحزاب العازمون علي الاعتصام ليلا أمام معهد ابن عباس، فقد غير – في تلك اللحظة - السيد الرئيس تفكيره تجاه الشرطة، وهو أن رئاسته للشعب الموريتاني ليست مقتصرة على وزارة المالية فقط ومكافحة الفساد في المال العام، ولا الأمن الخارجي التابع لوزارة الدفاع، بل تذكر أنه رئيسا للشعب في الأمن الداخلي في حفظ الأرواح والممتلكات كما نص الدستور على ذلك وقد أُثرنا ذلك في الحلقات الماضية، فبعد عملية فرقة الشرطة لمكافحة الشغب المشار إليها أعلاه، قام الرئيس إثر ذلك بالبحث في الجيش عن ضابط يعرف كيف ينفخ الروح في الهيئات اللابسة للبذلة العسكرية المحيّدة عن عملها ليردها بسرعة بعد سلب معنوياتها، وفعلا عثر على الفريق محمد بن مكت المعروف لدى الجميع أنه الرجل المناسب في المكان المناسب في كل مهمة صعبة وعينه لهذه المهمة الصعبة التي تعني تدارك الأمن الداخلي الذي تفاقم علي جميع المستويات: من الهجوم ليلا على الأسر الآمنة بالسلاح الأبيض، إلى المهاجمة نهارا في الأسواق والمارة، إلى آخره، بل إن الإجرام وصل إلى التهديد الأعمى بأنواع البطش العنصري المكشوف وتسجيل ذلك في الفيديوهات والتصريحات العنصرية التي تنشرها المواقع الإلكترونية المشاركة بذلك في هذا النوع من الإجرام مع أن أول باب في الدستور يعاقب على أي تصريح عنصري.
ومن هنا أذكر السادة القراء بما يؤكد أن الرئيس كان رئيسا لوزارة المالية والدفاع فقط دون الأمن الداخلي وهو أن سجن مختلسي المال العام موجود في آخر نقطة في الأرض الموريتانية شمالا، أما مجرمي القتل والغصب والسرقة ليلا بكسر الأبواب مع حمل السلاح الأبيض فإن سجنهم يقع جنب المنازل التي سرقوا منها في دار النعيم – ودائما – يمر اللص في الليلة التي يخرج فيها من السجن بضحاياه ليتزود من جديد، وكان من ما يلاحظه المواطن على الرئيس أن يجعل سجناء الفساد المالي بجنب العاصمة لأن ضررهم المستقبلي انتهى، أما سجناء جرائم القتل وغير ذلك فكان ينبغي أن يكونوا في أبعد نقطة من الوطن، وباختصار فإن رئاسة الرئيس للشعب الموريتاني في أمنها الداخلي كانت مقطوعة من أدمغة المكلفين بها دستوريا، وهو وجودها في دماغ الرئيس ومن ثم وجودها في دماغ وزير الداخلية والولاة والحكام بالإضافة إلى جعل القوة العمومية المختصة فيها في أعلى معنوياتها من عدد وعتاد وترقية إلخ، هذا كله صار أُثرا بعد عين، وصار الشعب الموريتاني بعد ذلك تحت رحمة الطبيعة الموريتانية المسلمة المسالمة في أمنه الداخلي، ولكن بمجرد دخول شياطين الجن - الذين كثروا لكثرة أسباب وجودهم - على شياطين الإنس الموريتانيين وأخذت تؤزهم أزا على فعل الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فلم تمر ثلاث سنوات أو أربعة على غياب رئاسة الرئيس للأمن الداخلي حتى بدأت الفوضى تنتشر وتتنوع في غيبة رجال الأمن المعدين لها أًصلا في جميع العالم، ومن مظاهر عدم رئاسة الرئيس للشعب الموريتاني في الأمن الداخلي أن وصول الرئيس للرئاسة كان الأمن الداخلي أكثر انتظاما في منع الجريمة التي يعنيه منعها وهي حفظ الأرواح والممتلكات وأمن الطرق، أما جرائم فوضى السلطة آنذاك في ديمقراطية الفوضى وإسناد الأمر في التوظيف المنتخبين إلى آخره فليس من اختصاصهم منع ذلك. فعندما يفسد رأس الجهاز في الدولة: فالشرطة منفذة للأوامر فقط.
ومن ما يلاحظ علي الرئيس أن أي هيئة لها قوانينها الواضحة والمطبقة من طرف رجال المهنة التي درسوها وجعلوها جزءا من الأمن العمومي، فهم يعرفون عن طريق متابعتهم لتحركات السيارات وأنواعها والساعات التي يتحركون فيها وحلاقة اللص وسياقته ونظراته للجميع كل هذا ملاحظ عند الشرطة ساعة البحث عن اللصوص، ولكن ماذا فعل الرئيس في موضوع شرطة المرور؟ فقد عمد إلى ميزانية الدولة وقطع منها ما يمول هيئة مستقلة وسماها أمن الطرق وعزل الشرطة كلا عن مهمة الأمن العمومي الأساسية في عمل الشرطة، ثم إن هذه الهيئة الجديدة المشكلة يقودها رجال كثير منهم لا يعرف عن قانون المرور إلا اسمه: فضباط الجيش والحرس ماذا يعنيهم في نظامهم في قانون المرور، وماذا درسوا في مدارسهم من أي شيء يعني المرور، اللهم إلا إذا كان قانونا قد صدر في زمن الاستعمار وأصبح كل من اجتهد خارج القانون ينسب إليه عمله، وعلى كل حال فهل يمكن للرئيس أن يتدارك عدم رئاسته لموريتانيا في الأمن الداخلي قبل مغادرته الرئاسة سواء نزل قريبا أو بعيدا أو طرأ عليه حلاوة "طعيمة الرئاسة" في الدنيا؟ فالجواب بنعم إذا قام بالأمور التالية:
أولا: تقدم أن قيادة الشرطة الآن في أحسن بذلة يلبسها من يريد القيام بالأمن الداخلي على أسمي وجه، فقد تخرجت دفعات جديدة واكتتبت أخري وفتش عمل المفوضيات ليلا بمعني أن الأمن الداخلي نصبت سكته فوق أرض الوطن نتيجة الإرادة الصلبة والقوية والمخلصة لقائد الأمن الحالي، فلم يبق من ما يتعلق بالشرطة إلا أن كل لابس بذلة عسكرية ينتمي إلى هيئة عندها رتب يتقدمون إليها، فلا شك أن الفرد إذا لاحظ أن إشارة منكبه لا تتغير، وهو يعرف جيدا تاريخ تغييرها فإن معنوياته ستكون منخفضة والعكس صحيح إذا نظر أنه لا حق له على الهيئة وهي التي لها الحق في تشغيله 24/24 إذا اقتضى الحال بدون كلل أو ملل ولا تأخر، فلم يبق بعد ذلك إلا أن يصدر الرئيس الإيعاز العسكري إلى المدير العام للأمن: إلى الأمام سر.
ثانيا: من المفروض في الأمن العمومي مراجعة قطع شرطة المرور عن الأمن العمومي لأنها جزء لا يتجزأ منه، فأكثر الجرائم لا تقع إلا بالسيارات، فإذا كان ضباط الشرطة القضائية يبحثون عن سيارة لصوص، والقوة العمومية على الشوارع لا تتبع لهيئتهم، فلمن يعطون الأوامر لتوقيفها والبحث عنها إلى آخره من متعلقات الأمن العمومي بالمرور وهي كثيرة وكثيرة جدا، فهيئة التجمع العام لأمن الطرق التي قضي الله بها في غيبة اهتمام الرئيس برئاسة موريتانيا في أمنها الداخلي يمكن أن تتصرف الدولة في شأنها بطريقتين: إما بضمها تلقائيا للشرطة ليتم عدد الشرطة التي نقص عددها بسبب عدم الاكتتاب فيها لمدة ثمانية سنوات بدل الاكتتاب فيها ثلاث مائة لكل سنة، أما الطريقة الأخرى فهي تحويلها إلى شرطة بلديات الموجودة في العالم إلا في موريتانيا، فالعمدة لا يمكنه إصدار أمر للشرطة إلا عن طريق السلطة الادارية الممثلة للدولة فبذلك تكون هيئة أمن الطرق الهيئة المناسبة في المكان المناسب بالتصرف المناسب.
ثالثا: إدخال الولاة والحكام في سلك المراقبة للجرائم في الأمن الداخلي لكتابة تقاريرهم – بما أن عليهم أن يحصلوا على جميع معلومات الجرائم يوميا – ويجتمعون مع وزير الداخلية يوم الأربعاء ليطلعوه على عددها وأماكنها ونوعها ومن القائمون بها، وماذا فعل في شأنها وماذا فعل القضاء إلى آخر المعلومات التي يمكن أن يقول فيها وزير الداخلية أمام الوزراء تصريحه: وقدم وزير الداخلية بيانا علي الوضع في الداخل، فإذا كان التقرير كل يوم خاليا من الجرائم فهي إذا كانت فيه والرئيس يقدم اقتراحا فهذا اكبر الدلائل أنه ليس رئيسا لموريتانيا في أمنها الداخلي، اللهم إلا إذا كان العسكري لا يمكنه أن يفهم الديمقراطية على شكلها الإيجابي فلا ظلم للأفراد ولا تركهم يظلمون الشعب ويجعلون حياته فوضوية، فمعاوية ظن الديمقراطية أن يعطي ثروات موريتانيا للمنتخبين يحولونها أملاكا خاصة يتصرفون فيها، والرئيس الحالي أعطي لأهل المواقع والمدونين الحرية في إِشاعة الأكاذيب أو نشر الجرائم وتفخيمها إلى غير ذلك ولم يستثن عنهم إلا وزارة المالية والدفاع اللتان ترأسهما بنفسه حتى أحسن وكذلك الخارجية شيئا ما باستثناء قيامه بإجراءات لا ترضي عنها أكثرية الشعب الموريتاني ويفعلها هو بفكره الخاص نيابة عن الشعب كما فعل معاوية باسم الشعب الموريتاني بفتحه العلاقات مع اليهود.
ومن هنا أصل إلى كتابة فحوي العنوان وهو عدم رئاسة الرئيس لبعض القطاعات وهي الآن وزارة الصحة، فهذا الرئيس لم يجعل نفسه يوما ما رئيسا لوزارة الصحة فيما يتعلق بالمواطنين في الصحة وهو البرء من الداء بالدواء، لا بوجود آلة للفحص المتطور التي ركز عليها الرئيس ولا بكثرة المستشفيات ولا بتوفير الأطباء المتخصصين المخلصين، ولكن لوجود الدواء غير المزور الذي وحده هو العلاقة بين الشعب ووزارة الصحة، فمراقبة هذا الدواء المراقبة الفعالة مثل مراقبته الشخصية وفعله ومباشرته وتعيينه للمفتشين الماليين فلم يفعل ذلك للمهلكين للشعب باستجلابهم للدواء المزور، فكان أولي أن يكون بناءه لسجون الموردين للدواء من المفسدين في المال العام فهؤلاء الموردون للدواء هم قتلة عمد كان يجب استئصالهم قبل مفسدي المال العام، فالجميع يعرف أن أطباءنا متخرجون إما من تونس أو المغرب أو السنغال أو فرنسا وأن قرائح الموريتانيين أحسن من قرائح جميع العالم، ومعلوم كذلك أن مرضانا دائما ذاهبون إلى هؤلاء الدول المخرجة لأطبائنا الموجودين معنا حاليا، فكم نستقبل شهريا من (صناديق الموتى) من مرضى ذهبوا إليها من عندنا بسبب بسيط وهو الدواء الذي يعطيه أطباؤنا لمرضانا طبقا لقرائحهم الذكية والمخلصة ومع ذلك يقتل استعماله الموريتانيين، فكم من طبيب تونسي ومغربي وسنغالي جاءه مريض يحمل الوصفة الطبية التي أعطاها طبيبنا فيجبيه التونسي والمغربي والسنغالي هذا هو نفس الدواء الذي سوف نعطيك لمرضك، حتى يقول احدهم للمريض أنتم فيكم فلان طبيب متخصص في هذا المرض فلماذا تذهبون عن بلدكم؟، وكم من طبيب عندنا يعود إليه مريضه من الخارج وقد برئ فيقول طبيبنا أنا أعرف المرض ولكن لا أصنع الدواء، فبناء علي هذه المعطيات والإحصاءات أصبحت أهون عمل من كثرة الاليكترونيات المتخصصة في ذلك، فلماذا لا يحصي وزير الصحة هذه الحالات شهريا ويطلع الرئيس على أن سببها هو الدواء ليقوم الرئيس باستدعاء "مفتشين" كيماويين وصيادلة من الدول الصديقة ويعلن أسبوعا من الطوارئ خاصا بالصيدليات سواء خارج المستشفي أو داخله ولو كانت للدولة، ويبدأ التفتيش في الأدوية ومصدرها ورخصة توريدها، ومن أين تورد الخ، فإن وجد ولو حالة واحدة يفعل لصاحبه ما وصف الله لأهل الخيانة: {فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون} الخ الآيات، وهنا تقول موريتانيا كلها، فلماذا تكون صيدليات روصو بجانب السنغال تتجاوزهم الوصفات الطبية بأمر من الدكاترة قائلين اشتريه من سنغال، فيقطع المريض عرض النهر ويشتري الدواء الحقيقي، وكذلك كم من مريض يذهب إلى المستشفى بمرض بسيط في بطنه مثلا، فيعطيه الطبيب دواء ولتزوير ذلك الدواء يتحول من مرض بسيط إلى الكبد أو الكلى أو أي جسم آخر مجاور لمكان المرض وبذلك يصبح مرضا خطيرا يذهب إلى الخارج فيقولون له: فيك مرض كذا بسبب ذلك الدواء، فأين الرئيس ووجوب حفظه للأرواح والممتلكات سواء من لصوص الجرائم أو من لصوص مستوردي الدواء فلم نسمع أي نوع من هذا التفتيش عن الدواء وبدل ذلك نسمع كثيرا عن المرضى الذين كان سبب موتهم الدواء المزور، وهنا يتبين عدم رئاسة الرئيس للشعب في قضية الأدوية المزورة، فنرجو أن نرى في بقية مأموريته أن يظهر السيد الرئيس محمد بن عبد العزيز للموريتانيين أنه رئيس لصالح موريتانيا فيما يتعلق بأغنيائها وفقرائها على حد سواء وسوف تكون بإذن الله الحلقة الرابعة الموالية – أرجوا أن تكون الأخيرة – كفيلة بتوضيح مصالح موريتانيا التي لم يترأس عليها الرئيس ليتداركها في المستقبل، فإذا فعل كل هذه المصالح قبل نهاية مأموريته فما الداعي لتغييره فإن كلمات في الدستور إزالتهم أهون دنيا وأخرى من إزالة الحائلة عن جسم من يريد الوضوء لانفصالها عن جسمه لصعوبة وجود بديل في موريتانيا لإضافتها الي هذا العالم العربي الذي أصبح لا يصلح منه رئيسا عربيا مسلما وعند الحالة الراهنة الخبر اليقين...
وإلى تلك الحلقة الرابعة بإذن الله