الأخبار (نواكشوط) ـ أجرت الأخبار مقابلة مع مدير معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها الأستاذ أحمد سالم ولد محمد عبد الله تحدث فيها تجربة عمل المعهد خلال العقدين الماضيين.
وتأتي المقابلة في اليوم الوطني للغة العربية الذي يصادف فاتح شهر مارس.
كما تناولت المقابلة أهداف المعهد وحصيلة عمله، إضافة إلى التحديات التي يواجهها في ظل تزايد الإقبال عليه بما يتجاوز طاقته الاستيعابية.
وهذا نص المقابلة:
الأخبار : ما دوافع تأسيس المعهد؟
أحمد سالم ولد محمد عبد الله : بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على رسوله وآله وصحبه.
المعهد مؤسسة تعليمية تركز نشاطها على غير الناطقين بالعربية وعلى الفئات الأقل حظا من التعليم في البلد، مقدمة تعليما شرعيا عربيا، يسعى إلى نشر معارف القرآن الكريم ولغته الفصحى بين الفئات المستهدفة، ويسعى ضمن ذلك أيضا إلى ترميم ما تآكل من أسوار الوحدة الوطنية وإعادة الألفة بين الأشقاء إلى مجاري الإخاء والمودة، وكذا الوصول إلى ما ينبغي أن يسود من انتشار التعليم بين كل فئات المجتمع.
الأخبار : لماذا التركيز على التعليم وعلى العربية بشكل خاص؟
أحمد سالم ولد محمد عبد الله: التعليم بوابة كل نجاح بل لا نجاح بدون التعليم، وهو الوسيلة التي يتفق على نجاعتها كل عقلاء البشرية، وأنها السبيل الوحيد لبناء الإنسان والأوطان ونشر ظلال التنمية والسلام، وأنه السبيل الوحيد لزرع المشترك الثقافي والروحي أو أي مشترك آخر بين أي شعب، ولذلك فإن التعليم وإن كان هدفا أساسيا، فهو أيضا حق ينبغي أن يصل الجميع إليه.
الأخبار: ولماذا تخصيص العربية بهذا الاهتمام؟
أحمد سالم ولد محمد عبد الله: اللغة العربية جديرة بكل اهتمام وخدمتها ونشر ظلالها ومد أطنابها خدمة للقرآن الكريم الذي نزل بها، ولذلك فإن اهتمامنا به منطلق من مرتكزين أساسين هما:
- أنها لغة القرآن الكريم وبدونها لا يمكن فهم كتاب الله تعالى وأنها لغة التراث العلمي الإسلامي وأن هذا الشرف رفع مكانتها على غيرها من اللغات، فنحن نخدمها تعبدا لله تعالى ورجاء ثوابه ونصرة دينه وخدمة كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
- أن العربية ركن أساسي من مرتكزات الهوية الوطنية في بلادنا الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وأنها كانت - وينبغي أن تظل- اللغة العلمية لمختلف الفئات والطوائف المشكلة للنسيج الاجتماعي في موريتانيا، ولذلك فقد كانت لغة التأليف والمراسلات والإفتاء والقضاء والأدب، وهذا يعني أنها في الماضي كانت اللغة الرسمية لكل طوائف البلد، وهي الآن أيضا نصا دستوريا وواقعا هي اللغة الرسمية أيضا لكل الطوائف.
ويزداد الاهتمام إذا عرفنا أن الاستعمار الفرنسي وهو استعمار ثقافي واضح ركز بشكل كبير على مناطق الأخوة الناطقين بغير العربية ونالهم من اضطهاده وبطشه الشيء الكثير، من إحراق المكتبات وتهجير المحاظر والمدارس العلمية، وقد كانت هذه المنطقة من مناطق المقاومة العسكرية والثقافية ضد المستعمر لكن التركيز الاستعماري عليها – ولأهداف استعمارية – كان كبيرا جدا.
وعلى هذه المرتكزات بشكل عام، وعلى متغيرات الواقع التي جعلت نسيج الوحدة الوطنية يشهد بعد التخرق والضعف إثر الأحداث المؤلمة في 1989 تأسست فكرة المعهد، بعد أن ظلت نقاشا مطولا بين مجموعة من الأساتذة والمعلمين إلى أن نال المعهد الترخيص الرسمي سنة 1994 وبدأ انطلاقته العملية سنة 1997 بفصل واحد وستة طلاب واليوم في عامه العشرين يفخر المعهد بأن طلابه يزيدون على 2500 طالب.
الأخبار: ماذا عن المحتوى الدراسي في المعهد؟
أحمد سالم ولد محمد عبد الله: يعمل المعهد وفق مسارات:
- مسار التعليم النظامي عبر ثلاثة فروع في نواكشوط وبوكي وروصو
- مسار التعليم المحظري في أكثر من 10 محاظر ومراكز قرآنية في ولايات الضفة الأربع وولاية نواكشوط الجنوبية والحوض الغربي
- مسار تعليم الناطقين بغير العربية: عبر الدورات المتخصصة للكبار والأطر والراغبين في تعلم اللغة العربية بطرق أكثر حداثة ومناسبة للظروف والانشغالات.
ـ مسار محو الأمية: ويستهدف الفئات الأمية، ونركز فيها على وكلاء التلاميذ المستهدفين وكذا القرى والمناطق التي تعمل فيها فروع ومحاظر المعهد.
• التعليم النظامي: ويبدأ من الابتدائية إلى مرحلة الثانوية وفق منهج معد سلفا، يتخرج الطالب يحفظ القرآن وحاصل على الباكلوريا الأصلية أو مستواها.
يتمكن الطالب في الفصول النظامية من الحفظ الكامل للقرآن الكريم موزعا على المراحل الثلاث (مع عدد من المتون الفقهية واللغوية المعتمدة في المحاظر الموريتانية، إضافة إلى بقية المهارات والمعارف الضرورية.
• الوحدة المتخصصة للتعليم: وهي وحدة أكاديمية تقدم دروس التقوية والدورات التعليمية المتخصصة وفق منهج عصري، ويستفيد منها في الغالب الموظفون والطلاب الجامعيون والأجانب الراغبون في دراسة اللغة العربية في موريتانيا.
• التعليم الأصلي : يتوزع على نظامي المحظرة التقليدية والمراكز القرآنية المتخصصة.
- المحاظر: تدرس في الغالب حسب الطريقة التقليدية مع بعض التطوير في طرق التدريس ووسائله.
- المراكز القرآنية هي مراكز متخصصة في تحفيظ القرآن الكريم وفق آليات حديثة مستفيدة من التجربة المحظرية المعروفة، وهذه تجربة ناشئة أقل من ثلاث سنوات، وقد حققت نجاحات معتبرة.
- حلقات التحفيظ: وهي حلقات تقدم في المساجد والمدارس للراغبين ممن لا يستطيعون الالتحاق بالمحاظر أو المراكز بسبب السن أو الانشغال ، روادها من الكبار في الغالب ، يحفظ فيها جزء سنويا مع إتقان التجويد.
• محو الأمية : محو الأمية خاص بغير المتعلمين ويشمل محو الأمية الأبجدية وكذا الدينية. يتخرج منه سنويا حوالي 300 فرد وأغلب المستفيدين منه من ربات الأسر والفتيات الريفيات والمسنين الأقل حظا من التعليم.
• الأنشطة اللاصفية: وتشمل عددا من التخصصات الثقافية والتوعوية المهمة ومن أبرزها:
- الرحلات الدعوية: هو نشاط دعوي وتعليمي يشمل رحلات من حين لآخر طيلة السنة، ويتحول في الراحة الصيفية إلى نفير واسع يشمل في الغالب أكثر من 60 تجمع من المقرر أن يبقى فيها الداعية شهرا.
- المخيمات الصيفية: وهي مخيمات سنوية تختار لها تجمعا في الداخل، ويستقطب الكثير من شباب القرى المجاورة ، وفائدته كبيرة.
- المحاضن العلمية المستمرة: وهي تجربة حديثة استهدفت في البداية أئمة بعض القرى، وفق برنامج محدد، ثم فيما بعد مجموعة نساء في بعض القرى.
- دورات الأئمة والمدرسين: دورات تتم سنويا تستهدف الأئمة في الفئات المستهدفة والمدرسين التابعين للمعهد.
- مناشط النادي الطلابي: وتشمل مختلف الأعمال الطلابية في الرسم والخطابة والإبداع الكتابي والفني، والإذاعة المدرسية والنشريات والمطويات والمجلات الحائطية التي يعدها الطلاب.
الأخبار : ما هي حصيلة هذا العمل؟
أحمد سالم ولد محمد عبد الله: الحصيلة متواصلة، والإنجاز مستمر ومن أبرز ملامحه:
- حالة الانتشار الأفقي: التي تشمل الآن أكثر من 2500 طالبا من الفئات الهشة، يحصلون على تعليم نوعي حافظ للهوية، ومساعد على ولوج سوق العمل، وأكثر هؤلاء كانوا عرضة لعدم ولوج التعليم أصلا.
- نجاح نوعي عبر أكثر من 40 خريجا من المعهد من الحاصلين على الباكلوريا، ومن بينهم الآن طلاب جامعات ودراسات عليا في مختلف شعب العلوم الإنسانية في جامعات محلية وأخرى خارجية.
إضافة إلى أكثر من 130 حافظا للقرآن الكريم من الفئات الأقل حظا من التعليم من بينهم أكثر من 40 مجازا في قراءة نافع، وحوالي 30 من النساء وتقديرنا أن هذا العدد سيرتفع بعد أربع سنين إلى قرابة 500 حافظ بعون الله تعالى.
نشاط دعوي نوعي يستهدف الفئات الأقل حظا من التعليم في الريف، أسهم بعون الله تعالى في محو الأمية عن مئات من النساء الريفيات وهذا دون شك عمل نوعي نرجو من الله تقبله وتسديده والتوفيق لاستمراره.
الأخبار : ما هي أبرز العوائق أمام عملكم؟
أحمد سالم ولد محمد عبد الله: العوائق كبيرة أمام هذا العمل، وثروة الأمل في الله وافرة جدا، وقد كان من العوائق السابقة عائق رفض المستهدفين لولوج أبنائهم إلى هذا النمط من التعليم العربي اللسان والمحتوى، وقد ذلل الله هذه العقبة، وأصبح الاستيعاب الآن عائقا، إذ الإقبال أكثر من القدرة الاستيعابية للمعهد، والتي وصلت العام الماضي 41% من حجم الإقبال.
كما أن العائق المادي يقف حجرة أمام المعهد، حيث أن تكلفة هذا العمل تتزايد والموارد شبه معدومة فلا يملك المعهد أوقافا ولا موارد تدر عليه ريعا للاستمرار، وكان اعتماده بعد الله تعالى على بعض الكفالات وعون بعض رجال الأعمال، وهي فرصة لأذكر بالدعاء والرحمة الأخ الفاضل سيد أحمد ولد سيد ألمين، فقد كان أهم داعم للمعهد، ودون شك تضررت قدرات المعهد بعد وفاته.
كما أنها فرصة أن أدعو النخبة المهتمة بتعليم العربية ونشر معارف القرآن الكريم إلى زيارة المعهد والاطلاع على تجربته وإلى الإسهام في رفدها وتطويرها فهي بإذن الله تعالى دعامة أساسية لخدمة الإسلام وحماية الوحدة الوطنية، وترسيخ الهوية الوطنية، وتعميم التعليم النوعي الجامع الهادف إلى الوحدة والتكامل والإخاء.
الأخبار : شكرا لكم