حينما صدر العدد الأول من الأخبار إنفو قبل نحو سنتين لاحظت أن الساحة الوطنية قد ازدانت بمولود صحفي مختلف: ثراء في المحتوى، وجودة في التحرير، ورصانة في التناول، ونفس استقصائي قوي لا عهد لصحافتنا المكتوبة، لكني توقعت في نفس الوقت أن هذا لن يدوم لأن العمل الصحفي الجاد الذي لا يقوم على النسخ واللصق يحتاج إلى مثابرة كبيرة، وتضحيات جسام، وجهد جبار لا تساعد عليه الظروف المهنية والسياسية الحالية. كما أن الإصرار على إصدار صحيفة ورقية جديدة في خضم الثورة الالكترونية الطاغية وخاصة في بلادنا أصبح من قبيل التحدي المحقق خسارته سلفا..
ثم استمرت الأخبار إينفو -بعناد على ما يبدو- في الصدور المنتظم، وفِي كل عدد كان هناك جديد قوي لا شك أنه ثمرة عمل شاق ومتعب يفرض نفسه على القارئ، حتى أصبح يوم صدور هذه الصحيفة الناشئة يوم انتظار لحدث بارز أو تحقيق معمق أو سبق صحفي متميز..
وظلت الأخبار إينفو على نفس الدرب حتى وصلت إلى عددها المائتين في ما أعتبر أنه يشبه المعجزة بالنظر إلى المثبطات الكثيرة التي تحيط بالعمل المهني الجاد، وبالنظر إلى الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية الصعبة..
طبعا لا بد أن هذا النجاح الكبير تقف وراءه عوامل متعددة: تجربة مهنية طويلة، إصرار دائب على التميز، وحماس منقطع النظير، وأهم من كل هذا الحرص على المصداقية، والالتزام بالجودة، والقيمة المضافة، وحرية التعبير والتناول، والحرص على التجرد وعدم التخندق.. فكل هذه العوامل مكنت هذه الصحيفة الناشئة بمقياس الزمن لكنها تربعت على عرش الصحافة الورقية بسرعة.. أعتقد أنها أصبحت هي الأمل الجديد لنا في عالم الإعلام اليوم..
لكن أهم ملاحظة عندي بخصوص هذه الصحيفة هي أنها باتت أحد أهم المصادر -إن لم تكن المصدر الوحيد-
للتحقيقات الاستقصائية في بلد تجربته في هذا المجال محدودة، والمعلومة فيه محاصرة من كل الجوانب، وممنوعة من السفر، ومع ذلك لا نجد توثيقا لهذه التحقيقات خارج نشرها في أيام صدورها في الصحيفة التي هي بصيغة تابلوييد -وهي صيغة غير معهودة أصلا للاقتناء الدائم- أو عبر المواقع الإخبارية، وقد آن الأوان لتجمع هذه التحقيقات أو أهمها في سلسة تنشر على شكل كتيبات دورية أو سنوية يستفيد منها القرّاء والساسة، وتصبح شاهدا على حقبة معينة من التاريخ، كما توثق هذا الجهد المهني القوي، وتمثل وسيلة مستقبلية للتذكير، ومصدرا موثوقا للمعلومات.