من عجائب أهل هذه البلاد أنهم لا يعترفون بمواهب ألمعييهم من المبدعين، و لا يجمعون على الاعتراف بنوابغهم من الاستثنائيين، و لا يذكرون عطاء أي منهم إلا مرغمين تحت وطأة نفاذ سمعتهم من بعد أن يظهروا في رحاب و تحت سماء أمصار أخرى لتعود شهرتهم، كالصدى الخافت، على الرغم مما تحمله من رفعة للدولة التي ما زالت سنابك خيول عقلية "السيبة" تدوس حماها و سكانها يغطون في سبات "الماضوية" على سقم من "أمراض القلوب" و قد ترجلت من حولها كلُّ عقليات شعوب الدنيا عن بغالها حتى وصلت إلى مشتهى الوطن الذي لم يعد يميز بين مواطنيه إلا بقدر العطاء و قيمة الإبداع حيث يصبح كل مبدع ملكَ الجميع و تعبيرا رفيعا عن البلد و مفتخرا.
ففي الوقت الذي ما زلنا ننسب فيه كل من يظهر بمستوى من المعرفة إلى حظيرة "القبيلة" و يشفع اسمه بالنسبة إليها كتوقيع أو ختم "استعلائي"، تَخلىَ العالمُ من حولنا عن إلصاق صفات الانتماء الضيق بأسماء المتميزين من بعد ما كان الذي يُلصق بالاسم لا يتجاوز صفات تربطهم بمدنهم أو أوطانهم.. ليس إلا.
حضرتُ ندوة قيمة نظمها مركز "مبدأ" تحت عنوان "حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي/قراءة في المحتوى و الدلالات"؛ الندوة التي تننزل ضمن "المشروع الفكري التجديدي" للعلامة الشيخ عبد الله بن بيه.
و بعيدا عن الوقوف بامتعاض على ما لمسته من عزوف النخبة في عمومها عن حضور مثل هذه الندوات التي تتناول مثل هذه القامات، إلا ما رحم ربك، تراءى لي أن الذين حضروا ينتمون إلى فئات:
· المرغمين لسبب أو لآخر من الأسباب التي تفرض الحضور على هوامش أسباب الامتناع عنه على خلفيات "التناكر" الصامت الذي لا يحدث تدابرا أو يحدث صخبا و لكنه أيضا لا يجلب إجماعا أو يقر رضا معلنا،
· المدفوعين إلى تأدية واجب القرابة و اللحمة القبلية و الشرائحية و حتمية النصرة التي تمليها نزالات "بلقان" من زمن ولى و بمستويات علمية ولت كذلك)،
· القليلين بزادهم المفيد، المؤمنين المقتنعين بما في قلوبهم، من بعض أمل، في أن التحول إلى التمسك بـ "النوابغ" و "الملهمين" و "المتميزين" و "الأفذاذ" من طينة البلد على امتداد ربوعه، هو أمر "منعرج" بدأت تلوح، و لو في الأفق البعيد، بعض علامات مقدمه لسعد الثقافة و رفعة أهل المعرفة و تميز البلد.