على مدار الساعة

هل بيرام بالفعل هو رجل المرحلة؟

6 أبريل, 2018 - 00:44
محمد محمود العتيق - atigg2016@gmail.com

في سياق الحديث عن ما بعد المأمورية الثانية وانتقال السلطة في بلادنا هناك أمور مهمة يجب على المتصدرين للشأن السياسي أخذها بعين الاعتبار وعلى رأسها قضية لحراطين التي انتقلت من البعد الحقوقي المقتصر على النضال من أجل المساواة ووقف التمييز ضد لحراطين والقطع مع الممارسات الاسترقاقية وكل آثارها داخل المجتمع إلى البعد السياسي والاهتمام بالشأن العام والطموح المتزايد والمشروع في المشاركة السياسية الفاعلة في الدولة والمجتمع، ولا جدال في أن هذا حقهم الطبيعي.

 

إن سعي لحراطين ممثلين في حركة إيرا وزعيمهما بيرام الداه اعبيدي للتنافس على الحكم لا يجب أن يكون مثارا للقلق من أي قوى سياسية في هذا البلد، بل بالعكس من ذلك يجب أن يكون مثار تشجيع ومباركة من تلك القوى وذلك لاعتبارات عدة أهمها أن إدارة كفة الحكم من قبل أحد كوادر هذه الشريحة يعطي للبلاد فرصة أكبر في التخفف من كثير من الأعباء والقيود المعيقة لأي إصلاح حقيقي.

 

وتتربع على تلك الأعباء القبيلة ودور.ها السلبي الذي لا يختلف عليه اثنان في هذا البلد والذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من تدهور على كافة المستويات وضعف لمؤسسات الدولة وتغول القبلية والجهوية والمحسوبية والرشوة والمحاباة حيث إنه من المعروف أن هذه الشريحة لا تلعب فيها تلك العلاقات الاجتماعية ذلك الدور السلبي الذي تلعبه في شريحة البيظان وهذه الملاحظة أعتقد أنها ليست محل خلاف كبير.

 

أما الاعتبار الثاني فأعتقد أنه يتمثل في ارتفاع منسوب الوعي والنضال والاستعداد لدفع التكاليف المترتبة على ذلك عند نخبة هذه الشريحة ممثلة في حركة إيرا التي أثبتت السنوات الأخيرة الحجم الكبير الذي تتمتع به من طول النفس في النضال والاستعداد للتضحية في سبيل قناعاتها وهو ما يجعلها ثروة نضالية مهمة لافتكاك الدولة من العسكر ويؤهلها للعب أدوار مهمة في ذلك المجال لو وجدت ما يكفي من الدعم السياسي من باقي الأطياف السياسية التي تقول إنها تسعى لتحييد الجيش عن السلطة وإقامة دولة العدالة والمساواة.

 

أعتقد أن على كثير من نخبنا السياسية أن تتحلى بقليل من التواضع وتنأى بنفسها عن موقع أستاذية المجتمع وإعطاء الحق لنفسها في تصنيف الفرقاء وتوزيعهم بين متطرفين ومعتدلين وتوزيع شهادات الوسطية والاعتدال عليهم.

 

إن الموقف المتوجس من حركة إيرا وزعيمها بيرام ول اعبيدي والنظر لهم على أنهم متطرفين وعنصريين يجب أن يكون شيئا من الماضي.

 

أعتقد أنه لو لم يكن بيرام وحركته موجودين لما كان لأصحاب الخطاب الأقل راديكالية في نظر المجتمع البيظاني ونخبه السياسية أي قيمة تذكر بدليل أنه قبل ظهور بيرام كان يقال نفس الشيء تقريبا عن مسعود وحركة الحر ويتهمون بالعنصرية وحين ظهرت منظمة نجدة العبيد كانت نفس الاتهامات وغدا لو ظهرت حركة أكثر راديكالية من إييرا وحملت السلاح في وجه المجتمع والدولة لتحول بيرام إلى أيقونة للنضال السلمي وأصبح المجتمع يتعلق به وبحركته لاحتواء تلك الحركة العنيفة وهذا الأمر ليس بالمستبعد في ظل رفض المجتمع ونخبه لخطاب بيرام وحركته وموجات التكفير والتشنيع التي تطاله وهذا الأمر بالنسبة لمن درس التجربة الجنوب إفريقية يدركه جيدا فالسبب الذي جعل البيض في جنوب إفريقيا يعيدون الاعتبار لمانديلا بعد أن كاد المجتمع الجنوب إفريقي ينساه وبعد أن تطور خطاب الأفارقة السود تجاه البيض وصار أكثر عنفا بدأت السلطات العنصرية في إعادة الاعتبار لمانديلا بعد أن كان مرميا في جزيرة روبن 25 سنة فبدؤوا بالمفاوضات السرية معه وبدؤوا يستجلبون المنظمات الغربية لزيارته في السجن ويحركون الإعلام الأجنبي والمحلي للحديث عنه والترويج له وترميزه ليطلقوا سراحه لاحقا ويسلموا له البلد وذلك بهدف كبح جماع التطرف والعنف والكراهية التي استشرت ضد البيض وكادت أن تحول البلاد إلى حمام دم وموجات انتقام حادة كانت ستودي بجنوب إفريقيا وتفككها إلى الأبد.

 

ولو لم يستلم مانديلا وجيله من قيادات حزب المؤتمر الوطني الإفريقي زمام المبادرة ويقودوا المجتمع والدولة إلى مصالحة تاريخية لكان لمصير جنوب إفريقيا حكاية أخرى.

 

والفضل في هذا المسار يرجع بالدرجة الأولى إلى السياسة الحكيمة للحزب الوطني الحاكم في جنوب إفريقيا ورئيسه فيدريك دكرالك والذي كان يمثل حكم البيض في حينها إلا أنه آثر مصلحة المجتمع والدولة وقدم التنازلات الكبيرة والتي أفضت في النهاية لتسلم مانديلا زمام الأمور وهذا التنازل من طرفه شيء عظيم أنقذ جنوب إفريقيا ولذلك اعترف له العالم بالفضل وسلمه جائزة نوبل مناصفة مع منديلا لأنه في الحقيقة لا يقل تضحية عنه وبالتالي أعتقد أن حاجتنا اليوم لزعماء سياسيين عاقلين على شاكلة دكلارك تفوق بكثير حاجتنا لمناضلين عاقلين مثل مانديلا.