الأخبار (الحوض الشرقي) – تواجه مناطق واسعة من وسط وجنوب وشرق موريتانيا جفافا أتى على الغطاء النباتي الذي كان محدودا هذا العام بفعل ضعف التساقطات المطرية المسجلة فيه، فيما تشهد المنطقة نذر مجاعة شاملة بفعل فشل الموسم الزراعي العام الماضي، وهجرة غالبية القطعان في الحوضين وأجزاء من العصابة إلى الأراضي المالية بحثا عن المراعي.
ويزداد تأثير الجفاف، وتتضافر نذر المجاعة في البوادي والأرياف في ولايات العصابة والحوضين، حسب أحاديث سكان هذه المناطق، ومشاهدات فريق الأخبار التي تجول فيها لأكثر من أسبوع، وحاور السكان، والمنتخبين، وعاين طرق عيش الناس، ومعتمد غذائهم، إضافة لأرقام برنامج الغذاء العالمي، والتي تحدثت عن قرابة 750 ألف جائع.
ففي مناطق غير بعيدة من الحدود مع مالي في ولايتي الحوضين الشرقي والغربي أضحى السكان يعتمدون – بشكل شبه كامل – على الذرة الصفراء، ويصنعون منها حساء، فيما يبدون استياءهم من الزيادات التي عرفتها أسعارها خلال الأسابيع الأخيرة، والتي أوصلت مدها إلى أكثر من 500 أوقية.
ويقول التار ولد محمود من سكان ضواحي كوبني بالحوض الغربي إن السكان في وضعية صعبة، المواد التي اعتادوا الاعتماد عليها في غذائهم إمام اختفت بسبب فشل الموسم الزراعي الأخير، أو ارتفعت بشكل مذهل يجعلهم عاجزين حتى عن التفكير في شرائها.
أما يم بنت ادوي فتقول إن الناس تواجه الموت جوعا، ولا تجد ما تسد به رمقها، مؤكدة أن غالبية سكان القرى والأرياف يشتركون في الظروف ذاتها، ويواجهون نفس المخاطر، وتستغرب بنت ادوي توقيف الحكومة لتزويد حوانيت برنامج أمل بالتزامن مع اشتداد الحاجة إليها، وخصوصا في المناطق الريفية، وتدعو لتدخل عاجل وموسع لإنقاذ الساكنة.
كما تنعدم المراكز الصحية في أغلب القرى وآدابة، ويقتصر وجودها على عواصم البلديات أو المقاطعات، فيما يقول السكان إن مسؤوليها كثيرو التغيب عن أماكن عملهم، كما يشكون ارتفاع أسعار الأدوية.
وقع أشد على الأطفال
ويواجه أطفال المنطقة أوضاعا غذائية وصحية أصعب في هذه المناطق، حيث يعاني العديد منهم على طول شريط ينتظم ولايتي الحوضين من هزال شديد، إضافة لأمراض كثيرة من بين الإسهال والدائم، والحمى، وذلك في ظل غياب شبه كامل للمراكز وللطواقم الصحية في المناطق التي تجول فيها فريق الأخبار في آدوابه والقرى على الشريط الحدودي بين الولايتين، وعلى حدودهما مع مالي.
كلمة واحدة كانت تتكرر على لسان أكثر من أمٍّ في آدوابه والقرى التي زارتها الأخبار: "لا مشكلة للأطفال سوى الجوع. إنهم لا يجدون ما يأكلونه"، ويشهد للأحاديث الأمهات مظاهر الأطفال، وتأخر نموهم، والنقص الحاد في أوزانهم، وأعراض الإصابة بمرض سوء التغذية البادية عليهم.
ويناشد السكان السلطات والمنظمات الدولية الإغاثية والخيرية التدخل لمساعدتهم وإنقاذهم قبل فوات الأوان، مبدين تخوفهم من تطور الأوضاع إلى الأسوء في ظل وصولها إلى هذا المستوى قبل بداية أشهر الصيف – بالنسبة لهم – التي تبدأ من شهر مايو.
وقف لـ"الأمل"
وبالتزامن مع تصاعد الجفاف، وتزايد نذر المجاعة في الداخل أوقفت الحكومة تزويد حوانيت برنامجها لتوفير المواد الأساسية بأسعار مدعومة، حيث يعود وصول آخر شحنة من المواد الغذائية لهذه الحوانيت إلى العام 2017.
وأبدى سكان القرى التي زارها فريق الأخبار في العصابة والحوضين، وخصوصا كيفة، والعيون، وكوبني، وجكني، وتمبدغة، والنمعة تضررهم واستغرابهم لتوقيف مكونة المواد الغذائية من البرنامج، وتزامن ذلك التوقيف مع اشتداد حاجة السكان للدعم، فيما أكد مسيرون لهذه الحوانيت في ضواحي كوبني وجكني خلو حوانيتهم من المواد الغذائية طيلة الأشهر الثلاثة الماضية، وتحدثوا عن تردد السكان عليهم بشكل دائم يسألون عنها، وعن تضرر غالبيتهم من توقفها بسبب عجزهم عن شراء ضرورياتهم من الأسواق العادية.
فيما قال إبراهيم ولد محمد وهو مسير أحد دكاكين "أمل" بكوبني أن تزويد دكانه بالمواد الغذائية تم آخر مرة في مطلع العام الجاري، مشيرا إلى أن المعلومات التي لديه تؤكد سعي مفوضية الأمن الغذائي لتزويد دكاكين "أمل" في أقرب وقت.
أما مسير دكان أمل في قرية لكليبيات التابعة لاغليك أهل أوجّه بين مدينتي كوبني وجكني أن السكان يلاحقونه يوميا بالسؤال عن أسباب التأخر في تزويد الدكاكين بالمواد الغذائية المدعومة، فيما قال لبات ولد اميليد مسير دكان "أمل" في قرية شرواطة التابعة لمقاطعة جكني فقال للأخبار إن سكان القرية ضعفاء محتاجون، مشيرا إلى أن أوضاعهم المادية صعبة للغاية وقد تأثروا كثيرا بتوقف تزويد دكان قريتهم بالمواد الغذائية المدعومة من الحكومة منذ أربعة أشهر.
المنسق الجهوي لمفوضية الأمن الغذائي CSA بالحوض الشرقي آدم افال فأوضح في حديث للأخبار أن المفوضية تعمل على تزويد الدكاكين التابعة لها في الولاية قريبا، مشيرا إلى أن المفوضية زودت الدكاكين في الفترة الماضية بدفعة من العلف المخصص لدعم المنمين في انتظار تزويدهم قريبا بالمواد الغذائية المدعومة.
الثروة في خطر
تقدر وزارة البيطرة الموريتانية عدد الثورة الحيوانية في البلاد بـ23.139.933 رأسا، موزعة على 11.816.395 من الضأن، و7.924.735 رأسا من الماعز، 1.907.420 رأسا من البقر، و1.473.383 رأسا من الإبل.
وتتضرر كل أنواع الثروة الحيوانية بالجفاف الذي يضرب البلاد، غير أن وقع الجفاف على البقر أشد، وتتركز غالبيته في ولايات الوسط والشرق والجنوب.
وتتواتر أحاديث المنمين وملاك الأبقار وحتى السكان العاديين أن وقع الجفاف بدأ مبكرا هذا العام، حيث اضطروا للعودة لتقديم الأعلاف لقطعانهم منذ نهاية 2017، فيما هاجرت نسبة كبيرة من القطعان إلى الأراضي المالية.
ويشتكي المنمون الذين غادروا إلى الأراضي المالية من قلة مياه الشرب، ومن ما يصفونه بالمضايقات التي يعرضون لها عند مغادرتهم من ولاية إلى ولاية أخرى، حيث تفرض كل ولاية عليهم إتاوة خاصة، معتبرين أن الماليين لا يعاملون مثل هذه المعاملة في موريتانيا.
وتقدر القطعان المتضررة بمئات الآلاف من الأبقار، فيما بدأت الخسائر تسجل في صفوفها خلال الأسابيع الأخيرة، وفرضت أوضاعها على ملاكها مواكبتها بشكل دائم لمساعدة الضعيف، والبحث لها عن الأعلاف.
عجز.. وسوء توزيع
ويصف المنمون في ولايات العصابة والحوضين الكميات التي وصلت إلى الآن من الأعلاف التي قالت الحكومة إنها ستوفرها بـ"القليلة"، مؤكدين أن لا تغني شيئا عن قطعانهم، ووصفها بعضهم بأنها أشبه بالسخرية، حيث يحصل مالك العشرات من الأبقار على خشنة واحدة.
وأكد منمون في المنقطة الحدودية بين الحوضين الشرقي والغربي أن البرنامج الاستعجالي الذي أعلنته الحكومة الموريتانية بهدف توفير الأعلاف أوقعهم في "فخ"، مؤكدين أن من سقطوا فيه يحاولون الآن – ربما بعد فوات الأوان – تلافي الأمر، وإنقاذ ما بقي من أملاكهم التي تواجه الموت جوعا بفعل انعدام أي أثر للبرنامج، وعجزهم عن توفير الأعلاف على حسابهم الخاص.
وقال المنمي المامي ولد جغدان – وهو أحد سكان قرية دار السلام – إن إعلان الحكومة جعلهم في ورطة، حيث لم يتخلصوا من القطعان ببيعها حين كانت لها قيمة، كما لم يغادروا بها خارج البلاد إلى الأراضي المالية أيام كانت قادرة على ذلك، ومع تأخر البرنامج كان عليهم أن يواجهوا مصيرا لا يعرفون نهايته إلى الآن.
وحول حصص المنمين من برنامج توفير الأعلاف قال المنمي شيخنا ولد معيوف إن حصته لم تتجاوز 3 خشنات من الأعلاف رغم أن لديه 180 بقرة، يطعمها يوميا خمس خنشات، فيما ناشد المنمي صالح ولد سيد حمد ولد سيدي الدولة الموريتانية بإثبات وجودها من خلال إغاثة المنمين، مؤكدا أنهم لم يجدوا أي مساعدة من الحكومة إلى الآن سوى خنشة واحدة منذ أشهر، واصفا أوضاع الثروة الحيوانية في المنطقة بأنها صعبة.
حديث المنتخبين
عمدنا كوبني بولاية الحوض الغربي عثمان ولد سيد أحمد لحبيب، وجكني بولاية الحوض الشرقي امهادي ولد شيخنا تحدثا للأخبار عن واقع المناطق التابعة لبلديتهما، واتفقا على أن الثروة الحيوانية تواجه مخاطر غير مسبوقة، وطالبا بتدخل سريع لإنقاذها.
عمدة كوبني ولد سيدي أحمد لحبيب أكد أن الأيام المقبلة ستعرف "كارثة في الثروة الحيوانية إذا لم يتم التدخل، وحتى إذا تم التدخل فأخشى أن يكون بعد فوات الأوان للأسف الشديد، لأن الحيوان إذا تدهورت أوضاعه في مثل الظروف الحالية لن ينفع فيه التدخل أو تقديم الأعلاف بعد ذلك، لأن "سكين الترقوة" وصل إلى ما وصل".
ووصف ولد سيدي أحمد لحبيب هذه السنة بأنها سنة صعب على السكان، مشيرا إلى أن "الدولة لم تبخل أي جهد في إطار عملية توزيع الأعلاف الحيوانية"، لافتا إلى أنه "يمكن أن لا تكون أخذت الطريقة التي ينبغي أن تأخذها لتصل الأعلاف إلى المواطنين بشكل جيد، لكنها لم تبخل شيئا، وقد سجل نقص في طريقة إيصالها للمواطن، ويمكن أن لا تكون مرضية، وحتى نحن لم نرض عن الطريقة التي تمت بها، ليس من قبل عمل اللجان المشرفة عليها، وإنما على الطريقة التي اعتمدت فيها أصلا".
وشدد ولد سيدي أحمد لحبيب على أن كمية الأعلاف التي وصلت كوبني غير كافية، قائلا: "من حيث الكمية كل ما وصلنا في العام الحالي هو 100 طن، مقسمة على سبع بلديات، وكانت بلدية كوبني أصغرهم حصة لأنها الأقل من حيث الثروة الحيوانية، حيث منحت 10 أطنان من هذه المائة طن، وهي بالقطع غير كافية"، مردفا بالقول: "نحن لا تكفينا إلا 10 آلاف طن، فكوبني منطقة كبيرة، وفيها ثروة هائلة، ولا تنفعه 10 أطنان، لا بد له من كمية أكبر بكثير من الأعلاف الحيوانية لتغطية حاجية الماشية".
أما عمدةة جكني امهادي ولد شيخنا فأكد أن المجاعة تتهدد المواطنين في المنطقة بفعل موجة الجفاف التي تنذر بتدهور أعداد الثروة الحيوانية، داعيا الحكومة إلى تدخل ميداني حقيقي، مذكرا بارتباط حياة المواطن في الشرق الموريتاني بثروته الحيوانية، مشيرا إلى أن المواد الغذائية باتت تشهد غلاء في الأسابيع الأخيرة.
وعن تعليقه على المساعدات الحكومية من الأعلاف لصالح المنمين اعتبر عمدة جكني أن هذه المساعدات قليلة بحيث لا يحصل مالك 1000 رأس من البقر على أكثر من طن واحد منها.
وأكد العمدة أن حدود 95% من الثروة الحيوانية في البلدية قد توجهت نحو جمهورية مالي بحثا عن المرعى والأعلاف، لافتا إلى أن المنمّين هناك يعانون من ارتفاع تكاليف الانتجاع في ظل ندرة المياه.
بداية مبكرة وتعثر
ورغم إعلان الحكومة الموريتانية مبكرا عن إطلاق برنامج استعجالي لتوفير الأعلاف، وإرسال مفوضية الأمن الغذائي لأسطول شاحنات محملة بالأعلاف منذ ديسمبر 2017، حيث أكدت مفوضة الأمن الغذائي نجوى بنت الكتاب في كلمة بالمناسبة أنه سيتم توفير الأعلاف بكميات كافية في جميع دكاكين أمل المنتشرة في كافة المدن الداخلية والبلديات والقرى الريفية.
فيما أعلنت وزيرة البيطرة فاطمة فال بنت اصويتع يناير الماضي أن البرنامج الاستعجالي لتوفير الأعلاف لن يبدأ تنفيذه قبل فبراير، غير أن المنمين الذي التقتهم الأخبار في ولايات العصابة والحوضين في النصف الأخير من شهر إبريل قالوا إن بداية البرنامج كانت متعثرة، وإن كمياته قليلة، وطريقة توزيعه غير شفافة.
وطالب المنمون باعتماد الطريقة التي اعتمدت إبان موجة جفاف 2003، معتبرين أن الأعلاف آنذاك توفرت بكميات كافية وللجميع.
نقلا عن صحيفة الأخبار إنفو الأسبوعية