على مدار الساعة

"فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"

7 يوليو, 2018 - 13:30
النانه لبات الرشيد - شاعرة وكاتبة صحراوية

 جعلنا الله و اياكم ممن يقول و يفعل ما ينفع الناس و يمكث بينهم، إحقاقا للحق ، و حال بيننا أن نكون من أهل الباطل الذين يكون قولهم و فعلهم زبدا يذهب جفاء .
و لأني أحرص-و التوفيق من عند الله - على استخلاص العبر عبر هذا الفضاء و ما يتلاطم بشطئانه من فظ القول و لينه، و ما يمتد فيه و يزجر من حقه و تدليسه، أكتب الآن رأيا عن اللغط الذي أثير مؤخرا على هامش قمة نواكشوط، قامت فيه العلاقات الموريتانية الصحراوية كثيرا و لم تقعد.

 

ليس علينا كصحراويين مطلقا إطلاق صفات التخوين و العمالة على كل من لا يقف معنا على المسافة نفسها و المسطرة ذاتها من قضيتنا، و بشكل خاص ليس علينا توجيه سهامنا هذه للصحفيين .. فهؤلاء غير مطالبين أصلا بتحديد مواقفهم من القضايا السياسية خاصة .. هم دائما معنيون برمي شباك الإثارة و صيد السبق الإعلامي الجدلي، ثم أنه من التناقض أن نرمي بتهم التخوين على غيرنا و بين ظهراننا عشرات الخونة و لم تسطر بعد ضدهم قوانين العقاب و لسنا نذكرهم- تعففا- في مجالسنا. 

 

و الأهم من كل هذا أن إطلاق التهم بالعمالة على كل من يتعامل مع النظام المغربي و له به علاقات من أي نوع يدفع الأطراف الأخرى إلى رمي كل من يتعامل مع نظام جبهة البوليساريو و الدولة الصحراوية بالعمالة أيضا، غير أن الأخطر من كل ذلك هو الجرأة على وصف بعض مواطني الدول المجاورة بالعمالة لانظمة خارجية رغم الإدراك بأن أنظمتهم معنية وحدها بتحديد و ملاحقة العملاء داخل أوطانهم و لسنا نحن المعنيون بذلك.

 

نحن أصحاب حق و أهل قضية عادلة، و الحق أبلج لكنه لا بد محفوف بالروية و الحلم و الأناة و إلا ضاع في الشبهات و تنازعته الأمزجة و الميول .. و نحن دعاة وطن مسلوب و في سبيله نقدم أرواحنا فكيف لا نقدم نفوسا هادئة متزنة و عقولا صبورة نيرة بدل الشطط و التسرع ومعضلة معظم الصحراويين اعتقادهم أن كل الشعوب على دراية بحقيقة القضية الصحراوية و على علم بكل ما يجدونه من حيف، هذا الاعتقاد الذي يخلف آخر منحرفا؛ من أن الذين يجهلونهم هم ضدهم و أنصار للطرف الآخر، بيد أن الحقيقة بعيدة كل البعد عن هكذا معتقدات.

 

 فنحن و قضيتنا تعرضنا لأكبر تعتيم اعلامي ممنهج و أخطر تضليل معلوماتي عرفته قضية سياسية في التاريخ الحديث .. و تواطأت لإنجاح هذا العمل أنظمة متعددة و مؤسسات كثيرة .. كما أننا ننتمي اقليميا و قاريا لعالم يطبعه التخلف و الفقر و تسوده النزاعات السياسية.. الشئ الذي يجعل شعوبه منهكة بهمومها عن قضايا غيرها و غارقة في مشاكلها عن نصرة و غيث المظلومين . كل هذا جعل الوعي بقضيتنا محدودا، و اللغط حولها كثيرا.

 

و علينا كأصحاب حق الدفاع عنه بإبراز جوانبه لا بالغضب من الجاهلين به.. و تحديد مكامن التضليل و استهدافها لا السطو بالقول السيء و الهجوم بالسخط على كل معترض. 
و الحق عادة مصان بوهجه و رونقه ما عرض و قدم بالتي هي أحسن، و مترنح ضبابي ما رافقه النزق . 
و مهما بلغت قضيتنا من العلو و مهما وجدت من الحلفاء، تبقى موريتانيا و شعبها الأقرب و الحاضنة الاجتماعية و الثقافية الأهم، هذا لأنه لا مفر من قدر الجغرافيا و منطق التاريخ .. و لأن الذين نقاسمهم الأرحام لا مهرب من مقاسمتهم الأقدار أيضا. 

 

و في موريتانيا الشقيقة من لا يدرك عن قضيتنا أي حقيقة، فقد عرفت مثقفين و إعلاميين لم يسمعوا قط بالمسيرة السوداء التي احتل النظام المغربي بها الصحراء الغربية، و عرفت دبلوماسيين شبابا لا يذكرون من قضية الشعب الصحراوي غير قصص ترعبهم الأمهات بها و هم صغار .. و عرفت كتابا و باحثين لم يعلموا قط باتفاقية مدريد الثلاثية و يعتبرون ذكرها في مقالاتنا إساءة لرموز بلدهم.. فعلى من تقع مسؤولية هذا التقصير المعلوماتي الكبير ؟ هي مسؤوليتنا بكل تأكيد، و من غيرنا يتولاها و من سوانا يتحمل مستوى المعرفة بتفاصيل قضيتنا داخل المجتمع الموريتاني الشقيق مع العلم أننا الغائب الأكبر و الطرف الأخر الحاضر الأبرز؟؟ و كيف نهاجم أشقاءنا لأنهم يجهلون معطيات و معلومات لا يمكنهم معرفتها و درايتها إلا من خلالنا ؟؟

 

 
سيقول قائل بأن في موريتانيا طيف يعادي القضية الصحراوية، و سأقول بأنه حتى في الصحراء الغربية يوجد طيف يعاديها، فلماذا فلحنا في تفادي و منع تحوير الصراع بيننا و المغرب الى صراع صحراوي صحراوي كما تخطط لذلك مخابر المملكة السياسية، و لسنا نعمل على تفادي خلق صراع موريتاني صحراوي حتى و إن كانت مساحاته في جلها افتراضية؟؟ 
و سأقول كذلك بأن الذين يستميتون بموريتانيا في الدفاع عن القضية الصحراوية لا شك سيدافعون يوما عن بني وطنهم أمام موجات الاستهداف المتكررة، فهم في النهاية أبناء وطن واحد و لن يقبلوا الانقسام فيه لأي سبب كان .. لهذا علينا مراعاة مواقف أصدقائنا و أنصار قضيتنا و أن نتحلى بالمرونة و اللباقة ما يقينا من أن نكون نقطة خلاف و فرقة.. و من الضروري جدا مساندة إخواننا و أنصارنا على نصرتنا بترك شعرة معاوية بينهم و بين الذين يخالفونهم الرأي فينا.

 

لقد سخرت لنا تحديثات التكنولوجيا المتتالية ما نعوض به سنوات التعتيم الإعلامي العجاف، و أصبح بإمكان كل صحراوي امتشاق سلاح الفضاءات الإعلامية الاجتماعية معرفا بقضية شعبه و محاربا ما حولها من تضليل و ما يشوبها من تحريف،، و في تطورات قضيتنا و ومستجداتها اليومية ما يغني و يشغل عن النكوص نحو السجالات الفارغة السطحية.. و من شأن التعريف بكل جوانب القضية؛ الإنسانية و السياسية ما يحسر و يعزل المرجفين و يقوي شوكة الأنصار . 
فهل من مدكر؟؟