على مدار الساعة

ثلمة بقدر المرابط

18 يوليو, 2018 - 01:07
دلاهي ولد أهل اعل

في الطريق الرابط ما بين المحروسة كرو والقرية المباركة اتويمرات كنا نسابق الزمن وامتثال أمر الشارع في التسريع بالدفن عند أبناء الشيخ المرابط رحمه الله تعالى لندرك التجهيز والصلاة عليه، ورغم الشقة ووعورة الطريق طويت لنا الأرض وأقلتنا الذكريات الجميلة والأحاديث المتنوعة التي كان يقصها علينا أعرف الناس بمناقب الشيخ وفضائله وفواضله شيخنا الشيخ: الناجي بن داهي حفظه الله ورعاه في كل المسافة، ومن القوم من يشاركه فلكل حكاية يرويها بالتواتر.

 

كان مما ذكره من مناقبه الجمة غير المحصورة أنه مكث فترة ينام معه في مكان واحد وأنه ما رآه استيقظ ونام بل يقوم يصلي ويقرأ القرآن حتى يسفر الفجر ويصلي الصبح.

 

يقول الناجي: وقد كنت أراه يستيقظ في أوقات كثيرة والتلاميذ لم يخلدوا للنوم، وما كان يعد له مكان خاص بنومه فحيث غلبه النعاس ينام، وأما ما كان عليه من الزهد في الدنيا وزخرفها فإنه رحمه الله تعالى كان غاية ومضربا للمثل، ومن زهده أنه ما استلذ شيئا من نعيم الدنيا إلا تركه، ومن ذلك تركه لشرب الشاي، وعزوفه عن الذهاب إلي النخيل في موسم زهوه، ولكم رد على آمريه بالذهاب للنخيل  بغية الصحة بقولته الشهيرة: (لعرارمه اصحاح ولا ايكيطنو).

 

وأما ما كان عليه من الكرم والاعتناء بالضيوف فحدث عن الحاج ولا حرج، ولقد لازمته في سنيه الأخيرة وبعد أن صار يفقد الوعي أحيانا متلازمتان هما: السؤال عن وقت الصلاة، والحث على إكرام الضيف إن نزل، وأوثر عنه قوله لابنه البار شفاه الله الطاهر اعتناء بالضيف إن أحس به (الطاهر الشاهي وذبيحة).

 

أما تعليمه للناس فلئن عد البعض بيوتات الشعر فحري بالعادين أن يعدوا بيوتات تلامذة المرابط مجايلة، فقد درس عليه الرجال وأحفادهم، جعل الله ذلك في ميزان حسناته.

 

عند القبر

عرجنا ونحن نشاهد القرية الهادئة رغم الحزن المرسوم على الآكام والظراب ومنابت الشجر، وأخذنا ذات اليمين لنقف على المقبرة المحظوظة بأن صارت قبرا للمرابط وفرط من العلماء والصالحين وقعيدة بيته أم التلاميد المرأة الصالحة رفيقة درب الشيخ: مريم بنت بيب بن المقري رحمها الله تعالى:

 

فيا قبر معن أنت أول روضة *** من الأرض خطت للسماحة مضجعا

 

كنت أتأمل القبر وأتخيل تلك الأبواب الثمانية المشرعة إلى جنة الخلد، أتخيل ذلك الجليس حسن الصورة الذي يجلس بجوار الشيخ يؤنسه ويلاطفه بعد أن قدم له نفسه بأنه عمله الصالح، صلينا صلاة الجنازة على القبر ودعونا للشيخ وأنفسنا ونحن الأحوج، فالشيخ نظنه منشغلا فكها بما يترقبه من النعيم الأبدي عليه رحمة الله.

 

في مجلس العزاء

انطلقنا نحو القرية التي تراءت لنا على تلة ترقب الزائر المعزي والمعزى، وتبدت لنا أخصاص الطلبة الثكالى، وقد انتشرت انتشار مناقب الشيخ، وفي كل خص مأتم ونائح من ذوي الألواح والكتب، وعند توقف السيارة هرع أبناء الشيخ رغم عظم المصيبة يمارسون شعيرة بروره المتمثلة في الحفاوة بالضيوف، وفي مجلس العزاء كان الموقف مهيبا، فلا الكلمات المطروقة تتحمل ولا تحمل ما في النفوس، ولا التعابير والإطناب يؤديان رسالة العزاء حاول الشيخ الناجي - وهو الخطيب المفوه ما شاء الله - أن يعزي فما استطاع، وخنقته العبرات، واستلم الكلام خطيب آخر هو الأستاذ: صداف بن آد فما كان بأحسن حالا من الناجي، على أن كلماته كانت مؤثرة جدا تخرج من قلب دامع وصوت يترجم عن خلجات محسوسة وعواطف صادقة، وفي الأخير خلصنا إلى أن الاختصار أولى من الإطناب، وأن الإعرابي الذي نظر إلى القمر ليلة كماله كان حكيما حين قال:

 

ماذا أقول وقولي فيك ذو قصر *** وقد كفيتني التفصيل والجملا

إن قلت لا زلت مرفوعا فأنت كذا *** أو قلت زانك ربي فهو قد فعلا

 

فالمعزى أبناء الشيخ، والمعزى فيه المرابط الحاج بن فحف، وفي مجلس تلميذه ورفيقه: الشيخ حدامين بن السالك، ونحن نقدم له واجب العزاء جولة أخرى من الحزن وانسكاب العبرات.

 

زرت الشيخ المرابط رحمه الله تعالى مرات عديدة، وكانت أول مرة أزوره سنة 1999، وأذكر أنه قال لي بعد أن انتسبت له (أبوك فلان أحسن علينا أحسن الله عليه) مشيرا إلى احتفاء الناس به وهو أهل لذلك عند مروره من التقادة سنة 1974، وما رأيت ملمسا كملمسه ونضارة وجهه رغم الكبر رحمه الله تعالى، وإن التعازي في الشيخ لحقيق بها كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية وليست مجازا فحيث وصل تلامذته ينبغي أن يصل العزاء له.

 

 ولقد سمعت هذا المساء أحد عوام الناس في المحروسة كرو يقول: (هذي الأرض حد يوخظها ال ماتو صالحينها لكبار).

 

رحم الله العلامة الزاهد الورع: المرابط الحاج بن فحف وأسكنه فسيح جناته ودامت البركة في أبنائه وأحفاده وعشيره وإنا لله وإنا إليه راجعون.