على مدار الساعة

نَحْنُ وَاهِمُونَ لِأنَّ الْحَقِيقة قَاتِلة!

24 يوليو, 2018 - 14:21
محمد الأمين البنيه - مهندس استشاري - best31121964@yahoo.com

مَا أنْ نَشرْتُ مقالي السَّابِق ، وكنتُ قد ذَكَرْتُ فِيه رَقْمَ هَاتِفِي وايميلي، حَتَّى تتابعت عَلَيَّ الاتِّصَالاَت بَدءاً باليوم الثالث، من أشخاصٍ، أكْثَرُهُم ليس لِي بهِ سابِق مَعْرفة، فأنا قَلِيلُ "الْمَعْرِفَ"!.

 

منهم من قال بأنه عرف "السبع"، فإلى ماذَا يرمز النمر والفيل إذاً؟ ومنهم من عرف "الكلب" حسب تقدير ه لكن الفتية الثلاثة الْتَبَس عليه أمْرُهُم.

 

والطَّريفُ أنَّ منهم من أراد إعطاء دلالات لا تخلوا من النباهة والذكاء "لخالتي" ولوادِ النخيل وللعصابه وتكانت ولِرحلتي الصيف والشتاء.. مِمَا لَمْ يخطر ببال كاتب هذه السطور .

 

وفِعْلاً فقد استخدمتُ الرمزية، في مقالي السابق، ففضلت الغموض على الوضوح، والألغاز على التصريح، والإشارة والتلميح على تسمية الأشياء بأسمائهما، وربما أكون قد جَنَحْتُ إلى رمزيةٍ وصلتْ في بعض الحالات إلى حدّ الإبْهَام، وهو ما دفع البعض حسبما لمِسْتُ إلى فهم "الحمار" و"الكلب" فهماً خاطئاً. فأنا في مقالاتي كلِّها لا أرمز إلى الأشخاص وإنما أرمز إلى "مفاهيم" وأشياء مجرَّدةٍ... لِذلِكَ وجَبَ التَّنْبِيه!

 

أعود فأقول إن بعض المتصلين ذَكَّرَنِي أنه في إحدى الروايات عند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها ستأتي على الناس سنوات خدَّاعة، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويُكَذَّب فيها الصادق، ويُؤْتَمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطقُ فيها الرويبضة، قيل: وما الرُّوَيْبِضَة؟ قال: السفيه يتكلَّم في أمر العامة".

 

ومنهم من طلب ترجمة المقال إلى الفرنسية لأن المقال لا تفهمه إلا النخبة، وهي عندنا متفرنسة، حسب زعمه، وهو ما لا أوافق عليه لا جملة ولا تفصيلاً.

 

ومنهم من قال بأن أسلوب كتابتي يذكره بالكاتب كارسيا مارتينز، ولا أفشى سراً إذا قلت بأنني لم أسمع بهذا الاسم من قبل ولَم أقرأ قط لهذا الكاتب فأنا أجهله جهلا كاملا، لا يوازيه إلا جهلُ خرًّيجي جامعاتنا اليوم بحظوظهم من التوظيف بعد أن تبين لهم ولذويهم أن الشهادة، وَا أسَفاهْ، لا "تُطْعِمُ مِنْ جُوعٍ وَلا تُؤَمِّنُ مِنْ خَوْفٍ"،  وهو ما أكده مشكوراً ، أَحَدُ "الْفِتْيَة" الأفاضل عندما أعلن ذات يوم من زَمانِنا هذا على مرأى ومسمع من الجميع، أنّ من "أَطْعَمَنا مِنْ جُوعٍ وَأمَّننا مِنْ خَوْفٍ" هو مِمَّنْ يمشي في أسواقنا ويأكل طعامنا وهو مَنْ رُبَّما يَصِفُهُ "الْفَتَي" بِـ" لولاه ما خُلِقَت شمس ولا قمر... ولا نجوم ولا لوح ولا قلم"!!

 

وقد شَانَ بعْضُ مَعَارِفِي عَلَيَّ، في اللّغة، نصْبُ فاعل ورفع مكسور، وفات عليه أن الفاعل في بلدي هو فاعِلٌ سِيَّاسِيٌ، يُنْصَبُ ويُنَصَّبُ "تعدِّياً" ولا يُرْفَعُ ولا "يُدَعُّ" "لُزُوماً"، أما فاعل سيبويه وابن بونه فهو مما لم يعد له محل من الإعراب في بلد المنارة والرباط.

 

وأمَّا رفع المكسور، فهو مما جرت به العادة في بلدي، فكيف "يُوَّظَّفُ" مَكْسُورٌ في الْمَتْنِ إذا لم يُرْفَعْ!.

 

والعادة، كما نعرف جميعاً كالشرع، وبلادنا بلاد الشَّرْعِ وقادتها قادة الشَّرْ عِ وعُلَماؤُها عُلماء الشَّرْ عِ وجُهَّالُها، كذلك جُهَّالُ الشَّرْعِ.

 

ومنهم من لم يتجاوز تعليقه عنوان المقال نفسه "هوامش على دفتر الانتخابات"، فأشار إلى انه لم يَبْقَ لأهل الفكر والقلم إلَّا "الهوامش" ليكتبوا فيها، لأَن الْمُتونَ حَجَزَها بَلْ سَيَّجَها الْفَرِيق الصَّاعِدُ، مِمَنْ هَبَّ وَدَبَّ، وَهُم يَكْتُبون فِيها وعَلَيْها "بِخَرْمَازَهْ مَرْمَازَهْ".

 

أمَّا أنا فبعد سماع ردود الأفعال على مقالي السابق تبين لي أن العنوان كان ينبغي أن يُصاغ بطريقة أُخْري أكثر دِقَّةً فما يشهده بلدي من بُؤْسٍ فِكرِيٍّ، وتردٍ في المسلكيات، وَمِن ضُمورِ الضَّوابطِ والأعرافِ والأخلاقياتِ في فَضائِنا السِّيَّاسِيِّ عُمُوماً وفِى الْمَشْهَدَيْن "التَّرَشُّحاَتِى" و"الانْتِخَابَاتِي" بِشَكْلٍ أَخَص، بل وفي الْمَشْهَدِ "التَّعْيِينَاتِى" أيضاً، بَاتَ يعكس مأزقا فِكْرِياً حقيقياً في الْفَهْمِ والتَّمَثُّلِ لِمَاهِيَّةِ الشَّأْنِ الْعَام، وهو بحدِّ ذاته ما اعْتَبِرُه نَكْسَةً بكل المقاييس والمعايير وبالتالي كان الأبلغ والأكثر تعبيراً أن تكون "الهوامش على دفتر النكسة"، لا على دفترِ الانتخابات فقط، وهنا أكون قد اتَّحدتُّ في الصِّيَّاغَة وفي الْمَفْهُوم، لِتَشَابُهِ الْحَالَتَيْن !!، مع شاعِرِنا الكبير نِزار قباني وهَوَامِشِه على نَكْسَة العرب 67.

 

لَكِنِّ أخْشَى ما أخْشَاه أنْ تَتَطَوَّرَ النَّكْسَة هذه إلى نَكْبَة خُصُوصاً بعد ذاك الزائِرُ الَّذِي جَاءنِي"بِشَحْمه ولَحْمِه" ولمَّا لم يَسْتَهْوينِي لَا "الشَّحـْمُ" ولَا "اللَّحْمُ"، أخَذَ بِرَأسِي يَجُرُّه إلَيْهِ وأمْسَك بِتَلَابِيىبِى، وكان الأخْذُ والمسْكُ "عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدونَ"!!! ، فقلت يا ابن أُمَّ لَا "تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"، قال لن أبرح مكاني هذا ولا عاصم لك اليوم من أمري ، إلَّا أن تقبل أنْ " يَرْتَدِيَّ الحمار هَيْئة الأسد ويحمل شِعَارَ "القيصرية"، قلتُ، ألم يكفك من التأكيد ثلاثاً، لا رجعة في الأمر معها، قال الأَمْرُ أمْرُنا والْهَمُّ هَمُّنَا، "قلتُ، إِنْ كُنْتَ لَا بُّدَّ مُخاصِماً، فلْتُخَاصِم رسّام الكاركاتير الأمريكي ذي الأصول الآلمانية توُمَاسْ نَاسَتْ، قال لو كان "توماس" حياً لذبحته من الوريد إلى الوريد حتَّى يكون عِبرَةً لكل "توماسات" موريتانيا، ولَأَقَمْتُ، نِكايَةً بهِ وَبِهُم ، تِمْثَالًا فِي إِحْدى السَّاحَات الَّتي يَجْري "إعْدَادُهَا" في قَلْبِ العاصمة نواكشوط لِيُولِيسِيسْ غْرانَتْ!!!

 

لكني بتلابيبك مُمْسِكٌ إلى أن تقبل أن يَرْتَدِيَّ الحمار هَيْئة الأسد ويحمل شِعَارَ "الْقَيْصَرِية"، حتَّى يَخافَ الْفِيلُ وحتَّى تَفْزَعَ كُلُّ الحيوانات.

 

قُلْتُ، سُبْحَــــــــــانَ اللَّهِ، أَمَلكِيٌّ أنْتَ أكْثَرَ مِنَ الْمَلِكِ؟

 

وفَجْأَةً دَوَّى صَوْتٌ عَبرَ الأَثِيرْ: هُوَ، بَاقٍ، بَاقٍ... و أَنْتُمْ وَاهِمُون... وتَحْلُمُونَ أحْلَامَ الظَّهِيرَة!!.

 

عِنْدَها تَزَاحَمَتْ فِى ذهْنِي قِصَّتَانِ، إحْدَاهُما قِصَّة سَنَة "الْبَطَّة الْعَرْجَـاء" حسب المصطلح السياسي الأمريكي والثَّانِيَّة قِصَّة رَقْصَة "الدِّيكِ الْمَذْبوح"، لَكِنَّنِي لِهَوْلِ المُفاجأة لم أستطع بَعْدُ أن أحدد هل بِسَبَبِ الأولى أم الثانية أم هما معاً دَوَّى ذاكَ الصَّوْتُ الْمُتَلَعْثِم الْقَادِم عَبْر الأثِيرْ.

 

وقد ذكَّرني نَفْسُ الصَّوتِ أيضاً بيوم 8 يونيو 2018، حَيْثُ مَثُلَ الشَّابَّانِ ساليسو إبراهيم وإيسوفو أبرأ أمام محكمةِ زِينْدَرْ بِالشَّرْقِ النَّيْجَيرِي بتُهْمَةِ "الكَلاَمِ الْمشِين والمَسَاس بالنِّظام الدَّستورى"، عندما طَالبَا بِمَأمُورِيةٍ ثَالِثةٍ لرئيس النّيْجَر الحالي محمدو إيسوفو، ويُتَوقَّعُ أن يُسْجَن الشَّبَّانِ لِمُدة عام كامل.

 

فهل يا تُرى ستَحْذُو سُلُطاتِنا القضائية حَذْوَ نَظِيرَتِها النَّيجرية وتقوم بمباشرة إجراءات توجيه تهمة التحريض الْعَلَنِى على خرق الدستور، للوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة؟

 

أمَّا الْقَولُ بأنَّنا واهمين، فلأنَّ حُبَّ البقاء يدفع بالإنسان إلى استخدام العقل من أجل إنتاج الْوَهْمِ لأنَّ "الْحَقِيقَةَ" قَاتِلَة.. قاتله.. قاتله!!! على حدِّ تعبير الفيلسوف الألمانى فريدريك نيتشه.

 

أمَّا احْلام الظَّهيرة: فقد قال ابن سِيرِين رحمه الله: رؤيا النهار مثل رؤيا الليل.

 

وقيل إنه لم يبق من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصَّالِحة، وكما ورد في الحديث فإنَّ "رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة". ونحن ولله الحمد كلُّنا مؤمنون وصَالِحون ورئيسُنا رئيسُ الْعَمَلِ الصَّالِح، فأحلامنا لا شَكَّ صادقه، حَتَّى ولو كانت بِالظَّهِيرَة.

 

وأمَّا الْقَولُ بِالْبَقاءِ: فالْبَقاءُ للَّهِ والدَّوامُ لله... وإنا لله وإنا إليه راجعون!!.

 

ثُمَّ أرْدَفَ مُحَاوِرِى يَقُول: لا تَهُمُّنِى "قِيلَ" و"قَالْ" ولا كَثْرَةُ السُّؤَالْ، ولا تَهُمُّنى حَيْرَتـُكُمْ، ولاَ أُبالِى عَلَى أيِّ قَدَمٍ سَتَرْقَصُون وَبِأَيِّ إيقَاعٍ وتَحْتَ أَيِّ مَوَّالْ.

 

لقد نَصَبْتُم الجُسُورَ أمامكم في الطَّرِيقِ إلى الضَّياع،

وقد أحْرقْتُ أنا الْجُسُور من خَلْفِي كَيْ أضْمَنَ الْانْتِصَارْ،

وقد اتخذتُ قراري فالرأي رأيي والخيار خياري

فَلَوْ تَحَوَّلْتُم كُلُّكُم و"الأمير" مَعَكُم إلَى "توماسات"، فَسٓأعْتَصِم، ولو وحيداً، فِي السَّاحَات، أطُوفُ سَبْعاً وأسْعَى سَبْعاً وأبْكِى ألْفاً، كُلَّ يَوْمٍ عند تِمْثَالِ يُولِيسِيسْ غْرَانَتْ.

 

أمَّا أنَا، كاتِبُ هذه السُّطُور، فَلِأنَّ ما أُحِسُّهُ اكْبَرُ مِن قَلَمِي وَدَوَاتِي، فلا بدَّ أنْ اخْجَلَ إذاً من كِتابَاتِي.