على مدار الساعة

المجلس البلدي

15 سبتمبر, 2018 - 11:09
بقلم: عبد القادر ولد الصيام - OuldSiyam@gmail.com

سيصوت الناخبون في موريتانيا في الجولة الثانية من الانتخابات النيابية والمحلية طيلة هذا الْيَوْم - السبت الخامس عشر من أيلول سبتمبر - ، وسيكون عليهم انتخاب تسعة (9) مجالس جهوية ونواب اثنتي عشرة (12) دائرة انتخابية، ومجالس بلدية لمائة وثمانية (108) بلديات!

 

ورغم أهمية التصويت على النواب والمجالس الجهوية - المستحدثة حديثا - إلا أَن تركيزي - في هذا المقال - سيكون على المجالس البلدية، وذلك لِما لَها من تأثير يومي مباشر على السكان من خلال فرض الضرائب وجبايتها وعدم تقديم خدمات مقابلها.

 

ومنذ بداية الانتخابات البلدية الأولى في عواصم الولايات (1986) وما تبعها من انتخابات في البلديات الريفية (1998) وحتى يومنا هذا ظل كثير من الناس يُطلقون على البلدية "بلية" مع حذف دالها "المهملة" تماماً كما قال الشاعر - عن الهوى - :

 

إن الهوى لهو الهوان بعينه *** نسيتْ له نونا يدُ الكُتّاب!

 

وتُعتَبَرُ البلدية - وهي ما أعبّر عنه هنا بهيئتها المنتخبة - المجلس البلدي - مصدرا للأذى والإزعاج بالنسبة للمواطنين في الوسط الحضري والريفي؛ مما يستدعي التنبيه على الأمر ونقاشه والبحث عن حلول عاجلة له.

 

فبالنسبة للوسط الحضري تقوم البلدية بفرض ضرائب على المنازل والمحلات التجارية دون تقديم خدمات تُذكَر - كالتنظيف وبناء وصيانة المنشآت العمومية التابعة لها - وهو الشيء نفسه الذي تقوم به في الوسط الريفي حيث تفرض ضرائب على المساكن والحيوانات والمزارع والنخيل دون تقديم مساعدة أو علف أو سياج أو ماء للمزارعين أو المنمّين!!

 

 

وغالبا ما يتم اختيار "المجلس البلدي" ورئيسه عبر توازنات قبلية وسياسية تفرضها السلطة الحاكمة، وهُو ما يعني أن "المجلس البلدي" لا يسعى لخدمة المواطنين بل يسير في ركب "ولي نعمته" ويقتسم "المحاصيل" الضريبية والهبات معه!

 

وقد رأى الناس كيف استهتر عمدٌ كثيرون بالمال العام وبنوا منه العقارات واشتروا السيارات الفارهة، كما قام بعضهم ببيع بعضٍ من المداخيل الضريبية للبلدية - كضرائب المحلات التجارية وأسواق بيع الحيوان - لرجال أعمال مقابل مبالغ جزافية ورمزية - مع تزويدهم بالشرطة البلدية التي تُرغم المواطنين على الدفع، أو إغلاق محلاتهم أو احتجاز تجارتهم ومواشيهم – كي يقتسم رئيس المجلس البلدي ريع ذلك مع بعض هؤلاء - ممن دعموه في الحملة أو ممن يشترك معهم في مصالح خاصة!!

 

إن المصائب التي يتسبب فيها "المجلس البلدي" كثيرة، ومن ذلك - كما ذكرتُ سابقا - إرغام الناس على دفع ضرائب لا يحصلون على خدمات مقابلها، وقد حدث في بعض "المدن الكبرى" أن أمر محصل مشهور بإغلاق بعض المحلات بسبب عدم دفعها للضريبة، واعتذر أهلها بأن البلدية لا تقدم لهم خدمات وأن "المحصل" منتخَب في "بلدية أخرى" ولا يجوز له "شراء ريع الضريبة" من البلدية المركزية، وكاد القوم يقتتلون لولا تدخل بعض المصلحين!

 

وقد لا يكون الشاعر "التونسي" مبالغا في وصفه لـ"المجلس البلدي" حيث يقول:

 

قد أوقع القلبَ في الأجسام و الكَمَد *** هوى "حبيب" يُسَمَّى "المجلس البلدي"!

أمشي وأكتم أنفاسي مخافة أن *** يعدّها عامل المجلس البلدي!!

ما شرّد النوم عن جفني القريح سوى *** طيف الخيال.. خيال "المجلس البلدي"

 

إذا الرغيف أتى فالنصف آكله *** والنصف أتركه للمجلس البلدي!

و إن جلستُ فَجيبي لستُ أتركه *** خوفَ اللصوص، وخوفَ المجلس البلدي!

و ما كسوتُ عيالي في الشتاء ولا في الصيـ *** ـف إلا كسوتُ المجلس البلدي

كَأَنَّ أُمِّي - بلّ اللهُ تُربَتَها – أوصتْ *** فقالت: أخوك المجلس البلدي

(...)

وإن أقمتُ صلاتي قلتُ مفتتحا *** الله أكبر باسم المجلس البلدي!

أستغفر الله - حتى في الصلاة غدت - *** عبادتي نصفها للمجلس البلدي!

يا بائع الفجل – بالمليم - واحدة *** كم للعيال وكم للمجلس البلدي؟!!

 

إن التجربة القاسية التي عاناها السكان من "المجلس البلدي" تقتضي منهم التحرّي والتشدُّد في اختيار المجلس البلدي الذي سيحتل "دار البلدية" ويسلب منهم أموالهم دون تقديم خدمات مقابل ذلك، ليبقى المستفيد الوحيد "رئيس المجلس البلدي" وبعض أعضائه المقرّبين وبعض "المورّدين" الذين يقتسمون الكعكة مع "المجلس البلدي"! والذي سيترك المدينة مليئة بالأوساخ والحُفر والجيف، ولن يقوم بتنظيفها – جزئيا - إلا حين يزورها الرئيس، ويكتفي "المجلس" بتنظيف الشوارع التي سيمر منها موكب الرئيس فقط، أما غيرها فلا ينبغي تنظيفه؛ لأن المواطنين همج رعاع لا يستحقون - في نظر المجلس البلدي ولا السلطات الإدارية - أي احترام أو خدمات!!!

 

وبناء على ما سبق فينبغي أن نكرر معا - و بصوت واحد - قول الشاعر "المحلي":

 

شعبَ الكرامة لا تَرْضَ الهوان ولا *** تخضع لظلم ولكن كُفّ واتّئد

وسِر إلى النصر لا تَرْضَ البديل به *** وخُذ بحقك لا تنقص ولا تزد!

فهل مِن العدل أن ترضى دمقرطة *** تُدارُ بالظلم والتزوير والحسد؟!!

وهل مِن العدل أن ترضى دمقرطة *** تقول: لا لخيار الشعب في العُمَد؟!

كلا! وإن رضانا لا مناصَ به *** لِمَن يُرِيد دخول "المجلس البلدي"

وعند يوم الترامي سوف نُشعلها *** حربا على الغش في بسالة الأسد

حتى يكون خيار الشعب محترما *** ويذهب الغير في الأدراج كالزّبد!!

 

إن "المجالس البلدية" في العالَم المتقدم تفتح أبوابها للمواطنين وتستمع لآرائهم ومقترحاتهم في كل المواضيع المطروحة، وتعقد اجتماعات علنية تسمح للمواطنين بالحضور فيها والمشاركة في النقاش، كما تخضع هذه المجالس للمحاسبة الدورية من المواطنين، ويوجد فيها قسم لتقديم الشكاوى من كل المسؤولين ومنهم "رئيس المجلس البلدي" أما عندنا فالمجلس البلدي امبراطورية متغولة تسعى لامتصاص دماء المواطنين وسَلب ممتلكاتهم - باسم القانون - و بقوة الإكراه التي تنفرد بها الدولة!!

 

لقد آن لشعبنا أن يعي التحديات التي تواجهه، وأن يختار مَن يمثله ويخدمه ولا يمنّ عليه ببعض ما يأخذ منه من ضرائب وجبايات، وأعتقد أن تأخير حسم كل هذه المجالس البلدية (108 مجالس) للشوط الثاني - رغم كثرة اللوائح - دليل على نضج الشعب والناخبين الذين أصبحوا يريدون "مجلسا بلديا" يمثلهم ويخدمهم لا مجلسا يتحكم في رقابهم ويأخذ أموالهم غصبا - بمساعدة من السلطات الإدارية والأمنية - وأعتقد أننا سنرى تزايد المساءلة للمجالس البلدية والتعبير عن السخط المتعلق بأدائها في المرحلة القادمة، وربما التظاهر والاعتصام حين تسوء الأحوال و يكثر الظلم والغبن والفساد!