على مدار الساعة

للإصلاح كلمة تعلق على كثرة اللصوص والجوع في موريتانيا

18 يونيو, 2018 - 18:45
بقلم الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح تحاول في هذا المقال أن ترد إجماليا على كثير من التساؤلات يطرحها المواطنون الآن على كل من سمعوا أنه سبق وأن خدم في الأمن ولو بعمل محدود ــ عن سبب كثرة اللصوصية الآن في موريتانيا وهل يمكن ايقافها أو الحد منها إلى آخره.

 

وهذه التساؤلات من المواطنين تؤكد صحة حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث جاء فيه: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، لأن هذا السؤال الذي يوجهه المواطنون لكل من عمل في الأمن سابقا ولو أصبح الآن بعيدا منه ولمدة كثيرة إلا أن ذهن المواطن بأنه كان يشغل هذه المهمة فهو عندهم لا بد يملك فكرة عنها وعن كل ما يتصل بها وبذلك يتأكد مسؤولية كل من له علاقة بالموضوع حاليا أنه سوف يكون مسؤولا أمام الله عن المسؤولية والقيام بها وإتقانها إلى آخره.

 

وعندما نعود إلى القوانين المعمول بها في البلاد نجد أن المسؤول الأول عن تأمين المواطنين بحفظ أرواحهم وممتلكاتهم هو رئيس الدولة الذي نص دستور البلاد على أنه الضامن لحفظ أرواح وممتلكات المواطنين.

 

وهذه المسؤولية هي عامة في كل قوانين الدول، ولكن الدول الأخرى تكاد تجمع في ضمان هذه المسؤولية على مخطط عريق في الدول وضامن لهذه المسؤولية ألا وهو أن جميع هذه الدول خصصت لكل جزء من أبناءها في قوتها تكوينا خاصا به وله مدارس يتقنون فيها المهمة الموكولة عليهم فبعض من القوات خصصوه للمحافظة على الأمن داخل المدن الكبرى وتلك القوات سماها العالم بالشرطة، ولها مدرستها الخاصة بها التي يتعلمون فيها جميع ما يتصل من قريب أو من بعيد بالأمن بما فيها الخبرة الكاملة للتعرف على كل جميع المواضع في المدينة التي يؤمنونها حتى أن أي واحد منهم لو رأى نوعا من التجارة أو سمع نوعا من الحديث بين اثنين أو نوعا من أي شيء يلفت النظر خاصا سيعرف تلقائيا أين يكون هذا في المدينة فمثلا إذا رأى شابا يدخن فسيعرف من نوع سجارته أين يسكن في المدينة إلى آخره.

 

وهذه الهيئة الراعية والمكافحة للجريمة تقسم نفسها إلى فرقة تتدخل بعد وقوع الجريمة لضبط المجرم وأخرى لمنع وقوع الجريمة لتواجدها في الشارع حتى ولو كانت مخصصة للمرور فمن مهمتها كذلك البحث عن المجرمين ونوع سياراتهم والطرق المفضلة عندهم وهيئة أخرى للبحث عن المجرمين قبل وقوع الجريمة بمعنى بين التفكير فيها وتنفيذها وهذا هو عملهم دائما ولا وقت له محدد فهم دائما في البحث عن المجرمين وأنواعهم وقبل أن تقع جريمة ـــ ولابد من وقوع الجرائم في كل دولة لأنها طبيعة إنسانية ـ إلا وعلموا فورا من قام بها وأين يسكن ولا سيما الجرائم التي لا بد من الاجتماع لها والمذاكرة فيها قبل الوقوع مثل: المظاهرات والجرائم السياسية أو اللصوصية الجماعية.

 

أما الهيئة الثانية وهي الجيش فلها أيضا مدارسها وتتقن فيها كيف التصدي للجيش المعادي وكيف تحفظ الحدود من المتسللين فعندها الخبرة الكاملة لنصب الكمائن والاستطلاعات وتقدير مكان القتال وجو القتال والمعاملة مع حجم القوة المضادة وليس عندها أي خبرة في المعاملة مع جرائم المواطنين ومظاهراتهم ولا تستدعى إلا إذا تجاوز الخطر قوة الأمن الداخلي.

 

وهيئة أخرى تسمى الدرك وعندها مدرستها ورجالها متخصصون في المعاملة مع الجرائم الصادرة في البوادي ونوعها وطبيعة سكان البادية وعاداتهم إلى آخره، ولا شك أنهم يتقنون قضايا الجرائم قبل الوقوع وبعد الوقوع وهم والشرطة أعوان القضاء بعد وقوع الجريمة كل فيما يخص مسؤوليته الترابية زيادة على خصوصيتهم لجرائم الجيش ومتابعتها فهم الشرطة المخصصة لذلك.

 

وهناك هيئة أخرى من أبناء الدولة يسمون الحرس ولهم مدارسهم وهؤلاء متخصصون في حراسة جميع ما يتصل بالدولة من المنشآت المالية وغيرها 24/24 ساعة وكذلك متخصصون في حراسة الأشخاص ولا سيما الأشخاص المهمين في تسيير الدولة مثل الوزراء والولاة والحكام والسفراء إلى آخره، وعندهم في الأخير تكوين لمساعدة الجيش في رد الهجوم الأجنبي إذا تجاوز قدرة الجيش كما أن عندهم تكوين لمساندة الشرطة في التدخل في قضايا المواطنين إذا تجاوزت قدرة الشرطة على القيام بذلك وهكذا فهذا التخطيط مجمع عليه بين الدول للمحافظة على الأمن.

 

ولكن مع الأسف فموريتانيا مستثناة من هذا الإجماع: أولا أنها حديثة النشأة من غير إرث هذه الهيئات كما هي من مستعمر سابق يترك لها الخطوط العريضة لذلك لتبني عليها أمنها المستقبلي ولكن السلطة المدنية الأولى أخذت الحكم بعد الاستقلال شبه المجاني وكانت قد ارتضعت بعقلها وفكرها الثاقب الفكرة الحضارية في كل شيء من المستعمر سواء في تسير أمن الدولة أو ماليتها أو عمرانها أو سياستها إلى آخره، ولم تألوا جهدا في الاستقامة في ذلك ووضع كل شيء في محله طبقا لأصله حتى فاجأتها الحرب شبه الأهلية المدعومة من دول أقوى منها عدة وعددا مما سبب في تدخل الجيش البدوي الذي يبلغ 18 سنة فقط من عمره العملي، وفي هذه المدة كان متغلغلا في الحياة البدوية إلى جانب مهمته العسكرية وما إن وصل الحكم حتى استحوذ على قيادة كل ما سكن أو تحرك في الدولة بما فيها جميع القطاعات الأمنية.

 

إلا أن قطاع الدرك بما أن له صلة بالجيش لوجوده معه في وزارة الدفاع واختلاط بعض مدارسهم في المواد وكذلك الحرس بما أن عندهم كتيبة للقتال ويجتمعون تارة مع الجيش في بعض المواد القتالية فقد تركت لهم قيادتهم المهنية في أكثر الأحوال ولكن بالنسبة للشرطة فقد ارتبطت قيادتها بالجيش من أول يوم تقريبا إلى يومنا هذا مع الاختلاف الكبير في مهامهم أصلا.

 

والكل يعلم أن الانقلابات في الدول يقوم بها الجيش وتارة يتمسك بتلك القيادة العامة إلا أن الأمن الداخلي ربطته الدول بالقضاء والإدارة الإقليمية المدنية فالقادة العسكريون في الدول يتركون قيادته كما هي، ويبقي أمن الدولة الخارجي والسياسة عند السلطة الحاكمة من الجيش من غير أن تتدخل مباشرة في الأمن الداخلي والإداري وجميع التسيير المدني للمواطنين.

 

ولكن ماذا فعلت موريتانيا في ذلك؟

لقد عمد جيشها إلى وضع يده مباشرة على الأمن الداخلي وعلى الإدارة الإقليمية فالوالي تابع لقائد المنطقة العسكرية وهذا أصلا لا يوجد إلا في حالة الطوارئ المحدودة الزمن.

 

وهكذا انفصلت الشرطة عن مهمتها تماما لأن قيادتها لا تعرف الأسلوب الخاص بالأمن الداخلي ولكن تعرف أنها عسكرية والأوامر العسكرية تنفذ كما هي ولا مراجعة فيها.

 

وبما أن طبيعة الشعب الموريتاني ليست إجرامية والوسائل الحية للتطور الإنساني كانت محدودة فظلت الشرطة الموريتانية تحافظ على أسلوبها المعتاد مع عدم أي تطور لها لأن قيادتها لا تبحث عن ذلك التطور وأفرادها من مفوضين وضباط ومفتشين الخ مرتبطين مباشرة بالقائد العسكري ولا يمكنهم التفكير في أي تطور للأمن فنيا وماديا إلا بالقائد وتفكيرهم في الموضوع غير ملزم له مع أنهم انقسموا في أول وهلة تبعا لطبائعهم وأغراضهم واستمر هذا الضعف الأمني حتى جاءت الديمقراطية الفوضوية 1992 حيث سلبت من الشرطة وغير الشرطة من جميع الهيئات العسكرية والمدنية مهمتهم وأعطتها للهيئات الجديدة المدنية البدوية من نواب وشيوخ وعمد وهؤلاء لا يعرفون إلا أن المدني مرتبط بأهله وقبيلته والعسكري أصبح خارج التسيير وعمت الفوضى جميع القطاعات حتى جاء هذا الحكم العسكري فبدلا من أن يفكر في الدولة ككل وكيف تسير مثل الدول على أحسن ظروف ويعطي لكل متخصص في المهنة مسؤوليته، انقلب على الجميع وحصر في ذهنه أن تسيير الدولة يكون بالمزاج الشخصي ويتحدد في المظهر الخارجي، في الأمن الخارجي والدبلوماسية الخارجية ووجود الدولة داخل المجتمع الدولي تحمل رقما قياسيا يشار إليها به، وترك الأمن الداخلي وفقراء البلد يلقون مصيرهم كما هو واقع الآن من كثرة الإجرام غير المخطط لإيقافه وكثرة ضياع المساكين والفقراء ليطلبون العيش في المساجد وتحت الأضواء الحمراء.

 

فهذه السلطة الحالية عمدت إلى الأمن الداخلي فأعطت مهمة الإدارة الإقليمية لهيئة الحرس وأمن المدن الكبرى قسمته جزافا اجتهاديا بين الدرك والحرس والشرطة وأعطت أساس الأمن العمومي وهو شرطة المرور لهيئة أمن الطرق وتركت للشرطة سؤال المواطنين المعتاد ما هو سبب الانفلات الأمني؟

 

ولماذا لم يقبض على المجرمين فورا؟ والسبب هو أن الشرطة مسؤولة في المدن عن 1/3 فقط والثلثان بين الدرك والحرس والبنك التجاري وقعت جريمته في ثلث الدرك.

 

وهنا أرد السؤال على المواطنين ولا سيما من يسافر منهم في الخارج فهل رأيتم عاصمة دولة تذهب فيها مشرقا ومغربا وداخلها ولا ترى عينك فيها أي شرطي إلا اثنين أو ثلاثة يطاردون السيارات على ضريبة البلدية و80% من أصحاب السيارات لا يحترم إشارتهم بالتوقف لأنهم (مقطوعين من أجدر من زملائهم).

 

صحيح أن الرئيس الحالي في أول استحقاقه الأخير أختار على الأمن الرجل المناسب: مناسبا من حيث شجاعته الطبيعية وتفانيه في مهمته ونزاهته ومناسبا لمعاملته مع الأفراد ويقظته في تحقيق ما أسند إليه بمعنى أن "الـ" في الرجل كاملة والمناسب استغراقية، ولكن "الـ" في المكان ونعته ليست استغراقية لأن المكان الأمن الداخلي ونعته المناسب أفراد الشرطة ووضعيتهم المزرية الموروثة من زمن الديمقراطية الفوضوية وفعل هذا الرئيس في أول استحقاق له فقد همشهم تهميشا قاتلا في نقص العدد وإهمال تسيير حياتهم المهنية من غير بديل للمواطنين في الأمن الداخلي.

 

فالأمن الداخلي لم تلتفت عليه الدولة إلا أخيرا بتعيين هذا الرجل المناسب الذي بذل جهدا كبيرا في الإصلاح ولكن الشجاع المقدام إذا أنزلته بالمظلة على الكتيبة التي سيقاتل بها العدو والحرب مشتعلة فوجد الكتيبة لا سلاح لها ولا تكوين يتجدد، والمعنويات لا وجود لها لا في الاعتبار ولا بوضوح المهنة، فإشارة مناكبهم النظر إليها يحطم المعنويات فكيف ترى نتيجة شجاعة هذا القائد ــ لا شك أنه سوف يشرع بالقتال ببطولته فقط حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

 

فالشرطة ولا سيما الوكلاء وضباط الصف كثير منهم ينظر إلى منكبه كل ساعة فإذا هو يراوح مكانه في الرتبة ولكثير من السنين.

 

والخلاصة أن هناك ثنائي في موريتانيا سوف يسره انتهاء المأمورية الأخيرة وسيحتفل بذلك وهو الأمن الداخلي والفقراء ولكن جميع موريتانيا الأخرى من أغنياء وشباب ونساء وعنصريين ولصوص أصحاب السكاكين القاتلة آخر الليل وجميع التعيينات المتوسط فيها الجميع سيتأسف على انتهاء تلك المأمورية ويطالب بتغيير الدستور وطلب مأمورية ثالثة.

 

فهؤلاء وأمثالهم ممن يشيدون بإنجازات الرئيس العملاقة أن لا يستنكروا الفقرات أعلاه فأنا معهم بل أمامهم في الإشادة بتلك الإنجازات التي أعبر أنا عنها بأن موريتانيا كانت على سرير الموت قبل هذه السلطة من فعل الديمقراطية الفوضوية فقام هذا الرئيس بنفخ الروح في أعظم أجزائها حتى أصبحت مستعدة للملاكمة مع أي دولة أخرى في الأمن الخارجي والاقتصادي والدبلوماسي ولكن هناك من الجثة ما بقي مشلولا حتى الآن وهو الأمن الداخلي والفقراء.

 

فالرئيس السابق معاوية ترك موريتانيا جثة هامدة بفعل المنتخبين ولكن لم يذهب عنها بأوقية واحدة لا يستحقها، وهذا الرئيس سوف يترك موريتانيا دولة عربية إفريقية عملاقة ولكن أقلام الموريتانيين العنصريين وألسنتهم وسكاكين اللصوص والجوع القاتل سوف يمزقونها بعده تمزيقا، ونقول هنا فـ{عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده}.

 

فأنا أظن أن من قال إنه نظف منزلا من سبع بيوت وجاء مفتش النظافة فوجدها منظفة تنظيفا غاية في الدقة ووجد بيتا واحدا منها ملآنا وسخا وتكسرا لم يدخله منظف فإن هذا المفتش لا يلام على إعلان ما وجد عليه كل المنزل ورآه رأي العين فالله يقول هنا {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فـقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا}.