على مدار الساعة

لحظة الترقب (المثقف الموريتاني)

9 يوليو, 2018 - 11:12
عبدي الطلبة

على وقع ما تعيشه موريتانيا اليوم من ضبابية حول مؤسسة الرئاسة ومن سيكون فيها خلال الانتخابات المزمع تنظيمها في السنة القادمة، يعيش بعض المثقفين اليوم وضعا لا يحسدون عليه فالبوصلة لم تستطع بعد التقاط ما يكفي لتوجيه الأقلام واللسان والهوى

 

..أقصد طبعا تلك الزمرة من الكتاب والمثقفين الذين حكموا على أنفسهم أن يكونوا في شهر عسل دائم مع أي رئيس جاء إلى القصر بغض النظر عن شرعيته أو كيفية مجيئه، يطبلون له ويوهمونه بأن الدورة التاريخية الصحيحة هي التي بدأت معه.لم تطاوعهم أناملهم في كتابة سطر واحد خارج إطار تمجيد الزعيم تختلف عناوين كتاباتهم ومنطلقاتها لكن المآل واحد.

 

يكتبون عن نهضة الصين سطرين، والغاية العظمى مقارنتها بنهضة نظامهم، يكتبون عن التقارب الأمريكي الكوري لكنه العنوان فقط والمضمون تمجيد الزعيم ومد يده للتحاور مع المعارضين والخوارج من المسلمين في البلد،يكتبون عن الانتخابات الماليزية وأنها نموذج من الانتخابات القادمة وأن الشعب لا يترك أسياده الميامين، كل هذه عناوين عريضة لمضمون واحد متكرر يعرفه القارئ فور قراءة اسم الكاتب.

 

لكن الطريف في الأمر أن هؤلاء يعيشون في هذه اللحظة التاريخية ترنحا يكاد يقطع نياط قلوبهم؛ إنها لحظة التشويش البوصلي؛ لحظة ضياع القلم، حقبة تاريخية من الحيرة بالنسبة لهم يعيشون فراغا من الدعم المطلق للزعيم .... وهم الذين أخذوا الحكمة "العلندية": تسلق الشجرة لتوصلك للأخرى.

 

لحظة الترقب هذه سببتها التصريحات المتكررة للرئيس بعدم ترشحه لمأمورية ثالثة، هذه التصريحات أصمت مسامع القوم وخففت من لهيب الحماس المندفع الذي تعودناه منهم، وهو ما لاحظه الرئيس نفسه فخفف من تلك التصريحات حتى لا يتسلل القوم لواذا من حوله وهو الذي يعلم جيدا سهولة الهجرة السياسية لجماعته وأنها تشيم كل برق أو رعد أرزم على الرئاسة.

 

لكن في المقابل، شح المعلومات الصادقة أو التوقعات حول من سيكون الخليفة القادم المجدد المخلص الذي سيحل محل سيد اليوم مجرم الغد،شح تلك التكهنات وضبابتيها منعتهم من فتح مناخيرهم لشم بخور النظام القادم وتسليط الأقلام والأفهام عليه وبدء تلميعه وخلق الألقاب المناسبة له.هذه المتضادة المزعجة جلعت الجماعة منصوبة على التنازع؛ فشق منها ينتظر المجهول، وشق عند الزعيم لم يحول.

 

الأمر الذي حدا بأحدهم لاتخاذ طريقة ذكية وطريفة؛ إنها طريقة اللعب بالمفردات فتراه يكتب مقالا عائما، مقالا وإن كان يبرهن على الحيرة إلا أنه مزدوج الفهم يفهمه من يتوقع أن يكون زعيم الغد أنه تلميع له وترحيب به، كما يفهم مفتوح الربقة أن الولاء لازال له، فيكون الكاتب بذلك كالواقف في الطابور يمسك ظهر المدبر ويد المقبل ....

 

هذا الاجترار بمعدتين الذي أصبح هو المزة الكبرى لأغلب المثقفين والساسة فيالبلد يتحمل المجتمع جزءا كبيرامن المسؤولية في انتشاره وجعله خطابا سياسيامقبولا فالمجتمع في النهاية هو الحاضنة الأساسية لهؤلاء وهو الأذن الصاغية لخطاباتهم المقيتة ، فعلى المجتمع أن يمج هذه الظاهرة البغيضة وأن يدفع بأصحابها خارج الحياة السياسية بوصفهم مثقفون مصابون بجرب النفاق السياسي والتلون مع لون الأنظمة وركوب موجة المصلحة فهم كالأفاعي يجددون جلودهم عند كل موسم .فكيف للمجتمع أن يظل مخدوعا بمثقف لم يحترم نفسه ولم يقم لها وزنا ولم تقومه ثقافته ولم تجلب له ضميرا حيا فهو يعرف أنه يخدع مجتمعه وأن أبناءه يتعلمون على حساب أبناء الفقراء ويتعالجون على حساب المرضى من مجتمعه فهؤلاء سرطان يجب محاصرته وأن لا تترك الفئة الناشئة من الأجيال تتعود هذا التلون وهذا الخطاب المصلحي الذي يحرق المجتمع ويؤخره من أجل حسابات شخصية ضيقة ...

 

لكن السؤال المطروح: إلى متى سيظل هؤلاء منهمكين في الابتذال الرخيص لأنفسهم؟ ماذا سيقول هؤلاء لأبنائهم؟

 

ألا يعلمون أن التاريخ ليس لهم، يمحون ويلعنون كل حقبة إرضاء للحقبة التي يعيشون فيها وهم مستعدون للعن الحقبة الراهنة إرضاء للحقبة القادمة؟

 

ألم يعلم هؤلاء أن العصر عصر توثيق وأن تصاريحهم ستنقل معهم ما داموا معتمدين على ضعف الذاكرة الشعبية وأن الشعب من طيبته يتقبل كل لون لبسوه له؟