على مدار الساعة

التعليم يحتضر فهل من مسعف؟

29 مايو, 2018 - 02:43
الأستاذ: أحمد سالم ولد بزيد - باحث

من نافلة القول إن التعليم ضرورة حياة إذ لا يمكن لأي مجتمع ينشد الرقي الاستغناء عن تطويره والاستثمار فيه بغية نيل مكانة في عالم يسير وبسرعة فائقة نحو التطور الناجم عن تقدم البحث العلمي في كل مجالات الحياة. غير أن هذه الآية نجدها معكوسة تماما بالنسبة لساكنة هذا المنكب البرزخي، حيث لا تزال برامج التعليم بمختلف مستوياتها عصية على التحديث مقاومة بذلك كل إمكانية للتطور والنهوض بالبلد. الأمر الذي دفعني إلى طرح سؤال من قبيل ترى من المسؤول عن إيصال التعليم إلى مثل هذه الحالة من المرض المزمن، وتركه يصارع الموت دون محاولة جادة لإنقاذه؟

 

صحيح أنني لست أول من يطرح هذا السؤال ولا من يحاول تشخيص الواقع وتقديم الحلول، لكن صحيح أيضا أن الكثير من الأطروحات السابقة في هذا المجال تنقصها الموضوعية والشفافية، ذلك أن المعارضين للنظام غالبا ما يلقون بالتهمة عليه معتبرين إياه المسؤول الأول عن مشكل التعليم في حين ظلت الجهات الرسمية بدورها متخذة لنفسها موقفا دفاعيا مستخدمة ماكينتها الإعلامية لدرء التهمة عن نفسها ولترويج إصلاحات زعمت القيام بها في هذا المجال. غير أن محورية الموضوع تأبى علي التخندق مع هذا الفريق أو ذاك حيث من الضروري تجاوز كل ذلك إلى وضع اليد على الجرح وتنظيفه ومن ثم وضع الدواء، وقبل وضع الدواء ينبغي تشخيص الداء وداء التعليم عضال كما هو معلوم في هذا البلد، فتجربة بسيطة لم تتجاوز أشهر معدودة نبهتني أن الوضع أكثر من خطير، ففي الثانوية تجد طلابا لا يحسنون القراءة ولا الكتابة، أما التعبير والإملاء فتلك مرحلة ترف فكري بالنسبة لهم.

 

والحق أقول إن المسؤول عن هذه الحالة ليست الحكومة ولا الوزارة الوصية بل تقع على زملائنا المعلمين في المرحلة الابتدائية الذين سمحوا لهم بالتجاوز من فصل لآخر دون استيفاء الشروط الكافية لذلك، وهم بذلك يقعون في الخطأ مرتين، ففي الأولى ضيعوا مستقبل جيل كبير من المجتمع عن طريق إيهام ذويه بكفاءته، وفي الثانية أضروا أنفسهم من حيث لا يشعرون، حين لم يدركوا أن وجود طالب في المرحلتين الثانوية والإعدادية لا يحسن القراءة والكتابة والتعبير أمر يعد مبررا لعدم وجود مهمتهم في المرحلة الابتدائية، وهي الأهم لأنها ستحدد مصير التلميذ في المستقبل. والنتيجة هي ضعف في المستوى يظل مصاحبا للتلاميذ حتى يلقي بهم في خانة الفشل والتسرب.

 

وإليكم أمثلة من ذلك الضعف والتدني في المستويات حسب مشاهدتي وما سمعت، فمن مشاهدتي أن تلاميذ الإعدادية والثانوية لا يستطيعون الكتابة عن طريق الإملاء بل إنهم لا يقرؤون ما كتب لهم حتى وإن كان ممحصا. أما عن الفهم فلا تسأل عن عجزهم عن استيعاب كل المواد على بساطة بعضها وكأن القائل عناهم يوم قال:

 

أقول له زيدا فيسمع خالدا *** ويكتبها عمرا وينطقها بكرا

 

ففي أحد الفصول بلغ القوم من السذاجة بحيث رسمت شكل الأرض ووضعت خط الاستواء وسألتهم ما هذا بعدما أشبعته توضيحا في الحصة الآنفة فكانت الإجابة هذه بيضة والخط الذي في وسطها يرمز إلى نصفها، وفي قسم آخر يعجز التلاميذ عن وضع حل لعمليات حسابية كان من المفترض أن يتقنوا التعامل معها في مرحلة الروضة أو الابتدائية. فلئن سألت عن عشرين مقسومة على أربعة يجيبون ثلاثين أو أربعين، ولئن سألت عن إعراب بسيط الكلام يأتوك بمنكر وكبائر في هذا المجال، وفي العروض يمزجون بين بحور الشعر وباقي البحار والمحيطات، هذا هو حالهم مع اللغات الأعجمية فلا عرب هم ولا عجم.

 

ومثل ما أن المدرس يتحمل جزءا من المشكلة فالوزارة الوصية وكذا المجتمع يتحملان الأجزاء المتبقية. فالمناهج تغير تبعا لهوى هذا الوزير أو ذاك في جهل أو تجاهل تام لأهمية التراكم في العملية التعليمية فكلما جاءت أمة لعنت أختها.

 

ثم إ ن الآباء أنفسهم مذنبون وذلك لتكاسلهم عن متابعة أبناءهم في يومياتهم في المدرسة. هذا إذا هو داء التعليم وما من داء إلى أنزل الله له دواء، والرأي عندي هو الأخذ بالوصفات التالية علها تخفف من وجع مرض التعليم:

أولا: ينبغي فصل التعليم عن السياسة، فتكون له وزارة شبه مستقلة في قراراتها وتمويلها وأن تسند للأكفاء ذلك خير.

ثانيا: التركيز بشكل رئيسي على الابتدائية وتسليح المعلم بكل ما يحتاجه من وسائل مادية ومعنوية تسمح له بوضع اللبنة الأولى في العملية التعليمية بشكل سليم.

 ثالثاً: التشدد في مسألة تجاوز الفصول بحيث لا يسمح إلا لمن هم أهل لذلك.

 رابعاً: توفير المعدات الضرورية لتقريب المعلومة من الطالب ومحاولة نقلها من طور التنظير إلى طور التطبيق.

خامساً: تبني مقاربة النجاعة في مجال التعليم بدلا من مقاربة المطابقة التي ثبت فشلها.

سادسا: ضرورة وضع برنامج ترى فيه كل الشرائح ذاتها ولا تشعر فيه أي شريحة بالغبن ومحاولة التذويب أو الإقصاء.

 سابعا: وضع حد للتغييرات غير المدروسة في المناهج التعليمية والتلاعب بها وهو أمر لا يتناقض مع تطوريها نحو الأفضل لكن مع مراعاة القيمة التراكمية في العملية التربوية.