في الحقيقة، عندما علمت بصدور العدد الأول من "الأخبار" قلت لنفسي: "هذه مجازفة غير مأمونة العواقب!"؛ كنت أرى أمامي واقعا يدفع لفشل أي تجربة في الصحافة المكتوبة، فهذه ممارسة طاعنةٌ في الوجع، عاشت فتراتها الذهبية سابقا، وأصبحت في الوقت الحالي آيلةً إلى الانحطاط وسوء السمعة والمنقلب.
وكنت أرى أمامي بالمقابل تاريخا مشرفا ومسلسلا من المصداقية والنجاحات ومكانة مرموقة يتبوأها موقع "الأخبار إينفو" الإلكتروني، فهل يسعى كل هذا النجاح إلى قتل نفسه من خلال إطلاق صحيفة ورقية؟ هذا ما دار بخلدي، فوشوشت لنفسي أنْ "خير اللهم اجعله خير".
لم أكن خائفا فقط من فشل هذه التجربة، وتوقفها بعد العدد العاشر أو العشرين؛ بل كان خوفي الحقيقي من أن يجر ذلك الفشل ذيوله على كل ما بناه الموقع الإخباري المتميز على امتداد سنوات من انتزاع الصدارة والبقاء فيها.
ولا أخفيكم سرا أن العدد الأول بدا لي شاهقا إلى الحد الذي أثبت لي شكوكي، فالمنطق يقول إن الأشياء لا تبدأ كبيرة هكذا إلا إذا كانت تستعد لهبوطها إلى السفح لاحقا.
والحقيقة أنني وإن لم أكن متابعا مستمرا ووفيا للصحيفة منذ مغامرتها الأولى قبل مائتي خطوة من الآن، إلا أنني اطلعت على نصف التجربة تقريبا، وأعترف هنا أن كل شكوكي وتصوراتي لتشاكيل الفشل المرتقب كانت خاطئة، وهذه للأمانة إحدى المرات النادرة التي يثلج فيها صدري أن أكون مخطئا.
المدهش في تجربة صحيفة الأخبار أنها بنت زورقا ورقيا من بقايا مركب عملاق يغرق في الوحل والظلام وجعلته يطفو لينجوَّ ويُنْجيَ.
فالبداية الشاهقة واصلت مطاولة نفسها والتفوق على قامتها الفارعة مرة بعد أخرى، فلم تركن للسقوط أو الانحناء، بل واصلت مد كفها للأعلى ومصافحة المستحيل في عقر غيمته العالية.
لم يخلُ عدد من مادة صحفية دسمة تثير لعاب الفضول، وتمنح القارئ هدية مغلفة بعناية في كيس من المهنية وهتك أسوار الملفات الغامضة وتجاوز الأسلاك الشائكة بقدر كبير من المزج بين السبق والمصداقية واحترام أخلاق المهنة.
فتحية للذين أداروا الفكرة بأذهانهم ذات يوم، وقرروا أن يضعوا إيمانهم وخبراتهم وتجاربهم على حاجز المجازفة، ويطلقوا لحلمهم وطموحهم العنان دون حواجز؛ تحية لطاقم الأخبار فردا فردا وقلما قلما.
لئن كان إيماني بصحيفة الأخبار بدأ مهزوزا وموسوما بالشك، فإنه الآن مكتمل ومضمخ باليقين.